زيارة الكاظمي لواشنطن والنتائج المرتقبة

حجم الخط
1

شكل العراق حالة أرق في وسائل الإعلام الأمريكية، خصوصاً بعد الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011، إذ تنظر وسائل الإعلام الأمريكية إلى الحالة العراقية بأنها مستعصية على الحل، والسبب في ذلك هو كثرة المتغيرات الفاعلة في الساحة العراقية، منها ما هو جزء من هيكل النظام السياسي، ومنها ما هو قادم من خارج الحدود. وبما إن الإدارة الأمريكية تنظر إلى العراق كحالة وازنة مع الجانب الإيراني، فإنها لم تعد تنظر إلى العراق إلا في الإطار الذي يتعلق بمواجهة إيران في الشرق الأوسط.
إن العجز الكبير الذي واجهه العراق خلال الفترة الماضية، في الحفاظ على السيادة الوطنية من الانتهاك، وإدارة لعبة التوازن بين إيران والولايات المتحدة، وحماية الأمن الوطني من التهديدات المتصاعدة لتنظيم «الدولة» (داعش) والفصائل الولائية المرتبطة بإيران، قد شكلت أسباب رئيسة لحكومة مصطفى الكاظمي بالتوجه نحو الحوار الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، فهي اليوم أمام تحديات كبيرة، تحتاج إلى نظرة إستراتيجية موسعة للخروج من المأزق الحالي، إذ إن العراق يعاني من الفشل في جميع الملفات والمجالات، والهبوط الكبير في أسعار النفط مؤخراً، أشكلت كثيراً على الطريقة التي من الممكن أن تتعامل بها الحكومة العراقية في حال فشل هذا الحوار، خصوصاً وإن الإدارة الأمريكية كانت قد لوحت في أكثر من مرة، إنه بالإمكان فرض عقوبات اقتصادية مشددة على العراق، في حال لم تتمكن حكوماته امن انتشال البلاد من القبضة الإيرانية.
لكن التداعيات الكبرى التي أفرزتها جائحة كورونا على النظام الدولي بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، أشكلت على طبيعة الحظوظ التي يمتلكها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، خصوصاً وإنه يواجه اليوم تحديات مجتمعية عديدة. وعليه تنظر الولايات المتحدة إلى أن نجاحها في التوصل إلى تفاهمات واضحة وعامة مع الجانب العراقي عبر الزيارة الحالية للكاظمي لواشنطن يمثل أهمية كبيرة للرئيس ترامب في التخلص من أحد الملفات المعقدة في السباق الرئاسي المقبل، خصوصاً وأن خصمه المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن، كان قد أعلن أكثر من مرة بأن الولايات المتحدة اخطأت في الحرب على العراق، وهذا مايبدو توجهاً جديداً لتكرار سيناريو الانسحاب مرة أخرى كما فعل الرئيس السابق باراك أوباما، عندما كان بايدن نائباً له.
أما العراق فهو الآخر يدرك بأنه لابد من التوصل إلى حالة إستراتيجية مستقرة مع الولايات المتحدة، وهذا الاستقرار بدوره نابع من طبيعة الإشكالات الإستراتيجية التي عانت منها البيئة العراقية، منذ بروز تهديدات تنظيم «الدولة» في حزيران/يونيو 2014، ومن ثم الصعود الكبير للفصائل المسلحة المقربة من إيران، وتصاعد التظاهرات الاحتجاجية في العراق، واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، والفشل السياسي والاقتصادي الكبير الذي صاحب التأخير في تشكيل الحكومة العراقية، بعد استقالة حكومة عادل عبدالمهدي في مطلع كانون الأول/ديسمبر 2019. وعلى الرغم من نجاح الكاظمي في تشكيل حكومته في 6 أيار/مايو 2020، إلا إن هذا التأخير سيلقي بظلاله، على قدرة العراق السياسية في تجاوز الضغوط الحالية، قبل التوجه للانتخابات المبكرة التي أعلن عنها الكاظمي في يونيو/حزيران المقبل.
إن النظرة الإستراتيجية المتعددة الخيارات والأبعاد؛ توحي للوهلة الأولى بأن مسارات الحوار العراقي الأمريكي لن تخلو من الموانع الإستراتيجية الحرجة، بعضها متوقع والآخر غير ذلك، ولهذا قد تشهد زيارة الكاظمي؛ حالة من تبادل الأفعال وردود الأفعال، بين العراق والولايات المتحدة من جهة، والأطراف الإقليمية والدولية من جهة أخرى، بسبب مركزية الحالة العراقية في البيئتين الإقليمية والدولية، إذ إن تحول العراق إلى دولة تتشكل عليها التوازنات الإقليمية والدولية بعد عام 2003، جعل أي متغير يحدث في الساحة العراقية، يجد له تداعيات في البيئات الأخرى، وعلى هذا الأساس فإن المرحلة المقبلة، ستكون حاسمة في تقرير المستقبل الذي سينتظر العلاقات العراقية الأمريكية، فالمقاربات السياسية والإستراتيجية المعقدة التي تنتظر نتائج زيارة الكاظمي، ستكون واضحة في التحكم بمساراته، وعليه فإن الطرفين مطالبان بإيجاد حوافز نجاح من جهة، وتقليل معوقات الفشل من جهة أخرى، إذا ما أراد العراق أن يحقق ضروراته الوطنية، والولايات المتحدة حماية مصالحها وأهدافها.
يحتاج العراق إلى إستراتيجية جديدة لبناء قوات عسكرية كبيرة وقوية، بما يكفي لمواجهة تحديات تنظيم «الدولة» وسلاح الميليشيات وتأمين حدوده مع سوريا وتركيا وإيران، ومن ثم فإن الزيارة يمكن أن تشكل مدخلاً لإعادة تقييم العلاقات الأمنية بين العراق والولايات المتحدة، بحيث تؤدي الولايات المتحدة دوراً حاسماً في إعادة بناء قدراته العسكرية والأمنية التي استُنزفت خلال الحرب ضد تنظيم «الدولة». ووفق التقديرات الأمريكية تحتاج القوات العسكرية العراقية إلى عمليات إعادة تدريب وتأهيل لمدة تتراوح ما بين 3 إلى 5 سنوات على الأقل، لتكون قادرة على القيام بمهامها الأمنية، فضلاً عن أن العراق يحتاج إلى إعادة بناء منظومته التسليحية، وإعادة تشغيل وصيانة العديد من القواعد العسكرية.
إلى جانب ما تقدم فإن القوات الجوية العراقية لا تزال صغيرة ومحدودة جداً، وعلى الرغم من أنها تضم بعض الطائرات الأمريكية من طراز F-16، إلا إنها بدأت للتو في تطوير قدرات قتالية حديثة. وما كان للعراق أن يهزم تنظيم «الدولة» بدون دعم من الطائرات التابعة لقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، إذ شنت طائرات التحالف الدولي 78،033 طلعة جوية، فضلاً عن 43،581 طلعة استخبارات ومراقبة واستطلاع في العراق وسوريا، خلال سنوات الحرب ضد «الدولة (2015-2018) هذا إلى جانب 13،694 طلعة جوية، و13،377 طلعة استخبارات ومراقبة وإستطلاع في عام 2019.

يحتاج العراق إلى إستراتيجية جديدة لبناء قوات عسكرية قوية بما يكفي لمواجهة تهديد تنظيم «الدولة» وسلاح الميليشيات

بالإضافة إلى ذلك لا يمتلك العراق أسلحة دفاع جوي أو منظومات صواريخ متطورة، أو نظام إنذار ومراقبة جوي، أو قدرات أرضية للدفاع الجوي، وهي قدرات عسكرية مهمة للتعامل مع أي تهديدات عسكرية خارجية، كما تحتاج المؤسسة العسكرية العراقية إلى تحقيق المزيد من التكامل الوظيفي على مستوى العمل العسكري، فعلى الأرض توجد اليوم ثلاث قوات عسكرية رئيسة، هي الجيش العراقي والحشد الشعبي والبيشمركة الكردية، وحتى اللحظة لم تُظهر هذه القوات التكامل الوظيفي في العمل الأمني الرسمي.
ولا شك في أن عملية تطوير القدرات العسكرية العراقية سيصيبها الشلل فيما لو قررت الولايات المتحدة الانسحاب في أي وقت من الأوقات، بدون أن يكون هناك التزام إستراتيجي يربط علاقاتها بالعراق؛ فعملية الانسحاب الأمريكي من العراق في عام 2011، أدت إلى تصدعات كبيرة عانى منها الجيش العراقي في مواجهة هجمات تنظيم «الدولة» عام 2014. وعندما قررت الولايات المتحدة العودة للعراق عام 2016 ساعدت في دحر التنظيم، وحققت إنجازات أخرى على الأرض.
تدرك الولايات المتحدة بأن الحصول على التزامات مهمة وواسعة من الكاظمي قد يشكل مدخلاً لدور أمريكي أكثر فاعلية في الساحة العراقية، خصوصاً الالتزامات المتعلقة بسلامة قواتها العسكرية الموجودة في العراق، وتأمين المصالح الأمريكية من أي تهديدات مستقبلية قد تصدر عن إيران وحلفائها في العراق. والأكثر من ذلك كله؛ تُدرك الولايات المتحدة أهميةَ الضغط على العراق في إيجاد بديل لموارد الطاقة التي تحتاج إليها بدلاً من إيران، إذ إن استمرار استيراد العراق للطاقة من إيران، حجّم كثيراً فاعلية سياسة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وهو ما استغلته إيران وتحاول الإبقاء عليه خلال الفترة المقبلة.
كما أن التهديدات الجديدة التي فرضتها عودة هجمات تنظيم «الدولة» في الآونة الأخيرة، جعلت الولايات المتحدة تفكر في التداعيات المستقبلية لهذه الهجمات، خصوصاً في ظل ظروف هيأت التنظيم العودة مجدداً؛ فالوضع الصحي المعقد الذي يعيشه العراق اليوم، والذي يأتي مترافقاً مع أزمة اقتصادية نتيجة هبوط أسعار النفط، إلى جانب الصراعات الهيكلية التي يعيشها الحشد الشعبي (بين الفصائل الولائية وحشد العتبات) جعلت البيئة العراقية الراهنة هشة أمنياً، لذلك تتطلع الولايات المتحدة إلى التوصل إلى إتفاق جديد مع العراق عبر زيارة السيد الكاظمي لواشنطن، أو إيجاد ترتيبات أمنية جديدة.
والواقع إن العراق هو الآخر يتطلع إلى تحقيق العديد من الحاجات والمصالح الإستراتيجية في الفترة المقبلة، فحكومة الكاظمي بحاجة إلى الحصول على التزامات إستراتيجية من الولايات المتحدة لمواجهة تحديات حقيقية في المرحلة المقبلة، أبرزها معالجة الاقتصاد المتهالك، وإبعاد شبح عودة تنظيم «الدولة» وتحييد العراق عن آثار الصراع الأمريكي الإيراني، فضلاً عن تمكين العراق سياسياً وعسكرياً لتحقيق المزيد من السيادة والاستقلالية في القرار السياسي.
حتى لو تمخضت الزيارة المرتقبة للكاظمي عن وضع أسس حقيقية لعلاقات إستراتيجية متوازنة بين العراق والولايات المتحدة، فإن العراق سيظل مطالباً بتحمل المسؤولية الأساسية عن إصلاح عمليته السياسية، واقتصاده المتأزم، ووضعه الأمني الهش، ويتعين عليه أن يدرك أن المساعدات الخارجية (الأمريكية والدولية) ستكون محدودة في عالم ما بعد كورونا، على اعتبار أن أغلب دول العالم ستركز على إنقاذ اقتصاداتها من الركود، بسبب تداعيات وتأثيرات وديناميات الجائحة، وهو ما يزيد من عدد كوابح النجاح التي يمكن أن تقف بوجه زيارة الكاظمي لواشنطن.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هوزان هكاري:

    زيارة الكاظمي تكون دون جدوى مالم
    يخرج العراق من العباءة الايرانيه
    وسطوة الميليشيات المواليه لها.

إشترك في قائمتنا البريدية