أبو كلثوم الأدرعي…

حجم الخط
16

أثارت تسمية شارع في مدينة حيفا على اسم أم كلثوم جدلاً، بين متحمّسٍ ومتهكّم ومستغلٍ للفكرة سياسيًا.
الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي آفيخاي أدرعي، تحدث عن السّلام والمحبة والوئام والتعايش في حيفا، المدينة المختلطة بروح شمس الأصيل «وصفونا في المحبّة هو هو صفاك/ ملناش لا إحنا ولا انت في الحلاوة مثيل».
ومن جانب آخر تهكّم يائير نتنياهو، نجل رئيس الحكومة، على قرار لجنة التسميات في بلدية حيفا، ووصف الأمر بأنه جنون، وأضاف بأنكم من الآن ممكن أن تسمّوا شارع الاستقلال باسم «بلادي بلادي».
في حيفا أكثر من ثلاثين ألف مواطن عربي، يشكلون حوالي 10٪ من سكان المدينة حاليًا، معظمهم قدموا من القرى العربية، بعدما لم يبق في حيفا بعد النكبة سوى ألفين وخمسمئة مواطن من أصل سبعين ألف عربي، بسبب تهجيرهم بقوة السلاح.
للعرب ممثلون منتخبون في البلدية انضموا للائتلاف البلدي، ومن بعض بنود الاتفاقية الائتلافية هو العمل على مكافحة العنصرية.
مما لا شك فيه أن تسمية أم كلثوم على شارع في حيفا هي خطوة إيجابية، وهذا شرف كبير لحيفا، إلا أن تسمية شارع أو حارة ولا حتى مطار لا تكفي للتغطية على جريمة مستمرة منذ سبعة عقود في المحو والإلغاء والتغيير في الأسماء ومعالم المدينة وأحيائها ومؤسساتها وعمارتها العربية.
أم كلثوم لم تكن فنانة فقط، فقد كان لها موقف سياسي كذلك، وقد أنشدت «والله زمان يا سلاحي» إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، الذي اشتركت فيه إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، بعد إعلان تأميم قناة السويس، وتحوّل إلى نشيد مصر الوطني، حتى استبدله الراحل أنور السادات بنشيد «بلادي بلادي».
لأم كلثوم تراث في الأغنية القومية والوطنية، إلى جانب أغانيها للثورة المصرية، غنّت للثورة الفلسطينية «أصبح عندي الآن بندقية» من كلمات نزار قباني، وألحان محمد عبد الوهاب.
أم كلثوم زارت حيفا ويافا والقدس قبل النكبة بعشرين عامًا، ويقال إن لقب كوكب الشرق أطلقته عليها سيدة من طيرة حيفا تدعى أم فؤاد، أثناء حفل لها في حيفا.
إذاعة إسرائيل بالعربية خصّصت منذ عقود ساعة يوميًا لأم كلثوم لجذب المستمعين إليها، ولكن هذا لم يغيّر واقع العنصرية، بل حاول أن يلمّعها وأن يموّه الحقائق على أرض الواقع، وأن يلحق بأم كلثوم حديث «العم حمدان» الموجه إلى الشعب المصري ضد جمال عبد الناصر، وحديث «ابن الرافدين» الموجّه للشعب العراقي ضد ما كان يسميه حكم التكارتة – نسبة إلى تكريت.
الفنان العظيم يرفع قيمة فنِّه، فيرتقي الفن به، هذا ما فعلته أم كلثوم، فقد ارتقت بالموسيقى العربية إلى مستويات غير مسبوقة، وتعتبر اليوم الممثل الشرعي الأول للموسيقى العربية التي نستطيع أن نفاخر بها الأمم.
يتهافت السياسيون على الفنان الكبير لاسترضائه وإظهار حبهم وإعجابهم بفنه، فالسياسي يحتاج إلى الفنان الكبير، وقد كرّم أم كلثوم عددٌ من القادة العرب، وعدد كبير من المؤسسات العربية والأجنبية، ومنها المتحف الوطني الأمريكي لفنون المرأة وعرض مسرحية في لندن تحكي سيرتها.
أم كلثوم غنّت لشعراء عرب من غير المصريين، وكانت أحد رموز حلم الوحدة العربية، وغنّت من التراث الشعري الديني العربي القديم، ومن التراث العالمي، رباعيات الخيام مترجمة من الفارسية.
قدّمت أم كلثوم خدمةً كبيرة إلى اللغة العربية وأبنائها، فمئات أغانيها الفصيحة طوّعت القواعد العربية الصعبة على ألسنة متعلّمين وأميين وأشباه أميين، إضافة إلى المعاني الراقية والمستويات الفنية في الشعر الذي غنّته، سواء في المحكية المصرية أو العربية الفصحى، فهي تستحق أن تكون عضوًا فخريًا، في كل مجامع اللغة العربية.
عندما ألتقي طلاباً في المدارس العربية، أنصحهم بقراءة القرآن الكريم والكتب القديمة المُشكّلة، والاستماع إلى القصائد الفصيحة التي تغنيها أم كلثوم، فهذا كي يسهّل عليهم استعمال اللغة، ويقرّبها منهم.
إضافة إلى اللغة فقد جعلت من الفلسفة موضوعاً ممكن لأي إنسان عادي أن يطرقه من خلال رباعيات الخيام مثلاً» إن تُفصلُ القطرةُ عن بحرها/ ففي مداه منتهى أمرها» إلخ.
وكان للشعر الصوفي مكانه، في أكثر من أغنية، أشهرها «القلب يعشق كل جميل»، يتخيّل الشاعر بيرم التونسي نفسه في الجنة بعد زيارة الكعبة المشرفة: «جينا على روضة/ هلا من الجنة/ فيها الأحبة تنول/ كل اللي تتمنى/ فيها طرب وسرور/ وفيها نور على نور/ وكاس محبة يدور/ واللي شرب غنى/ وملايكة الرحمن كانت لنا ندمان/ بالصفح والغفران/ جاية تبشّرنا».
أم كلثوم مثّلت دور المرأة المناضلة التي شقّت طريقها رغم العوائق الكبيرة في مجتمع محافظ وذكوري جدًا.
في هذه المناسبة، وبما أن الرجل الشرقي معروف أكثر بقمعه لإناث أسرته، فأعتقد أن الشيخ إبراهيم البلتاجي، والد أم كلثوم، يستحق التقدير الكبير، لقد أدرك قبل حوالي مئة عام أهمية دعمه لها كي يوصلها، علمًا أن خطوة أبي أم كلثوم لم تكن سهلة، وهي خطوة يتردد عن القيام بها كثيرون، حتى في أيامنا هذه. أما خطوة بلدية حيفا فيجب أن توضع في إطارها الصحيح، من دون مبالغة في خطورتها كما كتب يائير نتنياهو، كأنها مقدمة لتغيير جوهري في سياسة بلدية حيفا، وبدون تبخيس لها كما فعل بعض العرب الذين قالوا لو أن أم كلثوم حيّة لكانت انتحرت، وفي الوقت ذاته، رفض استخدامها كورقة توت لتغطية جرائم الاحتلال كما يحاول أبو كلثوم الأدرعي أن يفعل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حواس الجزائري:

