بيروت ـ «القدس العربي»: غيّب الموت الاديب اللبناني القدير جورج جرداق الشاعر والكاتب صاحب القلم الناقد اللاذع والساخر الذي ذاع صيته في انحاء العالم العربي واصبح قبلة انظار جميع المطربين والمطربات العرب ولاسيما بعد ان كتب في العام 1968 لكوكبة الشرق السيّدة أم كلثوم قصيدة «هذه ليلتي « التي لحّنها العملاق محمد عبد الوهاب ,وكانت له اعمال وبصمات مع الكبار الكبار الذين نسج معهم علاقات طيبّة أمثال السيدة فيروز والاخوين الرحباني ووديع الصافي ونصري شمس الدين ورياض السنباطي وغيرهم وغيرهم من الرعيل والاسماء التي صنعت السجلّ الفنيّ الذهبّي في عالمنا العربي .
والشاعر جورج جرداق ابن بلدة جديدة مرجعيون الجنوبية رحل عن عمر يناهز 83 عاماً بعد غيبوبة اصابته واستّمرت لمدة شهر ، هو الذي تلقى علومه التكميلية في مدارس جديدة مرجعيون ,ويحكى عنه انه كان منذ صغره يهوى القراءة والمطالعة اذ كان يهرب من المدرسة ليحفظ شعر المتنبيّ وفقه اللغة العربيّة في مجمع البحرين للشيخ ناصيف اليازجي تحت ظلّ شجرة بالقرب من «مرج عيون» في السهل الشرقي وعندما أبلغت المدرسة ذويه عن فراره المستمرّ بهدف معاقبته دافع عنه شقيقه فؤاد الذي أكدّ» أنّ ما يفعله جورج هو مفيد له أكثر بكثير من المدرسة « بعدها انتقل جرداق الى بيروت والتحق ب «الكليّة البطريركيّة « التي تخّرج منها في العام 1953 لتنطلق مسيرته في عالم الكتابة والتأليف في الصحف والمجّلات اللبنانيّة والعربيّة، فاستهلّ عمله الاعلامي في مجلّة «الحريّة « ثمّ «الجمهور الجديد « «فالكفاح العربيّ « و»الانوار « الى صحف دمشق والقاهرة .
وأكثر ما عرف عنه منذ مطلع السبعينيات وحتى اليوم هو نقده القاسي والساخر واللاذع في مجالات الادب والسياسة والفنّ والحياة وما كان يسميّه أيضاً «بالغباء الاجتماعي « من خلال كتابته على صفحات مجلة الصيّاد في زاوية «تحت الصنّارة « وفي « الشبكة «.
وتعّرف عليه الجمهور اللبناني والعربي الواسع أكثر فأكثر من سنوات وسنوات من خلال اطلالته الاذاعية عبر أثير اذاعة « صوت لبنان «ضمن برنامجه الصباحيّ «على طريقتي «وهو نوع من السخريّة الساخنة والمحببّة في مختلف الحقول والمجالات .
وأبرز كتاباته ومؤّلفاته على الاطلاق كتابه «فاغنز والمرأة «,الذي طلب الدكتور طه حسين عميد الادب العربي ادراجه ضمن لائحة الكتب التي يجب أن يتابعها بتمعّن كلّ طالب دكتوراه في الادب العربيّ , موسوعته الفكريّة الشهيرة حول « الامام علي « والعدالة والتسامح التي طبعت منها وفقاً للاحصائيات أكثر من خمسة ملايين نسخة حتى اليوم وترجمت الى الفارسيّة والاورديّة – لغة مسلمي القارة الهنديّة والاسبانيّة والفرنسيّة ,هذا فضلاً عن قصيدته «هذه ليلتي «للسيدة أم كلثوم والتي لحنّها الموسيقار محمد عبد الوهّاب الذي قال عن صاحب القصيدة :»انّ في شعر جورج جرداق من الموسيقى ,ما لا يستطيع اللحن أن يجاريه أو يدانيه .»وكان عبد الوهاب الذي سكن في جوار جورج جرداق في صيف 1967عاماً كاملاً في لبنان يمضي سهراته في أحد الفنادق في بحمدون في قضاء عاليه المطّل على وادي «لامارتين «وفي احدى السهرات كما يرويها الشاعر جرداق بنفسه :» قال له صاحب يا جارة الوادي تحدّثت اليوم مع أم كلثوم عبر الهاتف وسألتني عنك وعن اطالة غيابك عن مصر وهي تهديك تحيّاتها وتطلب منك أغنية للموسم الجديد ,وتابع جرداق يقول :»صار كلّ ليلة يسألني أين أصبحت القصيدة ؟ وفي احدى الليالي وكان معنا يوسف وهبي واحسان عبد القدّوس ونجاة الصغيرة وفريد الاطرش ,وشوشني عبد الوهاب بأن نخرج الى الشرفة المطّلة على الوادي وهناك رحت أدندن بعض أبيات الشعر فطلب اليّ أن اعيدها على مسمعه وصاح هذه القصيدة التي نبحث عنها « .
وبغياب الاديب القدير جورج جرداق الذي خسره لبنان علماً من اعلام الادب والصحافة في العالم العربي سنفتقده على الدوام غير اننا في المقابل سنظّل نرّدد معه ومع السيدة أم كلثوم منشدين «سوف تلهو بنا الحياة وتسخر ….فتعال أحبّك الان أكثر وردة ….» .
فنم قرير العين يا استاذ جرداق لانّ امثالك وان رحلوا فسيبقوا خالدين من خلال ما أودعونا من اعمال وكتابات لا تمحوها الذاكرة ….
ناديا الياس
ربنا يرحم امواتنا جميعا و يسكنهم فسيح جناته