المغرب ينتظر صدور أهم وثيقة لتنظيم الصحافة والنشر منذ الاستقلال

حجم الخط
0

الرباط – «القدس العربي»: شكلت حرية الإعلام والتعبير رمزية مكثفة ومقياسا للحريات العامة وحقوق الإنسان، التي ظلت دوما أحد أبرز مظاهر الديمقراطية، في أي مجتمع من المجتمعات، وتعمقت هذا الرمزية وتكثفت مع التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال وتأثير ذلك على الاحتكاكات بين صناع الرأي العام وصناع القرار.
والحريات، كأي نشاط إنساني، مسألة نسبية وتخضع لحكم القيمة، لا تضبط ولا تقاس بمعايير علمية مدققة، لذلك تتباين القراءات والتي تكون أحيانا محكومة بمواقف سياسية مسبقة، تبالغ أو تقلل من قيمة الإنجاز أو خطورة الانتهاك.
وحريات الإعلام في المغرب، كغيرها من الحريات، لا تخرج عن هذا السياق، لذلك تجد المسؤولون المغاربة يقرأون باستغراب التقارير الدولية التي تضع بلادهم في عداد الدول التي تفتقد للحريات الصحافية والإعلامية، أو تشهد انتهاكات كالمصادرة للمطبوعات أو اعتقال صحافيين أو فرض غرامات باهظة عليهم.
والمتفق عليه ان المغرب يمر، منذ منتصف التسعينات، بمرحلة انتقال ديمقراطي تسارعت خطاه بعد تولي العاهل المغربي الملك محمد السادس العرش في تموز/ يوليو 1999، يتعثر أحيانا أو يكبو، لكنه متواصل، وقياسا على ما كان وقياسا مع الإقليم فإن المغرب ذاهب بخطوات واسعة نحو توسيع هامش حرياته وإعلامه، خاصة بعد انتشار الصحف المستقلة وتضاؤل حضور الصحف الحزبية وغياب الصحف الرسمية، وفتح الفضاء المغربي للإعلام السمعي المستقل أو غير المملوك للدولة وإنْ بقي محافظا على وسائل الإعلام البصري مملوكا للدولة وعدم إعطاء الترخيص لأي قناة تلفزيونية خاصة.
ومن المؤكد ان الفضاء الذي انفجر قنوات تلفزيونية، ثم الانتشار الواسع للصحف والمواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، قلص قدرات أية دولة على التحكم في صناعة الرأي العام، رغم المحاولات المكثفة للدولة، خاصة دول العالم الثالث، للتدخل وتأطير كل هذا الفضاء بما يخدم رؤيتها ومقاربتها لمختلف القضايا التي تهم المجتمع.
وتقارير المنظمات الدولية المتعلقة بحريات الصحافة التي كثيرا ما تثير حفيظة المسؤولين المغاربة تعتمد معايير لقياس هذه الحريات وتصنيف الدول حيث تشكل ممارسة المهنة ومدى حرية هذه الممارسة أرضية لتلك التقارير، فإن القانون المنظم لممارسة مهنة الصحافة يشكل مرجعية.

قضايا النشر تحال

إلى القانون الجنائي

في المغرب لا زال قانون الحريات العامة 1958 رغم ما كان يمثله من تقدم في حينه، هو الضابط لممارسة مهنة الصحافة، والتعديلات التي أدخلت عليه طوال الـ 57 عاما الماضية، بقي في المرجعيات الدولية لا يتناسب مع المواثيق والأعراف الدولية خاصة وانه بقي محافظا على العقوبات المناهضة للحرية، بل ان السلطات تذهب أحيانا في تكييف القضايا التي تتعلق بالنشر ضمن القضايا الجنائية لينظر القضاء إليها وفق القانون الجنائي وليس قانون الصحافة.
وفي ندوة بعنوان «الإعلام والديمقراطية» نظمت قبل أسابيع عدة رأى أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط ان ضمانات حرية الرأي والتعبير لا ترتبط فقط بالبعد القانوني أو حتى الدستوري، وإنما ترتبط أيضا بخلق المناخ السياسي المناسب موضحا ان هذه الضمانات لا يمكن تصورها إلا في ظل نظام ديمقراطي يقوم على فصل حقيقي للسلطة وعلى سيادة القانون واستقلال القضاء ونزاهته، «يصعب تصور ضمانات للحقوق والحريات في دولة لا تحترم إرادة الناخبين، أو تسعى في كل مرة إلى فرملة الاستفتاءات، والقضاء على السلطات المضادة كما يصعب الحديث عن ضمانات لحرية الرأي والتعبير في بلد يراد فيها للصحافي ان يحمل الصفة دون ان يمارس المهنة».
وأضاف ان من ضمانات حرية الرأي والتعبير ما هو مرتبط بتمثل الناس، أي المجتمع، والفاعلين لأدوار الصحافة، وتمثل الصحافيين أنفسهم لهذه الأدوار والكف عن النظر إلى الصحافة بكونها مصدر رزق أو دخل أو اغتناء فقط « وقال ان على الصحافيين ان يعلموا ان الصحافة التي لا تزعج أحدا تنوم الجميع وان الصحافة هي الحجر الأساس للمجتمعات الحرة والديمقراطية وانها الهواء الذي تستنشقه الديمقراطية.
وأكد ان المواثيق والاتفاقيات الدولية توفر أرضية مهمة لكفالة حرية الرأي والتعبير وفي مقدمتها المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966. ولذلك يصعب على أي قانون ان يزعم كفالة حرية الرأي والتعبير، حسب رأي البوز، دون ان يتكيف مع المرجعية الدولية في هذا المجال. مما يغلق الحديث عن الخصوصية أو الاستثناءات وغيرها من المبررات التي يتم الدفع بها في هذا المجال فالأمر يتعلق بحق مطلق غير قابل للتجزيء.
وقال ان ممارسة حرية الرأي والتعبير قد لا تكون مطلقة بل أنها تخضع لبعض الإجراءات والقيود الشكلية وبعض الجزاءات، وان هذه الفكرة يمكن اختصارها في التوازن بين «الحرية والواجب» أو «الحرية والمسؤولية»، ولكن تلك القيود يجب ان يتكون واضحة وتتعلق بالأمن القومي، الوحدة الترابية، والأمن العمومي، و الوقاية من الجريمة، وحماية الصحة، أو الأخلاق أو سمعة الغير أو حقوقه ومجموع النقاط التي جاءت بها الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لسنة 1950.
ومغربيا قال أحمد البوز ان دستور تموز/ يوليو 2011 وإنْ أكد على بعض الضمانات فيما يخص حرية الرأي والتعبير فإنه يثير بعض الملاحظات، فيما يتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومة، مشيرا إلى نظام الاستثناءات، وقضايا المواطنين، مما يمكن ان يعوق إمكانية خروج قانون جيد.
