جبل علي في دبي نافذة إسرائيل الأولى إلى العالم العربي
تمثل خطوة إقامة علاقات رسمية بين الإمارات وإسرائيل نقطة انقلاب في مسيرة الصراع العربي-الإسرائيلي؛ فهي أولا أسقطت أهم شروط مبادرة السلام العربية لعام 2002 من حيث ربط إقامة العلاقات بشرط انسحاب إسرائيل من الضفة وغزة وقيام دولة فلسطينية مستقلة. وهي ثانيا أسقطت مفهوم التطبيع في معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية، التي اعتبرته ثمن الانسحاب الإسرائيلي من أرض محتلة. وهي ثالثا أسست للعلاقات على أرضية التعايش مع الاحتلال وتنحية المصلحة الفلسطينية تماما، وقطعت كل حبال الصلة بين الحاضر، وبين ماضي الصراع العربي-الإسرائيلي بشعاراته وسياساته وحروبه الدامية.
الإمارات لم تكن تقنيا في حالة حرب مع إسرائيل، فقد تأسست قبل أقل من عامين من حرب تشرين الأول/أكتوبر آخر الحروب العربية الكبرى مع إسرائيل، ولم تشترك في عمليات عسكرية ضد إسرائيل، بل إنها احتفظت بعلاقات رمادية مع تل أبيب طوال العقود الماضية، تضمنت مبادلات تجارية خفية قدرت قيمتها في العام 2018 بأكثر من مليار دولار، ثم انتقلت هذه العلاقات إلى العلن خلال السنوات الأخيرة، وتضمنت مشاركة إسرائيل في المعارض وحملات التسويق التجاري في الإمارات وإقامة مركز تجاري إسرائيلي في معرض إكسبو 2020 في دبي، وصولا إلى التنسيق مع إسرائيل في حملات لمكافحة فيروس كورونا، وما ارتبط بذلك من زيارات للمسؤولين ورجال الأعمال.
ومع انه لا يوجد تصور إسرائيلي محدد للتطبيع مع الإمارات، إلا أن الخطوة الأخيرة تعتبر امتدادا للتصور الإسرائيلي بشأن بناء (الشرق الأوسط الجديد) تحت قيادتها، وهو التصور الذي تحول إلى سياسة عملية واختبرته إسرائيل مرتين على الأقل في علاقاتها مع كل من مصر والأردن. وكانت نتيجة ذلك أن ذلك التصور أصبح أكثر تشددا مما كان عند نشأته، ولا يقبل بغير السيطرة الكاملة، سواء كانت خفية أم ظاهرة، ولا يضحي بمكاسب ممكنة في الأجل القصير بغية تعظيم مكاسب بعيدة الأمد، بل هو يعمل على تحقيق كل منهما وعدم التضحية بشيء.
اكتمال أضلاع المثلث الذهبي
ومع أن الدلالات الجيوسياسية لإقامة علاقات طبيعية بين الإمارات وإسرائيل تفوق بكثير في الوقت الحاضر أهميتها الاقتصادية، فإن هذه العلاقات تمنح إسرائيل الضلع الغائب في علاقاتها مع كل من مصر والأردن، وحتى مع الفلسطينيين أنفسهم. هذا الضلع الغائب هو المال الخليجي؛ فقد كان حلم إسرائيل دائما هو إقامة مثلث ذهبي للعلاقات مع الدول العربية تكتمل فيه ثلاثة أضلاع هي التكنولوجيا الإسرائيلية، والمال الخليجي، والكم العربي؛ بما يعنيه من سوق كبيرة وأيدي عاملة وفيرة. التطبيع مع الإمارات سيفتح السوق الإماراتية والخليجية للمنتجات الإسرائيلية من خلال منطقة جبل علي التي تمثل أكبر مركز لإعادة التصدير في العالم العربي، كما سيفتح خزانة رؤوس الأموال الخليجية لتمويل مشروعات في إسرائيل، أو بالمشاركة معها في الإمارات، وكذلك التمويل من خلال سوق ناسداك دبي للأوراق المالية، الذي تستطيع حكومة وشركات إسرائيل أن تستخدمه في إصدار سندات لتمويل كافة الأنشطة الاقتصادية باكتتابات من البنوك الإماراتية والخليجية.
إسرائيل لا تهتم كثيرا بتصدير علامة (صنع في إسرائيل) بقدر ما تهتم بأن تكون هي بلد المنشأ الفعلي لتكنولوجيا ومكونات الإنتاج. وإذا أخذنا في الاعتبار طموح الإمارات في أن تصبح المركز التكنولوجي الأكثر تقدما عربيا، فإن إقامة علاقات مع إسرائيل سيفتح أمامها الكثير من النوافذ لتطوير طموحاتها في مجالات الطاقة الجديدة وهندسة الفضاء وتكنولوجيا المعلومات خصوصا الأمن المعلوماتي والتجسس الإلكتروني، وتكنولوجيا الطاقة المتقدمة وتحلية المياه وخدمات الرعاية الصحية وغيرها. ولا تعود أهمية إقامة العلاقات بين الدولتين إلى مجرد تبادل المصالح الثنائية فقط، وإنما يضاف إلى ذلك أنها تؤسس لإقامة نظام إقليمي للمبادلات الاقتصادية المتعددة الأطراف بمشاركة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو نظام قد يستهدف أيضا مجموعة الدول الإسلامية بما فيها باكستان وإندونيسيا وماليزيا ومجموعة دول القرن الأفريقي الكبير من جيبوتي والصومال إلى ليبيا، وهي دول تطمح الإمارات إلى لعب دور استراتيجي في نطاقها.
تنمية صحراء النقب
على مستوى العلاقات الثنائية تطمح إسرائيل في تحقيق قفزة استثمارية محلية بواسطة سيل من تدفقات البترودولار من الإمارات. وقد عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي عن ذلك الحلم بوضوح عندما أشار إلى توقعه بأن تضخ الإمارات حصة من استثمارات صناديقها السيادية في قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي، خصوصا في شركات التكنولوجيا الرائدة المتعطشة إلى التمويل الخارجي وفي مناطق التنمية الإسرائيلية الجديدة خصوصا في الجنوب. وتدير الإمارات أكبر حجم من الأصول الاستثمارية العربية في الخارج من خلال صناديق وهيئات الاستثمار الحكومية مثل هيئة أبو ظبي للاستثمار ومؤسسة دبي للاستثمار وصندوق مبادلة وهيئة الإمارات للاستثمار وصندوق إدارة الأصول الاستثمارية لإمارة الشارقة. وهناك تباين في تقدير قيمة الأصول الاستثمارية للإمارات، ولكن بعض خبراء التمويل يقدرون مجموعها بنحو 1.2 تريليون دولار بما يعادل 14.6 في المئة من قيمة كل أصول صناديق الاستثمار السيادية في العالم.
وتطمح إسرائيل في تحويل منطقة صحراء النقب في الجنوب إلى محرك جديد لدفع النمو بقوة في كل المجالات، واستخدام المنطقة جيوسياسيا واقتصاديا لخلق درجة أعلى من التقارب والاندماج مع كل من الأردن والسعودية ومصر، حيث تلتقي مع مناطق التنمية الأردنية من جنوب البحر الميت إلى خليج العقبة، ومع مصر في مناطق التنمية في جنوب سيناء، ومع السعودية في مصيفها الجديد الذي يتم ترويجه عالميا تحت اسم “نيوم” إضافة إلى خلق فرص عمل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذا فإن رؤوس الأموال الإماراتية قد تلعب دور الممول الأول، على الأقل في البداية، ما يعزز فرص مشاركة أطراف عالمية أخرى مثل الصين واليابان والاتحاد الأوروبي والشركات الأمريكية.
هذا يفتح المجال لترتيبات اقتصادية متعددة الأطراف ستكون الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات طرفا فيها، وذلك من خلال صيغة إقليمية مفتوحة، أو من خلال استغلال قالب قديم كانت الولايات المتحدة قد طورته لاستيعاب فكرة إقامة علاقات اقتصادية ثلاثية، تشمل دولة عربية أو أكثر، تستفيد من مزايا منطقة التجارة الحرة بين إسرائيل والولايات المتحدة. هذه الصيغة التي بدأ العمل بها في العام 1985 وهي صيغة (المناطق الاقتصادية المؤهلة – كويز) تضم الآن الأردن وإسرائيل والولايات المتحدة، وأيضا مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، وتتسع لاستيعاب الفلسطينيين أيضا في الطرفين.
وبمقتضى صيغة كويز تدخل المنتجات المصنعة إلى سوق الولايات المتحدة معفاة تماما من الرسوم والجمارك، بشرط أن تحتوي على نسبة معينة من المدخلات من كل من إسرائيل والولايات المتحدة إلى جانب المدخلات من الدولة المنتجة. وتهدف الولايات المتحدة وإسرائيل منها تسهيل إقامة قاعدة اجتماعية تكون فيما بعد عونا للسلام الاقتصادي العربي-الإسرائيلي. وقد نجحت هذه الصيغة نجاحا كبيرا في كل من مصر والأردن؛ ففي حال مصر ارتفعت قيمة صادرات كويز إلى الولايات المتحدة إلى ما يقرب من مليار دولار من الأقمشة والملابس الجاهزة والمفروشات، وما تزال هناك مساحة كبيرة لانضمام صناعات أخرى إلى منظومة كويز في مصر وكذلك في الأردن.
وعلى الرغم من أن الإمارات لا تتمتع بوفرة في الأيدي العاملة مثل مصر والأردن، فإنها تستطيع أن تدخل في تحالفات صناعية – مالية في دول عربية أخرى تقيم علاقات مع إسرائيل مثل مصر أو الأردن أو الضفة الغربية وغزة، لتعزيز صناعاتها من المنتجات التكنولوجية عالية القيمة، والاستفادة من الدخول الحر بدون جمارك إلى السوق الأمريكية.
وتعتبر السلع التكنولوجية المتقدمة والأسلحة والمجوهرات خصوصا الألماس هي أهم صادرات إسرائيل، وتوجد في الإمارات سوق كبيرة لمثل هذه المنتجات، وهي تستطيع من خلالها أيضا إعادة تصديرها للخارج خصوصا للأسواق التي لا تتعامل معها إسرائيل مباشرة، وهذا ما يزيد أهمية السوق الإماراتية للبضائع الإسرائيلية.
وتملك إسرائيل خبرة في تسويق منتجاتها إلى الدول العربية، خصوصا من واقع علاقاتها مع الفلسطينيين وعبر الأردن. ومن ثم فإن أهمية السوق المحلية الإماراتية بالنسبة لإسرائيل ستتركز في تصدير السلع الاستهلاكية والكمالية والتكنولوجية للاستهلاك المحلي، وإعادة التصدير عن طريق منطقة جبل علي، وكذلك بواسطة الوافدين الذين يرسلون مثل هذه السلع كهدايا إلى ذويهم في بلدانهم الأصلية. ومن المتوقع أن تصبح منطقة جبل علي في دبي نافذة إسرائيل الأولى إلى العالم العربي، وذلك بفضل الروابط القائمة فعلا بين الشركات الإماراتية والأسواق العربية المختلفة من خلال سلاسل الإمدادات والاستثمارات الإماراتية في أسواق عربية كبيرة مثل مصر.
التنقيب عن الغاز
يمثل الغاز الطبيعي أهم صادرات إسرائيل إلى الدول العربية من حيث القيمة حتى الآن. ولا تقدم الإمارات فرصة في هذا المجال، حيث أن إسرائيل تعمل بقوة على زيادة امكاناتها في تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا في المرحلة التالية، بعد أن أنجزت عقدين كبيرين مع كل من الأردن ومصر. ومع ذلك فإن إسرائيل تقدم فرصة كبيرة للإمارات في مجال الاستثمار في قطاع النفط والغاز خصوصا في الامتيازات المتاحة بالمياه العميقة داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط. ومع أن شركتي نوبل إنرجي المسجلة في تكساس (ستنتقل ملكيتها إلى شيفرون الأمريكية بنهاية العام الحالي) وديليك الإسرائيلية للحفر تحتكران تقريبا امتيازات قطاع النفط والغاز الإسرائيلي، فإن إسرائيل يمكن أن تفتح الباب لشركة (مبادلة) الإماراتية للنفط والغاز للمشاركة في عمليات التنقيب، خصوصا بعد أن منحت امتيازا لشركة يونانية للتنقيب والإنتاج. وتعمل مبادلة بالفعل في المياه المصرية شرق المتوسط وتملك 10 في المئة من حقل ظهر. وفي حال دخول (مبادلة) أو (أدنوك) إلى قطاع الطاقة الإسرائيلي، فإن ذلك سيضيف قدرات تمويلية جديدة لاستغلال ثروات إسرائيل من النفط والغاز في حوض شرق المتوسط. وقد تعرض الإمارات على إسرائيل في المقابل ان تشترك معها في استثمارات في قطاع البتروكيمائيات خارج حدود البلدين.
السياحة والطيران
تعتمد الإمارات إلى حد كبير، خصوصا دبي على السياحة كمصدر للدخل، إضافة إلى تجارة الخدمات المتنوعة. ومن المرجح أن تصبح الإمارات الجهة العربية الأولى التي تقصدها الوفود السياحية الإسرائيلية لغرض الترفيه. كذلك فإن إسرائيل تقدم فرصة كبيرة للسياحة الإماراتية سواء السياحة العلاجية او الترفيهية أو برامج الزيارات العلمية والتعليمية والزيارات إلى الأماكن الدينية المقدسة في القدس. وقد تجد شركات السياحة الإسرائيلية فرصة للمشاركة مع شركات إماراتية في تنظيم برامج سياحية مشتركة للسائحين من البلدين أو من بلدان أخرى لزيارة أماكن الجذب السياحي في البلدين. وسوف يتطلب تسيير رحلات جوية أو خطوط برية بين البلدين إلى ترخيص من السعودية بمرور الطائرات عبر أجوائها وعبور الشاحنات من خلال أراضيها إلى الإمارات ومنها.
ومع ذلك فإن كل سيناريوهات تطوير العلاقات بين الإمارات وإسرائيل ستتوقف على مدى قبول فكرة العلاقات على المستوى الشعبي، ليس في الإمارات فقط، ولكن في الشارع العربي بشكل عام. كما ستتأثر بالتعامل الإيراني الذي قد يشكل قيدا على توسيع نطاق العلاقات.
لماذا لا يكون للعرب الاحرار (العرب الصهاينة غير مقصودين هنا) لائحة الارهاب تصنف الولايات المتحدة واسرائيل والغرب واتباعهم المطبعين كارهابيين.