شهد العراق الأسبوع الماضي سباقا بين الرئاسات الثلاثة، على «إعلان» مواعيد لانتخابات مبكرة، مع علمهم اليقين أن ذلك لن يحدث!
فقد أعلن رئيس مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي عن موعد لانتخابات «مبكرة» يفترض أن تجرى في السادس من حزيران/ يونيو 2021، إنفاذا للمنهاج الحكومي الذي طرحه في جلسة حصوله على الثقة في بداية شهر أيار/ مايو الماضي، والذي تعهد في أول فقرة منه بـ«اجراء انتخابات مبكرة بعد استكمال القانون الانتخابي، وتفعيل مفوضية الانتخابات وتطبيق كامل لقانون الاحزاب، لضمان حماية العملية الانتخابية ونزاهتها، بالتعاون مع الأمم المتحدة»، وهو المنهاج الذي يفترض أن لجنة برلمانية، شكلت لهذا الغرض، قد اطلعت عليه قبل تقديمه إلى مجلس النواب للتصويت عليه، وهي اللجنة نفسها التي قررت في توصياتها، أنه كان يفترض على الحكومة تضمين هذه الفقرة: «التزام الجانب الحكومي بتأمين المتطلبات المالية واللوجستية والأمنية والبيئة الديمقراطية المستقرة اللازمة لإجراءات الانتخابات ضمن توقيتات زمنية محددة».
وقد تم التصويت على المنهاج الحكومي من دون اعتراض على ما ورد في هذه الفقرة أو التوصيات المتعلقة بها! ولم ينتبه أحد في مجلس النواب أنه ليس من صلاحية الحكومة حل البرلمان من الأصل (مجلس النواب بموجب المادة 64 من الدستور هو صاحب الصلاحية الحصرية في حل نفسه بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء)، وهو الشرط اللازم لإجراء انتخابات مبكرة، وبالتالي ليس من صلاحية الحكومة أن تتحدث عن انتخابات مبكرة، وتضمينها في المنهاج الحكومي من الأصل. وهو يثبت ما نقوله دائما، من أن المنهاج الحكومي في العراق ليس أكثر من «إنشاء سياسي» وليس التزامات يمكن محاسبة الحكومة على أساسه، وأن لا احد في مجلس النواب يتعامل مع المنهاج الحكومي بجدية، وبالتالي، وجميع الأطراف تتعامل مع هذا المنهاج بوصفه مجرد إجراء شكلي لتمرير الحكومة!
بعد ساعات قليلة من هذا الإعلان، كتب رئيس مجلس النواب تغريدة على تويتر، يطالب فيها بانتخابات «أبكر»، و يطالب أيضا بـ «عقد جلسة طارئة» لمجلس النواب، يحضرها رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، والقوى السياسية، لحل مجلس النواب وفقا للمادة 64 من الدستور.
ويطالب بأن يعي الجميع صلاحياته، ويتحمل مسؤوليته أمام الشعب! ولكن هذه الجلسة «الاستثنائية» (لم ترد في النظام الداخلي مفردة طارئة بل مفردة استثنائية) لم تنعقد، ولا يبدو أنها ستنعقد أصلا! وكان واضحا أن الطريقة «الاستثنائية» للدعوة لعقد جلسة استثنائية لمجلس النواب عبر «تغريدة، وبهذه السرعة، هي مجرد محاولة لمنع رئيس مجلس الوزراء من تسجيل هدف سياسي/ دعائي في مرمى البرلمان!
بعد أربعة أيام من ذلك، أصدر رئيس الجمهورية بيانا قال فيه إنه «حال تقديم الحكومة مقترحا لحل البرلمان، فانه ينوي الموافقة على رفعه إلى مجلس النواب لغرض عرضه على التصويت»، وإنه في هذه الحالة سيدعو إلى انتخابات عامة خلال ستين يوما كما يقرر الدستور، ودعا في الوقت نفسه إلى الإسراع في ارسال قانون الانتخابات إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليه، والإسراع في إقرار تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا. وبعيدا عن أن الدستور يتحدث عن طلب من رئيس مجلس الوزراء وليس من الحكومة، وعن استحالة تنفيذ أية انتخابات خلال 60 يوما كما يقرر الدستور! فان السيد رئيس الجمهورية يعلم تماما طبيعة المشكلات الحقيقية التي تواجه استكمال جدول الدوائر الانتخابية التي قررها قانون الانتخابات الجديد الذي صوت عليه البرلمان في كانون الأول/ ديسمبر 2019، لاسيما ان هذا الجدول يتطلب التصويت عليه في مجلس النواب لإقراره، كما نصت المادة 15/ سادسا من القانون!
