لماذا تتعثر دول الاعتدال العربي القريبة من واشنطن في مواجهة محور إيران ؟

حجم الخط
2

يعيش العراق حالة استقطاب بين محورين، إيراني مدعوم روسيا، وأمريكي ومن ورائه ما يعرف بدول الاعتدال العربي، التي ترى بواشنطن حليفا لا بديل عنه، أمام إيران المتمددة بقوة بعد 2003.
وتختلف تركيبة المحورين من ناحية صلابة الارتكازات المحلية للقوى الإقليمية والدولية، فينطلق المحور الإيراني من ارتكازات محلية، تتكون أساسا من تنظيمات حزبية، تقود الكتل الشيعية في البلدان المشرقية، في سوريا ولبنان والعراق، ثم تأتي إيران كمنظومة إقليمية ضابطة لحركة القوى الموالية لها، سياسيا وأمنيا، واختارت هذه المنظومة التحالف مع موسكو كقطب دولي، يشترك مع طهران بمناوئة واشنطن.

قوة التنظيمات الشيعية المرتبطة بإيران في العراق، تجعل من مهمة الدول العربية المقربة من أمريكا صعبة

في المقابل؛ فإن المحور القريب من أمريكا يعتمد إقليميا على أنظمة عربية، لا تملك ارتكازات محلية صلبة ومنظمة، فرغم وجود كتل سكانية سنية في العراق وسوريا ولبنان، تبدو أكثر قربا من هذا المحور، من باب محاولة الاحتماء من نفوذ نظرائهم المحليين من حلفاء إيران، إلا أن هذه الكتل لم تنتج قوى منظمة، شعبيا وعسكريا، يمكن الاعتماد عليها بمواجهة كهذه، قد تتحمل الدول الإقليمية العربية جزءا كبيرا من مسؤولية ضعف وتشرذم التنظيمات المحلية المواجهة لتنظيمات إيران، هذا إن وجدت أصلا، كون الأنظمة العربية غير مؤهلة قياداتها لهذا النوع من النزاعات، وبلاشك فإن حلفاءها المحليين يشبهونها من عدة أوجه، فالحكومات العربية القريبة من واشنطن، ونعني هنا تحديدا دول الخليج والأردن ومصر، قياداتها إما غير عسكرية، وإما لم تعد منذ عقود تنظيمات محلية مسلحة خارج حدودها، تمتلك تجربة وعقيدة قتالية صلبة، وإذا نظرنا لحلفائها في العراق وسوريا ولبنان، لوجدناهم إما رجال أعمال كالحريري، أو لم يمارسوا أي تجربة عسكرية أمنية قبل اندلاع النزاع مع إيران، كالقوى السنية السياسية بالعراق وسوريا، بالمقابل، نجد حلفاء إيران في العراق ولبنان، كتنظيم بدر والدعوة وغيرهما، والمنظومة الأمنية العلوية في دمشق، وحزب الله اللبناني وحركة أمل، وحتى الحوثيين باليمن، يمتلك قادتها تجربة عسكرية وأمنية، وتمتد كذلك علاقتها الامنية والعسكرية بأيران لعقود طويلة، وهو ما لم تفعله أو تفكر بفعله الدول العربية، التي تريد مواجهة إيران بالاستعانة بواشنطن، ظنا منها أن مجرد الحصول على حليف دولي قوي يغني عن الارتكازات المحلية الصلبة، وهو خطأ جسيم في فهم طبيعة النزاعات الأهلية
وهكذا، فإن قوة التنظيمات الشيعية المرتبطة بإيران في العراق، تجعل من مهمة الدول العربية المقربة من أمريكا، صعبة، على مستويين، فإقليميا، لا يوجد نظير لإيران من المحور العربي، وإذا نظرنا للفشل السعودي أمام الحوثيين في خاصرته الجنوبية اليمن، لأمكننا رؤية هذه الفرق في طريقة الإدارة للنزاع بين طهران والرياض، ومحليا، تبدو التنظيمات الحزبية المناوئة لإيران مفتتة بلا قيادة وبدون خبرة عسكرية وتنظيمية، مماثلة لأحزاب دربتها إيران لعقود، بانتظار هذا اليوم. ونتيجة لهذا الخلل الإقليمي الذي رجح كفة إيران على الدول العربية «المعتدلة» بدأنا نرى تسربا كبيرا للقوى المحلية في الدول المشرقية العربية، التي تكابد التوغل الإيراني، نرى قوى كانت محسوبة أو مقربة من دول الاعتدال العربي، تيمم وجهها نحو طهران، حماس الفلسطينية قد تكون أبرز مثال، وفي العراق ولبنان أمثلة عديدة، على شخصيات وقوى سنية، باتت في صف إيران، رغم الصبغة الطائفية الفجة لمشروعها، زعامات سنية لها وزنها باتت متحالفة اليوم مع حزب الله في صيدا وطرابلس، وفي العراق نرى بوضوح كيف يصطف السياسيون السنة اليوم أمام باب السفارة الإيرانية، أو أبواب خلفية تقود لها في مكاتب حزب الله ببيروت، أو النظام السوري، لكي يحصلوا على بركات ورضا الإيرانيين، ليسمحوا لهم بالتالي دخول العملية السياسية، ومن بوابة التحالفات التي يهيمن عليها أتباع الحرس الثوري، كتحالف الفتح بقيادة الحشد الشعبي، وإن عرفوا أنهم مجرد ديكور لقوى سياسية شيعية حاكمة لم تنصفهم منذ 2003، ورغم ان هذه القوى، والشخصيات السنية لا تمثل أكثرية سكانية، إلا أنها مجرد مثال على ضعف دور الدول العربية وهشاشة علاقتها بالقوى المحلية في تلك البلدان التي اكتسحها نفوذ إيران، من خلال حلفائها في البلدان نفسها، بعد ان عرفت كيف تعدهم لهذه المواجهة، بحيث تستطيع تمكين أقلية علوية في سوريا من قمع ثورة مسلحة لأغلبية سكانية لأربع سنوات، قبل تدخل روسيا، عرّاب هذا التحالف دوليا.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    لا توجد دولة واحدة بالعراق بعد صدام!
    لقدأصبح العراق أعراق!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامح:

    ولنا أن نتخيل كيف سيكون حال العراق والعراقيين لو كانت هناك تنظيمات عربية موازية تناطح تلك التي زرعها النظام الايراني على الساحة العراقية

إشترك في قائمتنا البريدية