إيطاليا بعد كورونا.. اختبار اقتصادي صعب بانتظار كونتي

حجم الخط
0

روما: خرج رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، من ذروة وباء كورونا بشعبية متزايدة، ولكنه بانتظار اختبار صعب خريف هذا العام، في ظل ما يتوقع أن يكون “أسوأ” ركود منذ الحرب العالمية الثانية.

وتحول كونتي من مبتدئ سياسي ومحام غير معروف- تم اختياره لقيادة أول حكومة شعبوية في أوروبا قبل عامين- إلى شخصية بارزة في المشهد السياسي الإيطالي.

وأدى التحدي المتمثل في التعامل مع الأزمة غير المسبوقة التي ضربت إيطاليا، مع تفشي فيروس كورونا أواخر فبراير/ شباط الماضي، إلى زيادة خبرة كونتي واحتكاكه بالسياسة.

وأعرب أغلب الإيطاليين عن تقديرهم لإدارة الطوارئ “المركزية”، التي أُجبر خلالها كونتي على اتخاذ قرارات سريعة وجذرية، مثل فرض إغلاق شبه كامل للبلاد لمدة شهرين.

وأصبحت مؤتمراته الصحافية المتلفزة، التي عقدها أيضا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، موعدا منتظما للإيطاليين الذين يتوقون إلى التحديث والاطمئنان عن تطورات الأزمة.

وكانت إيطاليا أكثر الدول تضررا على مستوى العالم في المرحلة الأولى من الوباء، التي أودت بحياة أكثر من 34 ألف شخص.

كما أن القيود التي تفرضها روما على الشركات والناس، باتت نوعا من التجارب التي تحاكيها بلدان أوروبية أخرى لاحتواء تفشي الوباء.

** ثقة عالية

استطلاع أجراه معهد “إكسي”، مايو/ أيار الماضي، أظهر أن 59 في المئة من الإيطاليين يثقون بكونتي، بزيادة قدرها 20 في المئة، وذلك منذ أن فرض الإغلاق قبل نحو 3 أشهر.

محللون صوروا كونتي على أنه القائد العام وسط العاصفة، بحسب المحلل السياسي الإيطالي ماسيميلانو باناراري، في جامعة ميركاتورووم، بالعاصمة روما.

وقال باناراري: “كانت هذه أول أزمة سياسية طبيعية في التاريخ الإيطالي، وكان على الناس أن يثقوا بالحكومة لأن بقاءهم على المحك”.

وأشار المحللون إلى أن شعبية كونتي المتصاعدة، تجعل حلفاءه السياسيين متوترين.

ويرأس كونتي الآن في ولايته الثانية، “ائتلافا مهتزا” تم تشكيله في أغسطس/ آب 2019، بين حركة “5 نجوم” والحزب الديمقراطي (يمين الوسط) لمنع محاولة الحصول على السلطة من قبل زعيم “الرابطة” اليمينية ماتيو سالفيني.

ويتسم الحزبان الحاكمان بضعف القيادة، ومن المرجح جدا أن يفقدا أغلبيتهما بالبرلمان في حال إجراء انتخابات جديدة، ولهذا السبب يقول محللون إنهما يحافظان على هذه الحكومة على قيد الحياة.

** حزب “كون تي”

أفادت تقارير إعلامية بأن كونتي سيكون مستعدا لإنشاء حزبه الخاص، وهو ما أثار توترات جديدة داخل الحكومة، رغم نفي رئيس الوزراء هذه المزاعم.

ويقدر خبراء استطلاعات الرأي أن حزب كونتي المحتمل ــ الذي يطلق عليه اسم “كون تي” (معك بالعربية)، قد ينتزع ما بين 12 و15 في المئة من الأصوات، ما يسرق أنصارا من شركائه.

وخلال فترتي ولايته، اكتسب رئيس الوزراء الإيطالي سمعة طيبة في أوروبا بصفته زعيما معتدلا وموثوقا به.

وكانت مساهمته في المفاوضات الخاصة بصندوق التعافي في الاتحاد الأوروبي، الذي تبلغ قيمته مليارات اليوروهات، والتي تهدف إلى حماية أضعف البلدان الأوروبية من الأضرار الاقتصادية الناجمة عن هذا الوباء، حاسمة.

لكن هناك مخاطر الآن من تحييد هذه المفاوضات من خلال حلفائه المتصارعين، المنقسمين حول كيفية استخدام الأموال لإنعاش الاقتصاد الإيطالي المتعثر.

كما أن التحقيق الحالي الذي يجريه المدعون العامون في مدينة بيرغامو، حول الإغلاق الضعيف لمنطقتي تفشي كورونا في لومبارديا الشمالية، الأكثر تضررا بالفيروس، يمكن أن يشوه أيضا الصورة السياسية لكونتي.

واستجوب الادعاء رئيس الوزراء 3 ساعات، الجمعة الماضية، كشاهد في القضية، وقال كونتي حينها إنه “ليس قلقا، وسيكرر ما فعله مرة أخرى”.

** اختبار البقاء على قيد الحياة

ومع ذلك، لا تزال إيطاليا بانتظار الاختبار الحقيقي لبقاء كونتي السياسي، فبعد تعامله مع حالة الطوارئ الصحية، من المفترض أن يرعى إيطاليا من خلال ما يتوقع أن يكون “أسوأ” ركود منذ الحرب العالمية الثانية.

ونهاية مايو الماضي، أكد بنك إيطاليا المركزي أن الإغلاق الصارم المفروض في جميع أنحاء البلاد لوقف الوباء، كاد يودي بالاقتصاد إلى الانهيار.

وتشير التوقعات الاقتصادية إلى أن إيطاليا قد تعاني انخفاضا في ناتجها المحلي الإجمالي بين 8 و13 في المئة في 2020.

وقال كارلو بونومي، رئيس جماعة الضغط التجارية الرئيسية، إن ما يصل إلى مليون وظيفة قد تضيع بسبب الوباء.

وأضاف: “قد تؤدي الأزمة إلى تفاقم الفجوة الاقتصادية بين الشمال الأكثر ثراء وصناعة، والجنوب الذي يعتمد أساسا على الزراعة، حيث ترتفع معدلات البطالة بين الشباب إلى 40 في المئة”.

وخصصت الحكومة الإيطالية حوالي 75 مليار يورو (83.25 مليار دولار) مساعدات لإعانة الشركات والأسر المتضررة من تداعيات الوباء، ولكن قد يتبين أنها غير كافية مع تحقق الآثار الكاملة للأزمة في الخريف.

وعلى صعيد آخر، قاطعت المعارضة قمة اقتصادية كبيرة دعا إليها كونتي، مع جميع أصحاب المصالح السياسيين والاجتماعيين الرئيسيين، وبدأت السبت الماضي.

وهناك مخاطرة بأن تكشف القمة عن خلافات الأحزاب الحاكمة حول خطة اقتصادية طويلة الأجل.

وقال وولفانغو بيكولي، رئيس شركة الأبحاث “تينيو” (مقرها لندن): “عندما تصبح التكاليف الاقتصادية والاجتماعية للوباء واضحة بشكل كبير هذا الخريف، فإن الأطراف التي تدعم كونتي ستتحول ضده، وستستخدمه كبش فداء سياسي”.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية