الاقتصادات العربية تختبر قاعاً جديداً بفعل تداعيات كورونا وتراجع أسعار النفط

حجم الخط
0

إسطنبول – الأناضول: من المتوقع أن تشهد اقتصادات الدول العربية المنتجة والمستهلكة للنفط، على حدٍ سواء، مرحلة تراجع جديدة خلال الفترة القريبة المقبلة، مع استمرار ظهور آثار تعرض اقتصاداتها لتبعات سلبية جراء تفشي جائحة كورونا.
وبينما تجابه الاقتصادات غير المنتجة للنفط تبعات كورونا بالبحث عن تسهيلات وحوافز اقتصادية لدعم الإنتاج والاستهلاك والتصدير، تبحث الدول المنتجة للنفط عن حلول لزيادة أسعار الخام، وضخ سيولة في القطاعات المتضررة. وفي الشهر الماضي، توقع «صندوق النقد الدولي» انكماش اقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 5.1 في المئة خلال 2020، أي أعمق بنقطتين مئويتين من توقعات أبريل/نيسان الماضي وسط تداعيات فيروس كورونا المستجد. وتشير توقعات الصندوق إلى أن الانكماش لدى دول المنطقة المنتجة للنفط سيكون في حدود 3.7 في المئة خلال العام الجاري، بينما سيكون في البلدان العربية غير المنتجة للنفط 1.1 في المئة.
ولا تملك دول مثل تونس والأردن ومصر وليبيا وفلسطين وسوريا ولبنان واليمن والسودان أية قدرات على ضخ سيولة في القطاعات الاقتصادية المتضررة، ما يجعل خياراتها لإدارة أزمة الفيروس ضمن نطاق الحوافز وتأجيل الاستحقاقات. وتعتمد غالبية هذه الدول، خاصة لبنان والأردن ومصر وتونس، على السياحة كمصدر دخل مهم ومُكوِّن رئيسي في إجمالي ناتجها المحلي، وهي القطاع الأكثر تضرراً عالمياً. كما تعتمد بدرجة مهمة أيضاً على التحويلات المالية من مغتربيها العاملين في دول الخليج النفطية التي سرحَّت مؤخراً أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية الوافدة.
ففي الأردن على سبيل المثال، تراجع الدخل السياحي بنسبة 48 في المئة على أساس سنوي خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة المناظرة من 2019.
بينما مصر، التي تواجه صعوبات اقتصادية بسبب الفيروس، وتتوقع تسريح عشرات الآلاف من مواطنيها في الخارج، تحاول استقطاب ذوي الدخل المحدود بمبادرات لتحفيز الاستهلاك المحلي، وبالتالي تعزيز الإيرادات الضريبية. وتونس هي الأخرى، بدأت تسجل تراجعات متسارعة في إيراداتها المالية الناجمة عن التبعات السلبية لتفشي جائحة كورونا، بفعل تراجع السياحة والطلب المحلي، وبالتالي هبوط الإيرادات السياحية والضريبية، مما جعاها تعتمد فقط على حزم حوافز محدودة يتم تمويلها بالاقتراض لتشجيع القطاع الخاص.
وفي الشهر الماضي، قال وزير المالية نزار يعيش أن الدَين العام لبلاده سيتجاوز 85 في المئة خلال العام الجاري، مقابل 72 في المئة كانت متوقعة في مشروع الميزانية، وسط توقعات لجوئها إلى طلب مساعدط «صندوق النقد الدولي». لكن بالنسبة إلى اقتصادات أخرى مثل السودان وليبيا واليمن ولبنان وسوريا، فإن تبعات كورونا جعلتها تختبر قاعاً أكثر عمقاً لأزماتها الاقتصادية التي تشهدها منذ سنوات، خاصة ليبيا واليمن وسوريا.
ففي لبنان، الذي يواجه أمس أعقد أزمة اقتصادية هي الأشد قسوة من نهاية الحرب الأهلية، فإن أزمة كورونا أفقدت القطاع الخدمي نصف قوته العاملة، بفعل توقف التدفقات المالية من الخارج والإغلاقات المتبطة بمكافحة الجائحة وانهيار القطاع السياحي.
ويأتي ذلك على خلفية أزمة سياسية واقتصادية، دفعت بسعر صرف الليرة للهبوط إلى مستويات تاريخية من متوسط 1510 ليرة لكل دولار إلى 9000. وفوق هذا جاء الانجار الذي دمر مرفأ بيروت واجزاء واسعة من محيطه ليعمق خسائر البلاد، حيث يتحدث البعض عن توقعات بخسارة 25% من أجمالي الناتج المحلي. هذا عن الدول العربية غير النفطية.
أما بالنسبة للدول المنتجة للنفط وخاصة في دول الخليج فإنها تواجه تحديات متصاعدة ناجمة عن هبوط أسعار النفط الخام من جهة، وضرورة اتخاذ أجراءات مكلفة مالياً لتدارك انهيار العديد من القطاعات الاقتصادية، أبرزها السياحة والعقارات، والتي تأثرت بشدة من تداعيات كورونا.
وشهد العام الجاري انهيار سعر البرميل من خام برنت القياسي إلى أدنى مستوى منذ 21 عاما، ووصل لوقت قصير إلى متوسط 15 دولاراً، وهو يحوم حاليا حول 40 دولاراً، بينما يبلغ السعر اللازم لتوازن الميزانية لدول مثل السعودية 80 دولاراً، ولقطر 53 دولاراً، وللكويت 60 دولاراً.
وفي الشهر الماضي، أصدرت «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الإئتماني، تقييمات سلبية لنحو 16 كياناً كبيراً في دول الخليج، وسط توقعات أن تعاني معظم القطاعات والأسواق في المنطقة من ضغط شامل بفعل تباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجع الدخل.
وأفادت الوكالة بأن أن قطاعات الطيران والسياحة والعقارات هم الأكثر تضررا، خصوصا في إمارة دبي التي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي عليها.
وزادت «سترتفع ديون حكومات دول الخليج برقم قياسي يبلغ حوالي 100 مليار دولار هذا العام، في ظل تنامي متطلبات التمويل بسبب أزمة فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط».
وتُقدّر الوكالة أن تسجل الحكومات المركزية لدول مجلس التعاون الخليجي عجزاً مجمعاً بنحو 180 مليار دولار، يتم تمويل المبلغ المتبقي من الأصول الاحتياطية لتلك الدول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية