حدث ما كان متوقعا منذ فترة، باستقرار إدارة يوفنتوس على قرار طرد المدرب الإيطالي ماوريستيو ساري، بعد الموسم المخيب للآمال، الذي اكتمل بالخروج الحزين من دوري أبطال أوروبا على يد ليون الفرنسي، لكن المفاجأة التي لم يتوقعها أحد، أن يقوم الرئيس أندريا أنييلي والمدير الرياضي فابيو باراتيشي بإسناد المهمة لمايسترو الوسط أندريا بيرلو.
الجريمة المشتركة
لا شك أبدا أن المدرب السابق، ساهم بشكل أو بآخر في موسم اليوفي المحبط، وذلك بشهادة عشاق البيانكونيري، الذي لا ينظرون أو يتعاملون مع الفوز بالكالتشيو على أنه إنجاز، وبالنظر إلى سبب تجربة ساري المأساوية، سنجد أنه يُعاب عليه أشياء كثيرة، منها على سبيل المثال، سكوته على غلق ملف لاعب الوسط المحوري، رغم حاجته الماسة للاعب بنفس مواصفات جورجينيو، الذي يبني عليه أفكاره العميقة، غير أنه لم يتخذ أي موقف مع قلة الجودة المتاحة في جُل المراكز، وبالأخص في مركزي الظهيرين الأيمن والأيسر، ناهيك عن تشابه كل لاعبي الوسط بدون استثناء، إما لاعب بنزعة هجومية أو العكس، لا يوجد مبدع بإمكانه ربط الوسط والهجوم، بعد الهبوط الصادم في مستوى ميراليم بيانيتش، حتى قبل توقيع عقد انتقاله إلى برشلونة، فكانت النتيجة، الفوز بالدوري الإيطالي بأقبح طريقة ممكنة في آخر موسمين، بدليل إقالة ماسيميو أليغري وساري بعد فوز الاثنين بالسيري آ، باسم وشخصية النادي وأيضا بأهداف كريستيانو رونالدو الحاسمة، التي سرق بها عشرات النقاط من علامة الجزاء، هذا في الوقت، الذي كانت تكتفي فيه الإدارة، بمشاهدة إنتر يقلص الفارق في كل شيء مع اليوفي، إلى أن أصبح لدى كونتي تشكيلة قادرة على جمع نقاط أكثر الموسم المقبل، لا سيما بعد دعمه بدماء جديدة بعد أشرف حكيمي هذا الصيف، بينما البيانكونيري، الذي كان يملك في يوم من الأيام أندريا بيرلو، بول بوغبا، وآرتورو فيدال وعلى المقاعد ماركيزيو، أصبح يعول على أسماء بلا طموح وكثيري الإصابات، مثل سامي خضيرة، آرون رامسي، أدريان رابيو، بينتانكور، ومعهم شركاء الوسط القبيح جدا بيانيتش وبليز ماتويدي قبل التخلص منهما.
فقدان الهوية
واحدة من أهم المميزات التي افتقدها يوفنتوس مع أليغري وساري في آخر موسمين، فقدان هويته وصلابته الدفاعية، حيث أصبح الدفاع الحلقة الأضعف، ووضح ذلك أكثر من أي وقت مضى، بعد تعرض القائد جورجيو كيليني لإصابته القاسية بقطع في الرباط الصليبي في بداية الموسم المنقضي، صحيح جاء ماتياس دي ليخت، لكن ماذا سيفعله وعلى يمين مدافع أيمن بجودة دانيلو وعلى يساره كارثة قابلة للانفجار في أي لحظة مثل أليكس ساندرو، كما أثبت في عروضه السيئة في فترة ما بعد كورونا، ونفس الأمر ينطبق على أهم مركزين في كرة القدم الحديثة، الجناحين الأيمن والأيسر المهاجمين، على طريقة محمد صلاح وساديو ماني في ليفربول وفينيسيوس جونيور في ريال مدريد وكينغسلي كومان وسيرجي جنابري في بايرن ميونخ ومن على شاكلتهم، الذين يجمعون بين اللمسة الأخيرة على المرمى وبين الجماعية بخدمة رأس الحربة الوحيد، بوضع الكرة بين قدميه أو على رأسه داخل منطقة الجزاء، نلاحظ في اليوفي لا يوجد سوى البرازيلي دوغلاس كوستا، وقد أثبتت التجارب أنه لاعب فردي بامتياز، وقلما يكون جزءًا من المنظومة الجماعية، تقريبا نتحدث عن لاعب غير تكتيكي، لهذا، لم يشعر أحد بتأثيره طوال الموسم، حيث اكتفى بتسجيل هدف يتيم وصناعة 5 في 23 مباراة على مستوى حملة الدوري المحلي، ومثله بيرنارديسكي، الذي خرج من الموسم بهدف وتمريرة حاسمة، وكل ما سبق، ساهم في الصورة غير المقنعة التي بدا عليها عملاق كرة القدم الإيطالية سواء مع أليغري في موسمه الأخير أو مع ساري في تجربته العابرة.
