في إطار مشروع ارتياد الآفاق، الذي يرعاه الشاعر محمد السويدي. صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب «من إسطنبول إلى باريس». يجول بنا هذا الكتاب الحائز جائزة ابن بطوطة لتحقيق المخطوطات 2020 في رحلة محمد جلبي أفندي إلى فرنسا، وهو المعروف باسم بيكرمي سيكز عام 1721-1720، وقد حقق هذه الرحلة وقدم لها الباحث المغربي محمد الزاهي.
تندرج هذه الرحلة إلى فرنسا ضمن الرحلات الدبلوماسية، وهي عادة ما يكلف أصحابها بمهام محددة بين ملوك الأقاليم وسلاطينها، تتمثل في افتكاك أسير أو تأكيد أواصر الصداقة، أو إبرام اتفاقية. وقد عيّن السلطان العثماني أحمد الثالث السفير محمد جلبي أفندي مبعوثا إلى ملك فرنسا لويس الخامس عشر، لفتح عهد جديد في العلاقات بين الامبراطورية العثمانية وفرنسا.
وقد دون هذه الرحلة محمد أفندي المعروف ببيكرمي سيكز المتوفى سنة 1145هـ / 1723م من بواكير هذا النوع من الرحلات في التراث العربي الإسلامي ودونها إثر عودته من باريس، في شكل تقرير عن هذه الرحلة قدّمه إلى الصدر الأعظم إبراهيم باشا.
ولدى اطلاع المحقق على النسخة المخطوطة من هذه الرحلة، المحفوظة في مكتبة جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية اكتشف ما لها من قيمة، فهي تندرج في بواكير الرحلات الشرقية إلى أوروبا.
دوّن محمد أفندي ما شاهده في فرنسا من مظاهر التقدم العلمي والمعماري والفني، ووصف القصور والحدائق والمعاهد التعليمية والمسارح وتحدّث عن مكانة المرأة ودورها في الحياة العامة.
خلال مرحلة تعرفه على النص سيكتب المحقق، «كلما تقدمت في قراءة نص الرحلة رغم أسلوبه الضعيف، أدركت قيمة ما دونه محمد أفندي. فقررت تحقيق هذه الرحلة، آملا في أن أساهم في إضافة نص مهم ووثيقة نادرة إلى المكتبة العربية أسهمت إلى حد ما في بناء جسور التواصل بين العالم الإسلامي وأوروبا في القرن الثامن عشر ميلادي». وقد اعتمد المحقق في عمله على النسخة المشار إليها، ونسخة أخرى محفوظة في المكتبة الملكية في مدريد، فقام بالمقارنة بين النسختين، واشتغل على سد ثغرات الواحدة منهما بالأخرى، وأعد فهرسا للأعلام والأماكن والموضوعات، وقدم دراسة ضافية للرحلية تشكل هذه الدراسة مدخلا إلى الرحلة وموضوعاتها وزمنها ومسارها وشخصية صاحبها.
يقع الكتاب في 200 صفحة من القطع الكبير