ويستعد المغرب، ليوم 10 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لتقديم أهم وثيقة منذ استقلاله 1956، لتنظيم الصحافة والنشر، حيث ستقدم وزارة الاتصال الصيغة النهائية لمشروع مدونة قانون الصحافة والنشر التي يجري النقاش حولها منذ عدة سنوات بين الأطراف المعنية (الوزارة والنقابة الوطنية للصحافة المغربية وفيدرالية الناشرين).
وقال مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة ان قيمة هذا المشروع تتجلى في المقاربة التشاركية وتطلعه إلى الارتقاء بمستوى ممارسة مهنة الصحافة والتجاوب مع تطلعات المغرب الديموقراطية في كونه نتاج مشاورات موسعة انطلقت منذ سنة 2012 وحفاظه على المكتسبات الموجودة في القانون الحالي، وأخذه بعين الاعتبار التوجهات وملاحظات اللجنة العلمية الاستشارية المكلفة بدراسته.
وأكد ان المدونة تروم الرقي بالوضع المهني للصحافيين والارتقاء بمستوى ممارسة الصحافة في انسجام تام مع تطلعات المغرب إلى تعزيز الحريات العامة وتثبيت الأسس الديموقراطية قانونا وممارسة، وتمكن من انبثاق صناعة إعلامية تراهن على المستقبل وإصلاح المنظومة القانونية لتستجيب لطموحات وتطلعات المهنيين وتطوير الآليات المؤسساتية لحماية الصحافيين.
وأشار الوزير إلى ان المشروع الذي يتجاوب مع الدينامية الوطنية لدعم القدرات الصحافية وتخليق مهنة الصحافة وتحسين ظروف ممتهني الإعلام والصحافة أخذا بعين الاعتبار توجيهات البرنامج الحكومي وخطة العمل الوطنية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية وتوصيات هيئات الإنصاف والمصالحة وتوصيات الكتاب الأبيض للحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع والالتزامات الدولية للمغرب والمواثيق الدولية ذات الصلة.
وكشف الخلفي عن المحاور السبعة التي تؤطر مشروع مدونة النشر والصحافة والمحور الأول يسعى إلى تعزيز ضمانات الحرية في ممارسة الصحافة عبر آليات «إلغاء العقوبات السالبة للحرية وتعويضها بغرامات معتدلة» و»النص على الأخذ بحسن النية في تقدير التعويض على الضرر»و»تمكين الصحافي من تقديم أدلة الإثبات طيلة مراحل الدعوى»و»ضمان الحق في الحصول على المعلومة وإقرار الجزاء في حالة الرفض غير الموضوعي.
وتضمن المحور الثاني من المشروع آليات «النص على منع التحريض على الكراهية والتمييز والعنف» و»حماية الحياة الخاصة والحق في الصورة «و»وضع مقتضيات تخص الاشهار لحماية الفرد والمجتمع « و»احترام قرينة البراءة وضمان الولوج إلى المعلومة القضائية « و»وضع آليات عملية لإقرار احترام إخلاقيات المهنة»، ويرتكز كذلك على «وضع شروط لإعمال مبدأ حسن النية في التعويض في قضايا القذف والسب» و»إرساء آليات للوساطة في نزاعات الصحافة عبر المجلس الوطني للصحافة»، و»ضمان تمثيلية المجتمع المدني في تركيبة المجلس الوطني للصحافة»، و»تمكين المشتكي من تقديم أدلة الإثبات طيلة مراحل الدعوى» و»تدقيق آليات وضمان نشر حق التصحيح والرد».

حرية خدمات

الصحافة الالكترونية

ويقوم المحور الثالث من مشروع المدونة على الذي يروم جعل القضاء سلطة حصرية في قضايا الصحافة وتقوية دوره في حماية حرية الصحافة، وذلك اعتمادا على آليات تسعى إلى «جعل القضاء الجهة الوحيدة والحصرية المختصة بتلقي تصريحات إصدار الصحف و»الإيقاف والحجب والحجز حصريا بيد القضاء» و»ارتباط نشر أحكام إدانة الصحافيين بطلب المشتكي وبمقرر قضائي «و» العمل بالقضاء الجماعي في قضايا الصحافة» فيما يتمحور المحور الرابع من المشروع حول آليات تعزيز حرية الصحافة الالكترونية، والتي تتمثل في «الاعتراف القانوني بالصحافة الالكترونية وتمكينها من شروط الممارسة الصحافية الحرة» و»النص على ان حرية خدمات الصحافة الالكترونية مكفولة للجميع «و»تمكين الصحف الالكترونية من رخص التصوير»و» وضع حد أقصى ومحدود للحجب القضائي للصحف الالكترونية».
ويهتم المحور الخامس بتشجيع الاستثمار وتطوير مقتضيات الشفافية التي يجب ان تقوم على «ضرورة إرساء ضمانات حرية المبادرة وتشجيع الاستثمار في قطاع الإعلام والصحافة» و»تطوير مقتضيات الشفافية في تدبير المقاولات الصحافية» و»إقرار إلزامية الدعم العمومي للصحف وفق مبادئ تكافؤ الفرص والحياد ودعم التعددية وتشجيع القراءة والحماية الاجتماعية للصحافيين «و»إلغاء المقتضيات المشددة والتي تمت أضافتها على المقتضيات الواردة في قانون الشركات « و»اعتماد مقتضيات تضمن الشفافية والمنافسة الحرة وعدم الاحتكار في علاقات الإشهار والطباعة والتوزيع مع النشر».
ويهتم المحور السادس بـ «تحديد الحقوق والحريات بالنسبة للصحافي» عبر آليات «إقرار الحماية القضائية لسرية المصادر» و»الحق في الحصول على المعلومة والتأكيد على الجزاء في حالة الرفض» و» توفير ضمانات قانونية مشددة حماية للصحافيين من الاعتداءات» و»الغاء العقوبة السالبة في حالة العود» و»حصر الاختصاص المكاني لدعاوي الصحافة» و»إرساء آلية التحكيم بين المهنيين عبر المجلس الوطني للصحافة» و»تمديد أجل التصريح بالبيانات وجعل التصريح للمحررين مرهونا بوجودهم» و»إشراك المهنيين في تطوير التشريعات الصحافية». فيما يتعلق المحور السابع من المشروع وتعزيز استقلالية الصحافي والمؤسسة الصحافية عبر آليات «جعل سحب بطاقة الصحافة من اختصاص حصري للقضاء «و»تقوية الشروط القانونية الخاصة بالحماية الاجتماعية للصحافيين» و»تقنين الولوج إلى المهنة»و»الارتقاء بالشروط العلمية لولوج مهنة الصحافة» و»إقرار معايير موضوعية للدعم العمومي مع ضمان الاستقلالية».
وأكد الخلفي انفتاح وزارته على كل الاجتهادات والملاحظات التي من شأنها إغناء وتجويد مشروع مدونة الصحافة والنشر واستمرار تفاعلها الجدي لحين تقديمها مع مختلف المتدخلين والمهنيين، وان الغاية من التشاور والاستماع إلى الآخر هو تمكين المغرب من مدونة للصحافة والنشر، حديثة وعصرية، تستجيب لمقتضيات الدستور الجديد والالتزامات الدولية وانتظارات الجسم الصحافي الوطني، وحماية حقوق الأفراد والمجتمع.

إشاعة الديمقراطية

وتعزيز حرية التعبير

ويقول محمد العلايلي الباحث في الإعلام والأستاذ في معهد الاتصال بالرباط حول مشروع مدونة الصحافة والنشر ان هناك مقولة ترى «ان يأتي الشيء متأخرا خير من ألا يأتي أبدا». لذلك فمجيء مشروع مدونة الصحافة الذي انتظرناه منذ سنة 2006 وكان الفرقاء في مرحلة متقدمة من التوافق حوله قبل حوالي عشر سنوات، ثم انطلقت مرحلة جديدة للمشاورات حوله منذ سنتين وإشراك المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الموضوع أفضت إلى الإعلان عن مسودته يمثل خطوة مهمة قد تحقق قطيعة مع المرحلة السابقة وهو ما لا يمكننا إلا الدعوة إلى المصادقة عليه وتفعيله عاجلا.
ويضيف العلايلي ان أهم العناصر التي جاء بها المشروع وغيرها من المقتضيات الأخرى تمثل قطيعة مع المرحلة السابقة، مشيرا إلى «حرية الصحافة والحق في التعبير وتعددية الإعلام والحصول على المعلومات»، «إلغاء العقوبات السالبة للحرية وتعويضها بغرامات مالية معتدلة»، «النص على الأخذ بحسن النية في تقدير التعويض على الضرر»، «تمكين الصحافي من تقديم أدلة الإثبات طيلة مراحل الدعوى»، «ضمان الحق في الحصول على المعلومة وإقرار الجزاء في حالة الرفض غير الموضوعي، و»النص على منع التحريض على الكراهية والتمييز والعنف»، و«حماية الحياة الخاصة والحق في الصورة» و«وضع مقتضيات تخص الإشهار لحماية الفرد والمجتمع».
وهو يقترح انه في انتظار النسخة النهائية للمدونة والإجراءات المصاحبة لا بد من التأكيد على ان فلسفة المشروع تندرج ضمن السياق العام الذي سار عليه المغرب منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي وتبني النهج الديمقراطي كخيار لا محيد عنه، وهو نهج قوامه إشاعة الديمقراطية وتعزيز حرية التعبير وحقوق الإنسان وحكم القانون وثقافة الحوار والتنوير وهو ما يجعل المشروع يؤشر للحظة قطيعة مع التدبير المتحكم فيه لقطاع الإعلام والاتصال، ولحظة متقدمة للخيار الديمقراطي تعتمد قواعد التنظيم الذاتي والضبط المهني أفقا جديدا للتدبير ولا شك سيكون له تأثير كبير على مساهمة وسائل الإعلام في مسلسل الانتقال الديمقراطي في المغرب، والتي بقيت مساهمتها مهمة في وسائل الإعلام المكتوبة وفي الإذاعة ومحتشمة أو عرضية في التلفزيون.
وتساءل: هل المشروع الحالي للمجلس الوطني للصحافة كآلية لتفعيل المسؤولية الذاتية سيتمكن من النجاح في هذه المهمة في ظل العديد من المظاهر السلبية للمقاولات الصحافية والممارسة الصحافية على وجه عام؟ ثم كيف سيتم التعامل مع واقع سريان مقتضيات القانون الجنائي التي تقوم على قواعد المسؤولية الجنائية وليس الخطأ المهني؟ ثم ماذا عن موضوع الحق في الحصول على المعلومات وصيانتها والنظام الخاص للأرشيف بكل هذا؟ هذا يضع أمام الجميع أجندة جديدة من المهمات على رأسها إصلاح منظومة القضاء وتأهيل النسيج العام للممارسة الصحافية.
ويرى العلايلي ان الحرية هي قضية جوهرية في المجتمعات العربية فالتطورات والأحداث التي جاء بها الحراك الاجتماعي العربي في الجوهر رد على الرؤى الاستبعادية والاقصائية المهيمنة في الساحة العربية من طرف نظم الحكم التي عرفتها سواء منها المدعية لديمقراطيات هجينة أو لنظم الحكم الانقلابية ونظم حكم الاستبداد والفساد والحركات الإسلامية المتطرفة التي قادت بسبب عدم إعتماد الحرية وتغييبها أو الشح فيها إلى وضعيات كارثية لتفكك الدول والحروب الأهلية والطائفية وانتشار العنف والخوف من المستقبل، وهو ما يبرز آنية واستعجالية الخروج من المآزق المختلفة التي خلفتها أنظمة الحكم هاته بسبب تغييب الحرية.
وقال ان الحرية كقيمة تكرس ذاتية الفرد والاعتراف المتبادل والعيش المشترك واعتماد الديمقراطية والتعدد الثقافي والحوار والتعايش بين مكونات المجتمعات في ظل الخصوصيات السياسية والثقافية والاجتماعية تبقى العملة الوحيدة لإصلاح الأعطاب العديدة الناتجة عنها بمجتمعاتنا العربية.
ويعتقد الأستاذ الجامعي المغربي انه وفي هذه المرحلة الانتقالية الجديدة لإعادة بناء المجتمعات العربية تطرح مسألة فك الإرتباط على أكثر من صعيد لتكريس الحرية كشرط أساسي من شروط ولوج مرحلة جديدة تنعش الآمال وتبعدنا عن مآلات الخراب الحالية. وهنا تلعب الصحافة ووسائل الإعلام أدوارا أساسية كرافعة لمرحلة الانتقال الديمقراطي مما يقتضي توفير السياق العام لممارستها لأدوارها التنويرية والتثقيفية للمجتمعات بتوفير حرية التعبير، واحترام التعددية السياسية والثقافية، وتوفير الحق في الحصول على المعلومات، وعدم احتكار وسائل الإعلام من طرف لوبيات سياسية ومالية، واحترام حرية الحياة الخاصة.
وقال ان علاقة الحرية بوسائل الإعلام تطرح تحديا جوهريا لا يختزل في مجرد العبور من مرحلة تاريخية إتسمت بالقمع الشرس أو القمع الناعم للحريات إلى مرحلة جديدة تتراوح بين حالات لإشاعة الحرية بجرعات متقدمة وحالات «حرية الفوضى»، مع كل ما يقتضيه ذلك من ترسانة قانونية وآليات مرافقة.

الأولويات التي

يجب التركيز عليها

وأوضح ان الأمر الجوهري هنا يتجلى في الأدوار الخاصة التي يمكن ان تلعبها وسائل الإعلام في إعادة بناء المجتمعات العربية على قاعدة الحرية وتحولها كآليات فاعلة إلى جانب الهياكل السياسية، فتحولها إلى قنوات للحوار وفضاء لحرية التعبير والنقد الموضوعي وتكوين الرأي العام خاصة ونحن ندرك السلطة والقوة التي تتمتع بها وسائل الإعلام الكبرى وقدرتها على تطويع نموذج عربي لديمقراطية مركزة على وسائل الإعلام يمكن لمختلف مكونات المجتمعات العربية ان تعبر من خلالها عن آرائها وتمثلاتها ويمكنها ان تجعل المواطن مشاركا فعالا برأيه وبصوته عبر صناديق الإقتراع وليس عبر فوهات البنادق.
ولفت العلايلي إلى انه على اختلاف وتنوع التجارب القائمة في البلدان العربية والمدونات القائمة والتشريعات والدساتير المعتمدة فإننا في مرحلة تفترض ان تكون فبها وسائل الإعلام في الخطوط الأمامية لمرحلة إعادة بناء المجتمعات العربية ودعم المسارات الديمقراطية وبناء المواطنة الجديدة. فالتجارب العالمية تقدم دروسا غنية بأن تطور الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان ودعم حرية الصحافة هو دعم للحرية وللديموقراطية وللمجتمع ككل.
ومن هنا، في رأي العلايلي، تأتي أهمية المقتضيات التي جاءت بها المدونة الجديدة للصحافة بالمغرب، فدعم حرية التعبير والتفكير ونشر المعلومات ودعم صحافة التقصي في إطار المهنية والمسؤولية والضبط المهني الذاتي في نطاق حكم القانون واحترام حقوق الإنسان عناصر من شأنها بناء صحافة ومنظومة إعلامية قوية يمكن ان تلعب أدوارا رئيسية في ببناء المواطنة وتشييد ديمقراطية عادية ورعايتها وحمايتها.
وأطلقت منظمة اليونيسكو مشروعا لتقييم تطور الإعلام المغربي تحت عنوان «أين وصل الإعلام المغربي منذ استقلال المملكة إلى الان؟» ليصبح المغرب بذلك ثاني بلد عربي بعد تونس تختاره اليونيسكو لوضع حقله الإعلامي تحت المجهر.
وقال ادريس كسيكس أحد المساهمين في هذا المشروع انه يأمل في تقديم صورة واضحة للفاعلين الإعلاميين والمدافعين عن حرية الإعلام والتعبير عن «الأولويات التي يجب عليهم التركيز عليها من أجل الضغط على أصحاب القرار لتحقيقها».
وعبر عن قناعته بأن حرية الإعلام والمراقبة لا يمكن ان يكونا على الدرجة نفسها من الأهمية «ذلك ان المراقبة تأتي في حال وقع خلل في حرية التعبير، بينما هذه الأخيرة هي الأصل والمبدأ»، دون ان يغفل الحديث عن قانون الصحافة الذي تنوي الحكومة إصداره عما قريب معتبرا «ان هناك حالة من القلق والخوف من القوانين التي ستصدرها الحكومة في مجال حرية الرأي والتعبير».

محمود معروف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية