لا نفتأ يوما إلا ونقرأ ونسمع عن ما يسمى بالإعلام الجديد في مقارنة مع الإعلام القديم.
الإعلام الجديد يقصد به وسائل التواصل الاجتماعي التي انتشرت عبر الشبكة العنكبوتية من فيسبوك، وتويتر، وانستغرام، ويوتيوب، وسواها من المحركات البحثية التي أصبحت تمثل فضاء واسعا أمام المجتمع ليشارك في العملية الإخبارية، والفكرية، والتواصل بين الأفرد، بل وأداة سياسية يستخدمها السياسيون «ليغردوا» ويضعوا آراءهم حول حدث معين، أو موقف، أو رد على تغريدة معادية أو منافسة.
مجتمعات الاستهلاك
أما ما يوصف بالإعلام القديم، فهو كل وسائل الاتصال الجماهيري من صحافة مكتوبة، وإذاعةـ وتلفزيون..، لكن هل يلغي الجديد القديم؟
إن تاريخ الإعلام وتطوره يؤكد أنه لم تحل وسيلة جديدة محل وسيلة قديمة وتلغيها، فكل وسيلة لها جمهورها المتمسك بها وإن كان منفتحا أيضا على وسائل أخرى. مصطلح وسائل الاتصال الجماهيري (mass media)الذي ظهر في ثلاثينيات القرن الماضي في واقع الأمر ظهر بسبب مجتمعات الاستهلاك التي بدأت تظهر وتتطور منذئذ بفضل ظهور طبقات وسطى قادرة على الاستهلاك، وتمتين وجودها الاجتماعي عبر رفع مستوى ثقافتها عن طريق الاستهلاك الثقافي أيضا أي شراء الصحف والمجلات، والكتب، ومشاهدة الأفلام السينمائية في الصالات..
وقد تعززت هذه الظاهرة مع اختراع آلة الراديو وظهور الإذاعات التي بات من الممكن لهذه الطبقات الاجتماعية اقتناؤها، بل سهل المنتجون اقتناءها لترتبط بالإعلان التجاري (marketing advertisment ) لتصل إعلاناتهم لأعرض شريحة ممكنة خاصة وأنها موجهة لكل شرائح المجتمع وخاصة هؤلاء الذي لا يتقنون القراءة أو ليس لديهم الوقت لها فيكتفون بالسماع لما تقدم لهم الإذاعات وخاصة ربات المنزل.
وكان ذلك أيضا سببا في انتشار الصحف، والمجلات بشكل كبير بعد أن استفادت من عائدات الإعلانات. فبروز الإذاعة لم يلغ دور الصحافة المكتوبة وإن قضمت شيئا من عائدات الإعلان. ومع ظهور التلفزيون وانتشاره السريع تراجع دور الإذاعة قليلا، ولكنه لم يلغها بل بات دورها يتأقلم مع الوسيلة الجديدة وبحثت عن نفسها في بث برامج وأخبار سريعة في أوقات مختلفة خارج أوقات الذروة للبث التلفزيوني.
الصحافة الورقية
مع بداية تسعينيات القرن الماضي بدأ المشهد الإعلام ي يهتز ويأخذ أشكالا جديدة مع إنشاء وسيلة جديدة قلبت الموازين التقليدية للاتصالات، والتواصل، والإعلام بشكل عام. فعلى مستوى الاتصالات أحدثت شبكة الإنترنت ثورة كبيرة فيما يخص تطبيقات عديدة للتواصل بدل الهاتف التقليدي (ماسينغر، سكايب، زووم.. الخ). كما أن اختراع الهاتف المحمول جعل الهاتف المنزلي الثابت بدون قيمة فعلية حتى أن معظم البيوت ألغت امتلاكها لخط ثابت.
أما فيما يخص وسائل الإعلام فقد تلقت الصحافة المكتوبة (الورقية) ضربة قوية، بسبب خسارتها لعائدات الإعلان التي تحولت إلى الشبكة العنكبوتية (في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها اختفت حوالي 300 صحيفة ومجلة عن الصدور خلال العقدين الماضيين ومنها مجلة لايف وريدر دايجست أشهر مجلتين وأكثرهما انتشارا) بل أن معظم الصحف التي تصارع من أجل وجودها تحولت أيضا إلى الشبكة العنكبوتية ( WEB) لإصدار نسخة إلكترونية إلى جانب نسختها الورقية كي تحافظ على مستوى عدد قرائها وبالتالي الحفاظ على بعض الإعلانات والتحفيز لجمع اشتراكات جديدة أقل تكلفة.
أما القنوات الإذاعية والتلفزيونية فقد سلكت نفس طريق الصحافة المكتوبة بإنشاء مواقع إخبارية وبث مباشر على الشبكة أيضا. بيد أن الثورة الحقيقية والتي اصطلح على تسميتها بالإعلام الجديد هي تمكين الفرد العادي من المشاركة الإعلامية عبر تطبيقات عديدة ( بلوغ، يوتيوب، فيسبوك، تويتر، انستغرام.. مواقع الكترونية خاصة..). هذه الفضاءات جعلت من الفرد مرسلا، ومستقبلا، ومنتجا في آن معا بعد أن كان مستقبلا فقط، ومستهلكا. بل وعازفا عن استهلاك وسائل الإعلام الرسمية، وخاصة القنوات التلفزيونية والإذاعية. (خاصة الشريحة العمرية 15ـ30 سنة). بل برزت محركات بحث هامة (غوغل، ياهو..) التي تعطيك المعلومة بيسر وسرعة سهلتا على الباحث الكثير من الجهد.
وظهرت موسوعات ( ويكيبيديا) أيضا تعطيك الوافر من المعلومات العامة. هذا الوضع الجديد والقائم حاليا والسريع التطور، خلق مهنا جديدة (انفوغراف، مصمم مواقع، ديفلوبر، مواطن صحافي..) ولكن هذا لا يعني أن الحياة في الإعلام الجديد وردية دون شائبة، فوسائل التواصل الاجتماعي تعج بمهاترات وشتائم بين المتناقشين حول قضايا معينة، بل وترويج أخبار مزيفة، وبعض الأنظمة أنشأت أجهزة مراقبة وترصد، وجندت جيوشا الكترونية للمتابعة والردود، وبث الأخبار المضادة وبعضها مفبركة.
الفيديوهات المضللة
وأعداد كبيرة من الفيديوهات على يوتيوب مضللة، وهناك ظاهرة الألعاب الخطيرة التي تغري لاعبيها وتدفعهم حتى للانتحار. وكذلك استدراج المراهقين والمراهقات والتغرير بهم. وهناك من يستغلها للدعوة للعنصرية والدعارة.. وانتشرت المواقع الإباحية بكثرة. ولا بد إزاء هذه الظواهر أن يتم سن ميثاق أخلاقي رادع لاستخدام وسائل التواصل يمنع الدعوة للعنصرية، والدعارة، والترويج للمخدرات، وخطاب الكراهية..
بعض المواقع تقوم بدور المراقبة والحظر ولكن يبقى ضمن إطارها ولا بد من أن تكون عامة.
كاتب سوري