15 عاما على مجزرة الإرهابي الإسرائيلي “زادا” في شفاعمرو.. بطلة “الحافلة” تتذكر التفاصيل

حجم الخط
3

الناصرة- “القدس العربي”:

تحت عنوان “لن نغفر ولن ننسى” دعت اللجنة الشعبية في مدينة شفاعمرو داخل أراضي 48 لإحياء الذكرى السنوية الخامسة عشرة لمجزرة شفاعمرو بزيارة النصب التذكاري للشهداء، ويعتبر بعض الناجين منها أن الإحياء هزيل وغير كاف.

والحديث يدور عن مجزرة نفذها إرهابي إسرائيلي في مثل هذا اليوم عام 2005 بحق ركاب حافلة من أهالي المدينة اعتدى عليهم برصاص بندقيته الرشاشة. وبهذه المناسبة أكد رئيس لجنة المتابعة العليا محمد بركة أن مجزرة شفاعمرو نفذّها مجرم صهيوني فاشي واحد في مدينة شفاعمرو لكن أمثاله يتكاثرون في كل مفاصل الحياة من رأس هرم الحكم إلى رعاع الشوارع في إسرائيل.

وتابع بركة: “معركتنا في مواجهة الفاشية المستفحلة في كل زوايا وطننا ما زالت إحدى مقومات البقاء. الشهداء يظلّون في القلب والوجدان الوطني”.

وفي سياق التحريض الرسمي الوحشي الخطير على كل ما هو عربي وفلسطيني، حذّر رئيس القائمة المشتركة النائب أيمن عودة من محاولة المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية والحكومية من اتهام المواطنين العرب بأزمة كورونا في الموجة الثانية ومن سهولة إلحاق التحريض والكذب بالمواطن العربي بحثا عن “كبش فداء” في ظل تفشي العدوى بشكل واسع في إسرائيل والتسبب بأزمة اقتصادية اجتماعية وسياسية.

جاء ذلك على خلفية نشر وسائل الإعلام والشرطة الإسرائيلية لصورة شاب فلسطيني من بلدة يافة الناصرة يدعى حذيفة غزالين وهو برفقة عائلته في مدينة إيلات خلال عطلة عيد الأضحى تم عرضه كمخالف للتعليمات، واتهم بأنه ساهم في نقل فيروس كورونا مخالفًا تعليمات وزارة الصحة والقانون، مما أثار حملة تحريض إسرائيلية مسيئة شارك فيها أيضا رئيس بلدية ايلات.

ولكن بعد التحقيق بالنشر، تبيّن أن حذيفة كان قد أنهى فترة عزله بتاريخ 31 من تموز بحسب تعليمات وزارة الصحة، وعلاوةً على ذلك، وبعد اتهامه بنقل الفيروس، أجرى حذيفة فحصا محددا تبين من خلاله أنه غير مصاب، على اثر هذا النشر توجه النائب أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة إلى وزارة الصحة الإسرائيلية وطالبها بتوضيح تعليماتها للمواطنين بعدم تكرار مثل هذه الحادثة الناجمة بالأساس بسبب تقصير وزارة الصحة بإعلام المواطنين بمدة الحجر المطلوبة بعد التعافي من الفيروس.

وبسبب  الظروف الراهنة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، قلصت اللجنة الشعبية في شفاعمرو فعاليات إحياء ذكرى المجزرة، لتقتصر فقط على أهالي الشهداء عند النصب التذكاري بوضع أكاليل الزهور على أضرحت الشهداء، فيما سيقوم الإعلام ببث وقائع الحدث.

وأوضح عضو اللجنة الشعبية في مدينة شفاعمرو وعضو قيادة التجمع الوطني الديموقراطي مراد حداد، أن الأهالي وكل فلسطينيي الداخل لن ينسوا شهدائهم الأبرار وذكراهم محفورة في قلوبهم وفي قلوب كل أهالي المدينة  والجماهير العربية الفلسطينية في الداخل.

وأكد مراد حداد أن إسرائيل كانت وما تزال تتحمل مسؤولية التحريض الرسمي والشعبي على الفلسطيني الذي يبدأ بالاعتداء اللفظي وينتهي بإراقة الدم. مذكرا بأن العدالة تقتضي بمحاسبة من حرض الإرهابي اليهودي الذي جاء إلى شفاعمرو وارتكب  مجزرة مروعة بحق مدنيين عزل.

وتابع: “الأمر اللافت المثير للسخرية أن السلطات الإسرائيلية حاكمت وسجنت من شاركوا في إيقاف القاتل عن إطلاق الرصاص العشوائي وإدانتهم بقتله”.

يشار إلى أن مستوطنا يدعى نتان زادا، قد استقل حافلة انطلقت من مدينة حيفا، وحينما وصلت شفاعمرو فتح النار من بندقيته الرشاشة نحو الركاب فقتل أربعة وأصاب العشرات، ولم يتوقف إلا بعد عراك معه بادرت له طالبة جامعية من المدينة تدعى بديعة شعبان، وانضم لها لاحقا بعض الشباب من ركاب الحافلة وخارجها وأوسعوه ضربا حتى الموت.