    ولان أي مغني عربي هو جندي في الجيش الإسرائيلي. ففي الحروب العربية الإسرائيلية كان الجنود الصهاينة يرتلون التوراة والجنود العرب كانوا مشغولون بأم كلثوم. فقدمت خدمة جليلة للصهاينة فأكيد يكرمونها. و من شهرين أشاد قائد في الجيش الصهيوني بالأغنية المصرية يا بنت الجار؟ لأنها فيها اعتداء على عرض الجار، وبنت الجار بمنزلة الأخت أو البنت، والتحرش بها ومغازلتها خيانة لجار أخ مسلم وهذا تفكيك للمجتمع المسلم. وهذا يخدمهم أكيد يشيدون به.

  2. يقول رسيله:

    مقالتك كاتبنا قمة في الروعة والجمال فمنذ احتلال فلسطين، ظلّ المكان مسرحاً للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لأنه يشكل مضمون الذاكرة الجماعية بكل تفاصيلها. إدراكاً لتلك الأهمية، عمدت إسرائيل إلى إخضاع ذاكرة المكان لطمس منهجي عبر تغيير هويته. ولا يتمّ ذلك فقط بمفهوم التملك والحيازة، بل بفرض السيطرة الثقافية والدينية والتاريخية والجغرافية عليه، أي بفرض “اليهودية”، بحيث يأخذ حيّزه ومركزيته في الإيديولوجيا الصهيونية. بالتالي، فإن كلّ طبقة ذاكرة تستحدث لدعم المشروع الاستيطاني تأتي لتغطية طبقة من طبقات الذاكرة الفلسطينية الموجودة على الأرض، إما عبر تدميرها أو بالاستيلاء عليها وتهويدها.
    داخل الأراضي المحتلة عام 1948، تركّز المحور الأول على طمس المعالم الفلسطينية وتدميرها، وإقامة أخرى مكانها، كما حصل مع 531 قرية فلسطينية طهرت عرقياً، ودمرت بالكامل خلال نكبة فلسطين، وهجر سكانها الذين بلغ عددهم عام 1948 حوالي 805.067 نسمة. على أنقاض معظم تلك القرى، تم بناء مستوطنات يهودية، بينما أقيمت فوق البقية حدائق عامة وغابات ومحميات طبيعية، واستخدمت حجارة بيوتها لبناء جدران استنادية لها. ( يتبع )

  3. يقول رسيله:

    ( تكمله ثانيه ) اعتبر الباحث الفلسطيني مصطفى كبها، صاحب كتاب “الصراع الفلسطيني ـ الصهيوني والحرب على الذاكرة”، أن المحور الثاني يستهدف أراضي الضفّة الغربية، ويقوم على الاستيلاء على المقامات والآثار الدينية المنتشرة في مدن الريف الفلسطيني، من خلال الروايات التوراتية المختلقة. هذا نهج للسيطرة على المعالم الدينية والأثرية وتغيير معالمها والادعاء أنها إرث ديني يهودي وإقامة مستوطنات عليها. يشرح: إن الاحتلال يسعى من استهداف تلك المواقع الى خلق ارتباط إيديولوجي وعقائدي لدى المستوطنين، لدفعهم إلى الإقامة داخل تلك المستوطنات، وزرعهم في الأرض، ودفعهم إلى التمسك بها كإرثٍ ديني وعقائدي لهم.
    تحمل المستوطنات عادةً أسماء توارتية تدلّ على المواقع الأثرية المقامة عليها أو المحيطة بها، بعدما تمّ الاستيلاء عليها وتهويدها. فمثلاً، اسم مستوطنة “بيت ايل” الواقعة في شمال مدينة رام الله، يعني “بيت الرب”، وقد أقيمت فوق تلة هي مذبح كنعاني لـ “الإله إيل”.( يتبع )

  4. يقول رسيله:

    ( تكمله ثالثه ) المحور الثالث الذي يتم عبره تغيير الوجه العربي لفلسطين كلياً، هو: تهميش اللغة العربية. ويتمثل بتغيير تسميات مدن وقرى عربية ما زالت قائمة ومأهولة بالسكان، وذلك باعتماد نص عبريّ في كتابتها للغة العربيّة. مثلاً، الناصرة تصبح في اللغة العربيّة نتسرات، ويافا تصبح يافو، وشفاعمرو تكتب بالحروف العربية شفارعام، والقدس تكتب أورشليم. وتمّ نشر هذه التسميات على موقع وزارة المواصلات الإسرائيلية، وعلى كل اللافتات الإرشادية في الشوراع، وكذلك عند مداخل تلك المدن.
    أما المدن القائمة والتي أفرغت إما كلياً أو جزئياً من سكّانها العرب فقد تم تحريف اسمها إلى اسمٍ عبريّ مشابه لفظاً للاسم العربيّ الأصليّ. فيكتب اسم المدينة باللغة العبرية في رأس اللافتة، يليه الاسم المعبرن بحروف عربية، ثم إنكليزية. مثلاً، عسقلان تصبح أشكلون، وبيسان بيت شان، والخضيرة حديرا، وصفد تْسفات، وصفورية تسيبوري، وعين جالوت عين حارود، وقرية الشيخ سلامة كفار شاليم.( يتبع)

  5. يقول رسيله:

    (تكمله رابعه ) تعترض الفلسطينيّين إشكاليّات عدّة في مواجهتهم للنهب الذي يتعرّض له موروثهم الحضاري. من أبرز هذه الإشكاليات، القيود الإسرائيلية التي تحدّ من قدرتهم على مواجهة الحملات، كمنع الجهات الفلسطينيّة من الوصول إلى الأماكن الأثريّة، خصوصاً في الضفة الغربية، ما يحول دون توفير الحماية اللاّزمة لها، ورصد الانتهاكات الاسرائيلية ضدها.
    ويشرح الخبير في الشؤون الإسرائيلية عبد الحفيظ محارب أنّ إسرائيل تخصص ميزانيّات هائلة، وكذلك توفر الخبراء والدراسات، من أجل السيطرة على الإرث الفلسطيني، وإعطائه طابعا يهوديّا، لسلخه عن محيطه العربيّ.
    وبحسب محارب، فإن المسؤولية تقع ليس فقط على الجهات الرسمية، بل أيضاً على أبناء الشعب الفلسطيني، ومؤسساته الثقافية والأكاديمية، من أجل وضع الخطط اللازمة لمواجهة التهويد. ويقول: “إن الأمر يحتاج إلى حملات توعوية داخلية على مستوى الأفراد، وكذلك حملات إعلامية في كل المحافل الدولية”.( يتبع)

  6. يقول رسيله:

    ( تكمله اخيره ) إن اسرائيل، يضيف محارب، تراهن على موت الذاكرة الفلسطينية، خصوصاً بين الأجيال التالية من أبناء الشعب الفلسطيني. وإذا لم تنوجد خطط واضحة لمواجهة هذه الانتهاكات الإسرائيلية، فإن التاريخ الفلسطينيّ بأكمله، وآلاف الآثار التاريخية لحضاراتٍ قديمة مرّت قبل آلاف السنين على أرض فلسطين، مهددة بالاندثار، أو التدمير، أو التهويد.
    كاتبنا المميز اذا كان الصهاينه يسعون إلى تهويد الآثار والحضارة والذاكرة الفلسطينية ويشعرون بان ذاكرة المكان تهدد كيانهم المزعوم فكيف سيتقبل ابو كلثوم الادرعي تسمية شارع باسم الست ام كلثوم وهي كما اشرت رمز للارث
    الوطني الحضاري العربي .
    الرائع سهيل كيوان كما عودتنا دائما نجحت في وضع يدك على الجرح النازف فسكب القلب ما فيه ، دمت بخير دائما.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية