ازداد الحديث في الآونة الأخيرة عما اصطلح على تسميتها بالمخدرات الرقمية، خاصة بعد أن قامت إحدى المحطات الفضائية العربية بالحديث عن هذا الأمر، عبر تقريرٍ متلفز أعدته للفت الانتباه إلى هذا النوع من «المخدرات».
وتلك المخدرات هي عبارة عن ملفات صوتية يجري تحميلها على الهاتف الذكي عبر تطبيقاتٍ محددة. ووصمها بالمخدرات تمّ بفعل ما أشيع عن أثر تلك الملفات في تغيير مزاج مستمعيها وإدخالهم في حالة من النشوة. وبحكم الاختصاص ولغرض إعداد هذا المقال، قمت بإجراء بعض البحث للتحقق من صدقية هذا النوع من المخدرات. حقيقة الأمر أن الناس دائماً ما تتأثر بسماعها للموسيقى والغناء، إما بالتعبير عن إعجابها بمقطوعة أو أغنية تحبها، أو امتعاضها، مما تسمع. وفي كلتا الحالتين فإن الناس يعبرون عن مدى تأثير ما يسمعون في نفسياتهم وأحياناً بطريقة تلقائية، إما بالغناء الموازي خلال عرض أو بث الأغنية أو بتغيير الأغنية والقفز عنها. وسواء أعجبنا النغم أم لم يعجبنا فإن تعامل البشرية مع الموسيقى لم يعد محصوراً بثقافة معيــــنة، بل وبفعل انتشار تقنيـــات البث الفضـــــائي والإنترنت والمعالجة الرقمية للموسيقى، فإن العـــالم أضحى قادراً على تذوق موسيقى الثقافات المختلفة ومزجها مع اللحن المحلي وتدعيمها بآلات مختلـــفة وغير تقليدية.
وقد وفر هذا التطور إمكانية لتداخل الموسيقى وتنوع نغماتها وتعدد تركيباتها الأمر الذي أفسح المجال أمام ولادة نغمات جديدة، بل مثيرة وغريبة أحياناً. ومع هذه الولادة توسعت قائمة النغمات والنوتات الموسيقية وبصورة محوسبة سهلت عملية الجمع والتركيب والتحرير والتطوير.
لذا أراد البعض وباحترافية عالية أن يجمع ما بين سهولة نشر الموسيقى اليوم وعالم تطبيقات الهاتف الذكي والترويج التجاري المربح، الذي يتوافق واهتمامات ملحوظة من الناس، لذلك بدأنا نسمع عن المخدرات الرقمية.
وفي استعراضٍ محدد للوصلات الغنائية المدرجة تحت هذا المسمى، اتضح أن بعض تلك النغمات والموسيقى المستعملة سبق أن استعملت في أغاني بعض المغنين العرب والأجانب، وهي فعلياً ليست مدعاة لأي نوعٍ من النشوة مع مراعاة اختلاف الأذواق طبعاً.
الأمر المحتمل أن هذه النغمات ربما تؤثر في من يعانون من أمراض عصبية كالصرع مثلاً، وهو الأمر الذي يسبب الاسترخاء والشعور بالراحة، لكن هذه الشريحة ومقارنة مع سكان الأرض ليست كبيرة أصلاً.
لذا فإن الحديث عن المخدرات الرقمية ما هو إلا محض هراء وتقليعة تسويقية نوعية ساهمت في رواج المبدأ وتصاعد اهتمام الناس بالموضوع.
وقبل أن أنهي مقالي هذا أذكر القارئ الكريم بأن العلاج بالموسيقى بات أمراً شائعاً وتستخدمه عيادات مرموقة محلياً وعالمياً. أما التعذيب بالضجيج والموسيقى الصاخبة أيضاً فهو أمرٌ شائع لدى بعض الأجهزة الاستخباراتية في العالم.
وهنا أذكر بمحاولات إسرائيل ذات يوم تعذيب الرئيس الشهيد أبو عمار بعد هدم مقره في رام الله عبر استخدام مكبرات مزعجة للصوت. لكن الجنود الذين قاموا بتركيب تلك المكبرات عانوا ذاتياً من ضخامة الصــوت فقام جيــش الاحتلال بالاستغناء عن الفكرة.
على العموم وفي ظل تطور التقانة من حولنا وإساءة توظيفها أحياناً فإن تزايد الأفكار الغريبة لن يكون أمراً مستهجناً، بل تطوراً لا مفر منه. لذا لا أستغرب من أن نسمع عن تقليعات جديدة ستستخدم اهتمامات الناس وفضولها كوقود لتطورها! ولله بالفعل في خلقه شؤون!
٭ كاتب فلسطيني
د. صبري صيدم