وقال جميل صفوري أحد الشبان الذين اعتقلوا بتهمة قتل زادا، والذي أطلق سراحه قبل خمس سنوات، إن الشبان الذين أدينوا بالقتل يصّرون على براءتهم. وتابع: “نحن لا نبحث عن العنف، ولكن كل أحداث الكراهية والعنصرية التي وقعت بعد ذلك لم يتم فيها تقديم المسؤولين للقضاء، وربما لو كان زادا قد خرج حياً من هنا لما كان هو أيضا سيحصل على العقاب الملائم”.

المهندسة بديعة شعبان التي كانت وقتها طالبة عائدة من جامعة حيفا لبيتها، أصيبت بحروق خلال مهاجمتها الإرهابي داخل الحافلة، ونجاحها بيديها العاريتين بتعطيل البندقية الرشاشة والمساهمة في وقف المجزرة.

وأكدت شعبان لـ”القدس العربي” أن جريمة القتل في شفاعمرو تعني أن الأيديولوجية القاتلة ذاتها التي تجعل شخصا يفتح النار داخل حافلة ركاب أو يحرق عائلة أثناء نومها في بيتها كما حصل مع عائلة دوابشة  في قرية دوما داخل الضفة الغربية قبل نحو خمس سنوات.

وعطفا على أقوال جميل صفوري، تساءلت شعبان: “كلهم يتحدثون عن المجرمين ذاتهم، ولكن ماذاعن الذين يرسلونهم؟ أولئك الذين يوفرون لهم بيئة حاضنة ويحرضونهم على القتل والحرق.. من يعالجهم؟”.

مهندسة وشجاعة

بديعة (38 عاما) هي مهندسة معروفة اليوم بفضل علمها، وكان اسمها لمع في سماء بلادها بعدما انقضت على المجرم نتان زادا وعلى بندقيته الرشاشة الملتهبة كالجمر بيدين عاريتين، ولها الفضل في وقف حمام الدم.

رغم مرور 15 عاما على المجزرة، استعادت بديعة الكابوس لحظة بلحظة وبكثير من التواضع وبأجوبة تنم عن ذكاء متوقد وسرعة بديهة. في ذلك اليوم كانت عائدة إلى منزلها بعد انتهاء دورة الحاسوب في الجامعة، وكالعادة استقلت حافلة رقم 165 ولم تكن تتخيل في أفظع كوابيسها أن ترى الموت يدهمها مسرعا على قدميه وعلى مسافة عشرات الأمتار من بيتها.

وعن ذلك قالت: “صعدت يومها إلى الحافلة التي أستقلها مرتين كل أسبوع. جلست وحدي في مقعد في وسط الحافلة، وفي مفرق مسعدة على مشارف حيفا صعد المجرم واستقر في أحد المقاعد الخلفية وكان منظره الخارجي مريباً ومثيراً للاشمئزاز ما أثار مخاوفي”.

وظلت الحافلة تسير في مسارها المألوف بين مدينتي حيفا وشفاعمرو إلى أن بلغت المحطة الأخيرة وكان فيها نحو 20 مسافرا كما ترجح بديعة، التي أوضحت أن سائق الحافلة استدعى المجرم بصوت عال لكنه لم يستجب.

وأضافت: “في المحطة الثالثة داخل شفاعمرو توقفت الحافلة كالعادة، وعندها ترجل المجرم نحو الأمام وهمّ بالخروج من الباب الخلفي وفجأة استدار وأفرغ عدة رصاصات في رأس السائق وقتل الشقيقتين هزار ودينا الجالستين قبالة السائق إضافة إلى نادر حايك، وشرع بإطلاق النار بشكل عشوائي”.

وأفادت بديعة أنها في تلك اللحظة سارعت الى الاختباء تحت مقعدها بصورة لا إرادية فيما كانت العيارات النارية تتوالى من حولهم وأجج تطاير النوافذ الزجاجية حالة الرعب.

لحظة الانقضاض على بندقية الإرهابي

تتابع: “فجأة خيّم هدوء لبضع ثوان ولما رفعت رأسي وجدت القاتل قبالتي يصوب بندقيته من نوع “إم 16″ نحو عنقي لكن عطلا حال دون خروج الرصاص فاستوعبت أنني أقف أمام لحظة مواتية فنهضت مندفعة بقوة نحوه وأمسكت ماسورة البندقية بيدي رغم سخونتها، فيما اجتهد للإفلات مني وهو يتراجع للخلف ويجرني معه لكنني كنت مصممة على التمسك بها”.

وفي هذه الأثناء نهض الشاب هايل جنحاوي الذي كان يجلس خلف بديعة ووجه لكمة قوية لوجه المجرم وأخذ يتصارع معه، داعيا بديعة للهرب حتى طرحه أرضا وأخذ بندقيته، وقام من تبقى من المسافرين بإخضاعه.

في تلك اللحظة كانت بديعة أنهت مهمتها وفرّت من الباب الخلفي بعدما وجدت الباب الأمامي مغلقاً. راعها مشهد القتلى الذين غرقوا في بركة دماء ولم تنتبه إلى يديها المحروقتين إلا عندما سارع والدها إلى المكان.

وردا على سؤال حول أصعب لحظات المجزرة، أوضحت بديعة التي تحدثت بهدوء، أن أكثر ما روّعها صورة المجرم وهو يتقدم نحوها مصوبا بندقيته صوبها. وقالت: “حينما رأيته شاهدت في الواقع الموت وقد ترجل أول مرة في حياتي”. كما أشارت بديعة إلى أنها منذ المجزرة ظلت طيلة شهور لا تقوى على النوم إلا بشكل متقطع، لافتة إلى أن أزيز الرصاص لا يفارق أذنيها، إضافة الى أصوات المسافرين المختبئين تحت مقاعد الحافلة وهم يتلون الفاتحة على أرواحهم خلال إطلاق النار.

شاهد عيان

ونوهت بديعة إلى عودتها لركوب الحافلة في المسار ذاته، وتقول: “كنت أخاف ولكن بدي أعيش.. فلا خيار أمامنا سوى استئناف الحياة. إلا أن أشد ما أقلقني وقتها أن والدي عاطل عن العمل فجاءت هذه الجريمة لتثقل عليه وعلينا أكثر فأكثر. ولذا تذكرت بحرقة ضياع أغراضها الشخصية وكتبها بعد أن تركتها في الحافلة”.

وشددت بديعة وهي ابنة أسرة متواضعة هجّرت عام 48 من قرية ميعار في الجليل، على أن الاحتلال وقادة إسرائيل هم المجرمون الحقيقيون. وأضافت: “أما نتان زادا، فهو ليس سوى مسدس وهذا ما قلته لإيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق حينما زارها في مشفى رمبام في حيفا”.

وقالت شعبان إنها لم تتنازل عن استكمال تعليمها العالي، مشددة على أن العلم سلاح لا غنى عنه بالنسبة لكل الفلسطينيين وهو أكثر أهمية من بندقية المجرم، وهي اليوم مهندسة بناء مستقلة.

وتعليقا على الإطراء عليها من قبل الناس الذين ما زالوا ينعتونها بالبطلة، قالت بديعة إنها لا تختلف عن أي فتاة أخرى وأن تشبثها الفطري بالحياة وبإنقاذ حياة أهالي بلدها دفعها للانقضاض على المجرم ووقف برنامجه الدموي. كما تقول بهذه المناسبة إن الوطن غالٍ والبقاء فيه مكلف. وتتابع: “يبدو أن البطولة تعطرنا منذ رقودنا في أرحام أمهاتنا… هذا ما خص الله به أبناء هذه الأرض”.

المهندسة عاتبة

وقال معتصم خطيب من شفاعمرو،  إنه يؤكد رواية بديعة شعبان. ويتابع: “أنا أشهد على ذلك، فقد كنت من الأوائل الذين دخلوا الحافلة بعد توقفها وقمت بمساعدة هذه الفتاة والتي لم أعرف اسمها، وكنت قد قدمت المساعدة للجرحى والمصابين… كان المنظر صعبا للغاية.. فقد تحولت أرضية الحافلة إلى بركة دم، وأصوات الجرحى تدخلك بحالة جنون، وعند حضور وسائل الاعلام كنت قد شرحت وعبرت عن غضبي لما حصل، وللأسف بعد أسبوع تم استدعائي للتحقيق في عكا من قبل الشرطة الإسرائيلية. ومن المهم جدا نشر هذه القصة عن المجزرة وعن الفتاة البطلة بديعة شعبان”.

ومع ذلك وردّاً على سؤال “القدس العربي” تعبّر المهندسة بديعة شعبان عن عتبها على الفعاليات السياسية داخل أراضي 48، وترى “بزيارة النصب التذكاري للشهداء ووضع إكليل ورد فقط هو إحياء هزيل للذكرى وربما طمسها”.

وتعتقد أنه كان بمقدور الأحزاب ولجنة المتابعة العليا والقائمة المشتركة واللجنة القطرية واللجنة الشعبية في شفاعمرو، القيام بفعاليات أكثر من زيارة ضريح الشهداء في الذكرى الـ15 للمجزرة رغم وباء كورونا.

وتتابع عاتبة: “كنت أتوقع أفكارا إبداعية من خلال حملات إلكترونية ورقمية وغيرها لأهمية الحادثة والذكرى، ولكن ربما هناك من يريد طمسها”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول احمد الشمري:

    شجاع. بطل ومثل اساطير التوراة الخرافية. بالقوة فقط عندما يكون الخصم طفل او أعزل او عندما تقوم ماما أمريكا بالتغطية على جرائمه غيرها فهو جبان وخروف كما علمناههم وهذه اهم صفاتهم الجبن

  2. يقول Dr Arabi,UK:

    سلمت يداك يا بطله ورحم الله الشهداء والفنون على المجرمين المغتصبين لعرضها فلسطين

  3. يقول Dr Arabi,UK:

    سلمت يداك يا بطله ورحم الله شهدائنا ،واللعنه على المغتصب الصهيوني

إشترك في قائمتنا البريدية