كان الأولى التفكير في الآليات التي يمكنها إصلاح قانون الانتخابات، وإصلاح قانون المفوضية العليا للانتخابات، بما يضمن الحد الأدنى من العدالة والنزاهة والشفافية في انتخابات العام 2022
كما أنه يعلم تمام العلم طبيعة «الصراع» على «وراثة المحكمة الاتحادية العليا» كما بينا في مقال سباق، ومن ثم، فان موضوع «تعديل» قانون المحكمة الاتحادية العليا ليس بالأمر اليسير! فقد أفتت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها (38/ اتحادية/ 2019) عدم دستورية المادة 3 التي كانت تتحدث عن ترشيح أعضاء المحكمة من مجلس القضاء الأعلى، وقررت أن ذلك أصبح خارج اختصاص مجلس القضاء الأعلى، وبالتالي يجب أن يكون ذلك بموجب قانون يشرعه مجلس النواب! وقد فشل هذا المجلس، على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية في تشريع قانون للمحكمة الاتحادية العليا الموصوفة في الدستور، والتي تختلف، بنيةً وصلاحيات، عن المحكمة التي أنشأها القانون رقم 30 لسنة 2005، وليس من المنطقي «التفكير» بإمكانية حل هذه المعضلة قريبا! بدليل أن السيد رئيس الجمهورية لم يتحدث عن قانون جديد للمحكمة الاتحادية، بل عن «تعديل» المادة المتعلقة بصلاحية الترشيح حصرا لتخفيف حدة المعضلة!
بعيدا عن محاولات «تبرئة الذمة» بشأن الانتخابات المبكرة التي لن تحدث، فان التسابق على إعلان موعدها المبكر، او الأبكر، يغيِّب المسألتين الأكثر أهمية في أية انتخابات قادمة، وهما قانون الانتخاب، والمفوضية العليا والمستقلة للانتخابات؛ فمراجعة مسودة قانون الانتخابات التي تم التصويت عليها في كانون الأول/ ديسمبر 2019، يثبت أننا أمام قانون «يضمن التزوير»، ويضمن مصالح المهيمنين عليه، أكثر من ضمانه لانتخابات نزيهة، أو لمصالح الجمهور!
أولا من خلال عدم اشتراطه البطاقة البايومترية/ الحيوية طويل الأجل للناخب، فقد نصت المادة 5/ رابعا من القانون، الذي تم التصويت عليه، أن يكون للناخب «بطاقة ناخب الكترونية» هكذا من دون تحديد، وهو ما يعني «التحايل» للسماح باستخدام البطاقات البايومترية التي تم استخدامها في انتخابات مجلس النواب في العام 2014، ثم في انتخابات العام 2018 والتي أثبتت أنها كانت أحد الأدوات الرئيسية للتزوير! وثانيا من خلال عدم تحديده للمعايير التي يجب اعتمادها لتقسيم الدوائر الانتخابية داخل المحافظات، وبالتالي ستخضع عملية تحديد هذه الدوائر الانتخابية لرغبات، ومصالح، المهيمنين على القرار داخل مجلس النواب، وهو ما سيجعل التنافس الجهوي والحزبي والعشائري، حاضرا في تقسيم هذه الدوائر في المناطق الصافية قوميا ومذهبيا، ولكنه سيتحول إلى صراع حقيقي في المناطق المختلطة قوميا ومذهبيا! ويعرف هذا النمط من التقسيم المسيس للدوائر الانتخابية بمصطلح Gerrymander، نسبة إلى Elbridge Gerry، الذي كان حاكما لولاية ماساتشوستس الأمريكية في بداية القرن التاسع عشر، والذي قام بتقسيم الدوائر الانتخابية في منطقة بوسطن بطريقة تمنع الأقلية السوداء من الفوز بأي مقعد أولا، كما تضمن فوز الحزب الذي ينتمي اليه بغالبية المقاعد!
اما بالنسبة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فقد فشل قانونها الجديد في منع تحويلها إلى ممثلية للأحزاب/ الفاعلين السياسيين، كما كان عليه الأمر في المفوضيات الثلاثة السابقة! كما انها اعتمدت على منتسبي المفوضيات السابقة، والذين جاؤوا أصلا بناء على ولاءاتهم للفاعلين السياسيين أو للأحزاب، والذين كانوا شركاء طوال السنوات الماضية في علميات التزوير المنهجية، لإدارة مفوضيات المحافظات!
من هنا، أجزم أنه لن تكون هناك انتخابات مبكرة، أو أبكر، وأن مجلس النواب لن يحل نفسه بأي حال من الأحوال، وأن جملة الإعلانات الدعائية من كل الأطراف إنما هي للاستهلاك الشعبوي، وكان الأولى من ذلك التفكير في الآليات التي يمكنها إصلاح قانون الانتخابات، وإصلاح قانون المفوضية العليا للانتخابات، بما يضمن الحد الأدنى من العدالة والنزاهة والشفافية في انتخابات العام 2022!
كاتب عراقي
تضارب السلطات ليس في صالح العملية السياسية!
هل سيتحدون على موعد الإنتخابات المبكرة؟ ولا حول ولا قوة الا بالله