بيروت-” القدس العربي”: بدأت بيروت الثكلى تلملم جراحها الكبيرة بعد النكبة غير المسبوقة التي أصابتها ، والتي تجاوزت في هولها خلال يوم واحد ما أصابها على مدى 15 سنة متتالية من الحرب الأهلية.و استفاق أهالي العاصمة اللبنانية وضواحيها على حجم الخسائر البشرية التي تخطّت 105 ضحايا و4 آلاف جريح إضافة إلى اضطرار 300 ألف مواطن على ترك بيوتهم والتوجّه إلى منازل أقاربهم خارج العاصمة أو إلى الأديرة والمدارس والفنادق التي فتحت أبوابها لاستقبال مئات العائلات، فيما أبى البعض أن يغادر بيته أو مؤسسته خوفاً على ضياع ما تبقّى في ظل إغتنام البعض الفرصة لتنفيذ عمليات سرقة للدكاكين والمؤسسات وما تيسّر من سيارات وبيوت مشلّعة.
وأظهرت جولة في بيروت أن الجيش اللبناني انتشر منذ الصباح الباكر في الشوارع تنفيذاً لإعلان حال الطوارئ، ومنع الدخول إلى مرفأ بيروت إلا لموكب رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تفقّد المرفأ برفقة قائد الجيش العماد جوزف عون.وبدت أسواق بيروت لؤلؤة البحر المتوسط حزينة ، وترحّم البعض على اقتلاع حجارة بعض الجدران في خلال التظاهرات الاحتجاجية لرشق القوى الأمنية، إذ إن مشهد الأسواق والمحلات المدمّرة بات يثير الشفقة، تماماً كمشهد الشوارع الضيّقة في مار مخايل في محيط شركة كهرباء لبنان حيث سقطت الشرفات وأحجار الأبنية التراثية القديمة وسطوح القرميد على السيارات، وتناثر الزجاج في كل الأنحاء وخصوصاً من واجهات الأبنية الحديثة الشاهقة.
وبالنسبة إلى المستشفيات التي كان يُضرب بها المثل فقد أصابها الخراب وإضطرت إلى إجلاء كل المرضى منها، وتعرّض مستشفى القديس جاوروجيوس المعروف بإسم مستشفى الروم في الأشرفية لأضرار جسيمة ، هو الذي كان أنجز قبل فترة غير طويلة عملية تأهيل وافتتاح جناح جديد.وأصيب في المستشفى عدد من الأطباء وقتلت 3 ممرّضات.كذلك كان حال مستشفى الجعيتاوي و مستشفى راهبات الوردية في الجميزة المحاذية لمنطقة المرفأ.
وطال الخراب فنادق فينيسيا ولوغراي فورسيزون ومونو والوزارات المتمركزة في بناية اللعازارية في وسط بيروت وهما وزارة البيئة ووزارة الاقتصاد، ولم تنج وزارة التنمية الإدارية ووزارة المهجرين في مبنى الستاركو الزجاجي من الكارثة، كذلك بلغت الأضرار وزارتي السياحة والإعلام في شارع الحمراء، تماماً كما هو حال السراي الحكومي والمجلس النيابي ومبنى جريدة ” النهار” وبيت الكتائب المركزي.
وقد عبّر سكان العاصمة عن غضبهم الشديد من الإهمال الفاضح للدولة، ودعوا السلطة الحاكمة إلى الرحيل فوراً بدلاً من ذرف دموع التماسيح والتنصّل من المسؤوليات الوطنية عما وصلت إليه البلاد من إنهيار اقتصادي ومالي.وأعربوا عن حزنهم للمشاهد المروّعة التي ذكّرتهم بالحرب ، كما بدوا مصدومين لمنظر الأبنية التي تحوّلت إلى هياكل عظمية وفي مقدّمها إهراءات القمح في المرفأ التي بقيت صامدة على الرغم من كل مآسي الحرب.
ووقف أصحاب الأبنية والمحلات التجارية مصدومين من هول ما أصابهم ومن خسارة حصاد عمرهم في ظل أزمة خانقة ، يعجزون معها عن سحب الأموال من المصارف ، هذا إذا كانت تكفيهم لإصلاح ما تدمّر في ظل الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار قياساً إلى الليرة اللبنانية.ونقلت وسائل الإعلام التي تولّت البث المباشر صرخات المواطنين ضد المسؤولين، ولم تخل جولة قيادات لتفقد الاضرار في المرفأ ووسط بيروت من احتكاك مع بعض المواطنين، وهو ما حدث مع موكب الرئيس سعد الحريري خلال جولته في ساحة الشهداء على كل من مسجد محمد الأمين وكاتدرائية مار جريس وضريح والده، فيما هتف مناصرون بحياته وحياة والده في مكان آخر.
وجال فريق من الهيئة العليا للإغاثة على بعض الشوارع لمسح الأضرار، حيث تشير التقديرات الأولية إلى أن كلفة الدمار تتجاوز 5 مليارات دولار على الأقل، في وقت تمّ رصد 30 مليار ليرة لبنانية من الحكومة اللبنانية كمبلغ أولي لاغاثة المواطنين وهو ما يعادل 8 ملايين دولار.
ووجّهت الوزيرة السابقة مي شدياق ” صرخة وجع وذهول “، وكتبت على حسابها على تويتر ” انفجار المرفأ قضى على ما تبقّى من ذكريات الطفولة في الجميزة والمنطقة.سرق ما تبقّى من أمل”.وأضافت” حتى في أسوأ جولات الحرب على خطوط التماس لم نشهد مثيلاً ، الأحلام الجميلة نسيتها من يوم تعرّضت للاغتيال، من يومها وحياتي كلها كوابيس، الله يجازي السبب”.
وفي ترجمة للمشاعر الغاضبة التي يختزنها المواطنون الأبرياء ومن أصيبوا، عبّرت إحدى السيّدات عن رأيها بضرورة رحيل كل المسؤولين ، وقالت :” الحق علينا نحن كشعب لأننا نترك المسؤولين يقتلونا…تفوووه عليكم..فلّوا وآخرتكم شنيعة “.
إلى ذلك، لم ينته الجدل حول مسبّبات الانفجار الذي أغرق بيروت وضواحيها بالدم والدمار وهل هو نتيجة إهمال وظيفي أم نتيجة ضربة إسرائيلية ؟ وقد استحضر ناشطون كلاماً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يتحدث فيه عن كيفية استهداف مرفأ حيفا بصواريخ تسبّب انفجار نيترات الأمونيوم بما يعادل قنبلة نووية ويلحق آلاف القتلى في مدينة تضم 800 الف نسمة قبل أن ينتهي الفيلم بتصوير الانفجار في مرفأ بيروت مع تعليق ” طلعت برأسنا “.
وتجدر الإشارة إلى أن الأمين العام لحزب الله أرجأ اطلالته التلفزيونية التي كانت مقرّرة مساء الأربعاء للتحدث عن المستجدات عشية حكم المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.