سيرة بيرلو الذاتية
على النقيض من التوقعات التي كانت تصب في مصلحة أسماء من نوعية ماوريسيو بوكيتينو وغاسبريني وزين الدين زيدان وسيميوني إنزاغي لخلافة ساري في سُدّة حكم سيدة إيطاليا العجوز، جاءت إدارة أنييلي ببيرلو، في قرار فتح مجال التكهنات أكثر من أي وقت مضى، لمعرفة سبب تعيين أسطورة المنتخب ونجم الفريق في بداية مشروع الاحتفاظ بالدوري 9 سنوات على التوالي، ما بين فئة تعتقد أن تعيينه مقامرة غير محسوبة، نظرا لقلة خبرته في مجال التدريب، بتكليفه بمهمة قيادة الفريق الأول، ورصيده كمدرب صفر مباريات، عكس جُل أبناء جيله، الذين حصلوا على فرص واكتسبوا خبرات قبل منحهم فرصة العمل مع الفريق الأول، بما فيهم زين الدين زيدان، الذي عمل كمساعد للقيدوم كارلو أنشيلوتي، وقضى حوالي 18 شهرا مع الكاستيا، وبين التجربتين قضى فترة معايشة مع الفيلسوف بيب غوارديولا، عندما كان مدربا لبايرن ميونخ، وأيضا مايكل آرتيتا، اكتسب خبرة لا بأس بها في عمله كمساعد مع الفيلسوف، ومثله فرانك لامبارد، الذي نحت في الصخر مع ديربي كاونتي، ليوافق رومان آبراهموفيتش على تعيينه، وفي وقت، كان يبحث فيه البلوز عن مدرب يحمل جينات أصحاب “ستامفورد بريدج”، للخروج من ورطة رحيل هازارد ومنع النادي من ضم لاعبين جدد، لخرق قواعد شراء اللاعبين دون السن القانونية، أما بيرلو، لتوه تم تعيينه مدربا لفريق الرديف، وبعد البروبجاندا الإعلامية الكبيرة، التي صاحبت خبر تعيينه مدربا للشباب، وضح للجميع، أنه جاء ليكتسب الخبرة، تمهيدا لمنحه الفرصة في الوقت المناسب، وربما لو تفادى ساري الخروج المبكر من الأبطال، وخسر بعد ذلك بصعوبة أمام مانشستر سيتي في ربع النهائي، لما قفز بيرلو بهذه السرعة إلى الفريق الأول، لكن على أي حال، سيكون من الصعب جدا التكهن بما سيقدمه المدرب الجديد في حملة 2020-2021.
المهمة المطلوبة
نعرف جميعا، أن بيرلو كلاعب، يمكنه وضعه في جملة مفيدة أو مقارنة حقيقية مع أعظم من لعب في وسط الملعب في كل العصور، بجانب ذلك، استفاد في تجربته كلاعب من العمل مع المدربين أصحاب المدارس القديمة مثل مارتشيلو ليبي وكارلو أنشيلوتي في المنتخب الإيطالي وميلان، وعمل أيضا مع المدارس الحديثة كأنطونيو كونتي وماسيمو أليغري، وبجانب ذلك، كان يمتاز بالهدوء وشخصية اللاعب الكبير داخل الملعب، فقط عيبه الوحيد، أنه أحيانا يفقد السيطرة على أعصابه، حيث يتحول هذا الجبل الهادئ إلى بركان غاضب، مع العلم، أننا لم نعرف أفكاره ولا مدرسته، أو بالمصطلح الكروي الدارج “فلسفته” كمدرب، ولو أنه كما يقول المثل العربي الشهير “الجواب باين من عنوانه”، كلاعب وسط فنان، ذاك المركز، الذي ينجب عادة أفضل وأمتع مدربي كرة القدم، وهذا ما سيتضح بعد رؤية أفكاره مع الفريق في أول ستة أشهر أو لنهاية الموسم كما حدث مع ساري، لكن قبل ذلك، يمكننا الحكم على المشروع قبل بدايته، من خلال نشاط الإدارة في الميركاتو، إما بدعمه بصفقات قادرة على تحريك المياه الراكدة، وتحقيق أقصى منفعة متبادلة بين رونالدو ومستقبل النادي، كما ذكرت صحيفة “لا روبابليكا”، بأن المدرب الجديد يريد أسماء قادرة على مساعدة كريستيانو لاستنساخ الصورة التي كان عليها مع زين الدين زيدان، أو تكرار ما حدث مع ساري، بفرض القائمة عليه وعدم منحه صلاحيات بناء المشروع كما يريد، وإذا أظهرت الأسابيع القليلة القادمة أن المدرب الجديد لا يملك الصلاحية اللازمة لبناء مشروع طويل الأجل، وبالتبعية لم يلب مطالب المشجعين بالاحتفاظ بالكالتشيو قبل أي شيء، ثم الذهاب بعيدا في الأبطال، سيكون التفسير المنطقي لتعيينه، أنه جاء كرهان رخيص التكلفة، قبل الوصول إلى المرحلة الأخيرة في ثورة التجديد، بتعيين بيب غوارديولا بعد انتهاء عقده مع مانشستر سيتي الموسم المقبل، بدلا من دفع ملايين طائلة لمدرب مثل بوكيتينو أو غيره، سيشترط وضع مبالغ خرافية إذا تم فسخ عقده، فهل يا ترى سينجح الرهان على بيرلو ليكون غوارديولا أو زيدان الجديد؟ أم مجرد تجربة لكسب مزيد من الوقت إلى أن يصبح الفيلسوف الكاتالوني متاحا العام القادم؟ دعونا ننتظر ما ستسفر عنه هذه المغامرة.