فارق كبير بين القول وحتى أمام رئاسة الوزراء والقيادة بأن بنية وزارتي التربية والتعليم العالي في الأردن جاهزة تماما بنسبة تفوق 70 في المئة لإنفاذ برامج التعليم عن بعد. وبين الإقرار بعيدا عن التضليل والإيحاء والمزاعم بأن البنية غير جاهزة بعد لا على صعيد التشريع ولا الكوادر المؤهلة ولا حتى على صعيد ثقافة الناس التي تبالغ بالعادة في وضع الامتحان التقليدي في سياق من هالة مقدسة بصورة وهمية.
فارق أكبر بين الإصرار على الإنكار وادعاء الجاهزية وبين الإقرار بمشكلات الواقع وطلب الدعم والمشورة لتدشين برنامج طموح يحتاج فعلا لعدة سنوات لإنفاذه خصوصا في مسألة تتعلق بأهم مورد للأردن والأردنيين وهو التعليم.
سياسة التعليم غير مستقرة… تلك مسألة يعلم بها الجميع في البلاد خصوصا من الذين أكثروا من الاجتهاد في وزارات مهمة وسيادية وأساسية وبصورة موسمية وسنوية حيث تنتحل وزارة ضخمة مثل وزارة التربية والتعليم هيئة وشكل وانحياز وعقيدة وزيرها.
شاهدنا بأسف شديد كيف يتجه وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور عمر الرزاز إلى برامج تحديثية وعصرية سرعان ما يتخلى عنها ويتوقف دعمها عندما يصبح رئيسا للوزراء.
معاناة المواطنين مع فوبيا الثانوية العامة وامتحاناتها المتقلبة خير شاهد على حالة عدم الاستقرار تلك.
فوق ذلك كشفت أزمة فايروس كورونا كالبرد عن بعض العلل البيروقراطية حين تبين مثلا بأن برامج التعليم عن بعد التي أمرت قيادة الدولة بها منذ سنوات طويلة لم تكن جاهزة فعلا وبصورة كاملة عندما حصلت أزمة.
وحين تبين بأن اشكالات كثيرة صعب اليوم انكارها تعيش مع الوزارة المعنية بشبكة الاتصالات والريادة حيث إكثار من الكلام على حساب المنجز وحيث تبين مثلا عدم وجود فريق تقني قادر على تفعيل منصة أعلنت عنها الحكومة نفسها خلال أزمة كورونا.
لا توجد دراسات رسمية لها علاقة بعدد العائلات الأردنية التي تملك أجهزة كمبيوتر في المنزل أو التي لديها القدرة فعليا على الاشتراك بخدمات الانترنت.
لا أعرف حكومة في العالم يتغير فيها دوما وزير التعليم كما يحصل في الأردن حيث يمكن لأي شخص أن يتولى الموقع وفقا لمقتضيات المحاصصة ودون تمكينه من البقاء لإنجاز خطة أو مشروع.
التعليم عن بعد ممكن وضرورة ملحة لكن بعد الإرادة السياسية والإدارة النظيفة يحتاج لتأهيل وتدريب ولتثقيف ولخطة أشمل من مجرد عطاء استشاري فني يحال هنا أو هناك فالقصة أعقد
أخفقت آلية اختيار الوزراء بصورة دراماتيكية لا تحتاج الدولة اليوم لإنكارها ولا زلنا نسمع بحسرة كأردنيين تلك النظرة البائسة السقيمة التي تروج للولاء السام على حساب المهنية ومن مواقع قرار للأسف في بعض الأحيان.
السخرية من برامج التعليم عن بعد مؤلمة حقا وسط الناس والشارع كما حصل في أزمة كورونا حيث أطنان من التعليقات على منصات التواصل تسجل ملاحظات وأحيانا آراء لاذعة ومضحكة لها علاقة بأنظمة التعليم عن بعد في موجة من التعليق أقرب لجذع الأنف الوطني.
سمعنا جميعا تلك النكتة التي راجت عن إجبار أم لأولادها على الجلوس أمام شاشة كمبيوتر وهي تستعمل الشبشب كأداة ضغط.
وسمعنا التقدير السياسي الذي يحاول ركوب موجة «اجتثاث الصين» عبر تحريف الحديث بعبارة «توقفوا عن طلب العلم من الصين».
وسمعت من تربوي كبير شخصيا مرارة وطنية في الأعماق وهو يصف ما يحصل بعملية التدمير الذاتي المضللة مشيرا لأنه تقدم من عشر سنوات بدراسة مفصلة عن التعليم المدمج والتعليم عن بعد دون أن يراجعه أو يسأله أحد.
عن الأزمة الأخيرة في ظل كورونا يقول صاحبنا بأن الكادر التعليمي لم يكن جاهزا وأن الاجتهادات تزاحمت والقرارات تعاكست وتقاطعت وبعض الوزراء أربكوا العملية أكثر ويصلح القول في العديد من الحالات بأن من قدم بعض الامتحانات للأسف هم الآباء والأمهات وليس الطلبة والتلاميذ. نقف مع رأي هذا التربوي المخضرم عندما يتعلق الأمر بالدعوة إلى وقفة تأمل بمنهجية التعليم بالمستوى الوطني واستشارة العلماء والخبراء وتوقف الاجتهادات الشخصية والحرص على أن لا يكون نظام التعليم عن بعد مجرد عملية لانفاق مال أو لخدمة بعض الشركات الاستشارية التجارية والوسيطة والتي لا تحفل لا بالأردن ولا بمستقبل الأردنيين.
نضم صوتنا إلى الدعوة الجريئة في الإقرار بواقع مؤسسات التعليم أولا وفي الانصراف ثانيا الى وضع خطة شاملة وطنية لمنهجية التعليم المدمج وعن بعد اعتبارا من الأمس وليس اليوم بدلا من الاسترسال في الوقوف على محطة انكار وجود مشكلة أو شقيقتها محطة الاصرار على ادعاء توفير حلول للمشكلة.
الاستدراك ممكن وكورونا باغت الجميع. لكن الضمير يقتضي تجنب العبث عندما يتعلق الأمر بقيمة التعليم تحديدا حيث مستقبل الأردنيين حكومة ودولة وشعبا. وحيث مساحة اجماع لا مزاودة على طرف فيها.
التعليم عن بعد ممكن وضرورة ملحة لكن بعد الإرادة السياسية والإدارة النظيفة يحتاج لتأهيل وتدريب ولتثقيف ولخطة أشمل من مجرد عطاء استشاري فني يحال هنا أو هناك فالقصة أعقد.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
*(التعليم عن بعد) تجربة جديدة ف الاردن
وأكيد بحاجة لخطة شاملة لتنجح.
مع ذلك نحترم ونشكر جهود الحكومة
عملت بجد ضمن امكانياتها المتواضعة.
حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين.