برزت بعد صمت جامعة الدول العربية أمام قرار التطبيع الإماراتي الرسمي مع «إسرائيل» في بداية آب /أغسطس الماضي، تساؤلات حول مواقف الجامعة العربية من القضية الفلسطينية بتفاصيلها المختلفة ؛ وفي مقدمتها قضية القدس.
استكمال احتلال القدس
مرّ على احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس ثلاثة وخمسون عاماً (1967-2020).
وقد استطاعت إسرائيل خلالها الإطباق بشكل كبير على كافة مناحي الحياة في المدينة.
لقد التهم النشاط الاستيطاني الصهيوني القسم الأكبر من أراضي القدس كما تمّ بناء طوقين من المستوطنات حول مدينة القدس تضم 26 مستوطنة يتركز فيها نحو (190) ألفا من المستوطنين اليهود المتشددين.
وفي السياق نفسه استصدرت السلطات الإسرائيلية خلال الفترة الماضية من احتلال القدس قوانين عدة تخدم التوجهات الإسرائيلية لتهويد المدينة، ومن أخطر تلك القوانين قانون أملاك الغائبين الذي يتيح السيطرة الإسرائيلية المباشرة على أملاك المقدسيين الذين طردوا من القدس تحت وطأة المجازر، ولم يكن قانون تهويد التعليم في المدينة قبل عدة سنوات أقل خطورة على المقدسيين.
في مقابل ذلك لم يرق خطاب الجامعة العربية على مدار سنوات الاحتلال الماضية إلى أفعال من شأنها تعزيز صمود المقدسيين في مواجهة مخططات تهويد مدينتهم.
عقدت الجامعة العربية خلال الفترة ( 1964-1966 ) ثلاث قمم عربية، عقدت القمة العربية الأولى في القاهرة في يناير /كانون الثاني 1964 والثانية في الإسكندرية في سبتمبر /أيلول من العام نفسه، أما القمة الثالثة فقد عقدت في الدار البيضاء في سبتمبر/أيلول 1966 على مستوى مجلس الجامعة العربية، وجاء ذلك الاجتماع في أعقاب الاحتفالات الكبرى التي أقامتها إسرائيل بمناسبة افتتاح الكنيست في القدس.
وحضر الاحتفال آلاف المدعوين من وزراء وبرلمانيين، يمثلون واحدة وأربعين دولة من مختلف أنحاء العالم، جاؤوا ليسمعوا وزراء إسرائيل وهم يجددون العهد أن مدينة القدس هي عاصمة إسرائيل الخالدة.
وقال أحمد الشقيري رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك « أن موضوع القدس حاز على اهتمام المجتمعين العرب في عام 1966 إذ أعطوه عنواناً منيراً وهو (محاولة إسرائيل تهويد مدينة القدس)».
وقد اشترك جميع وزراء الخارجية العرب المجتمعين آنذاك، في صياغة قرار عن القدس، فأعلنوا في قرارهم: أن الأمة العربية إذ ترفض التسليم بالأمر الواقع المتمثل في قيام إسرائيل في فلسطين المحتلة، نؤكد أن مدينة القدس الجديدة المحتلة عام 1948 جزء لا يتجزأ من بيت المقدس، وأن الوجود الإسرائيلي في القدس المحتلة يمثل تحدياً جدياً للحق العربي في فلسطين».
وعارض احمد الشقيري الرئيس الأسبق لمنظمة التحرير الفلسطينية القرار المذكور آنذاك لأنه مجرد قرار إنشائي جميل، مثل باقي القرارات الصادرة عن الجامعة العربية.
الخطاب الأجوف
بعد احتلال الضفة والقطاع عام 1967 وخضوع الجزء الشرقي من المدينة المقدسة والذي يحتوي الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية تحت سيطرة السلطات الإسرائيلية بدأ الخطاب السياسي للجامعة العربية، يؤكد على ضرورة إزالة آثار التوسع والعدوان بما في ذلك القدس الشرقية، وبدأ بذلك عهد جديد من الصراع على المدينة المقدسة بين العرب وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، ورغم تضمين القرارات الصادرة عن الجامعة العربية ( 1967- 1973 ) بنودا هامة حول القدس، إلا أن هناك تراجعاً واضحاً عن شعار التحرير إلى شعار إزالة آثار العدوان. ويذكر الشقيري معلقاً، ومقيماً اجتماعات القمة في الفترة المذكورة: «لا أعلم أننا استطعنا مرة واحدة، أن نعقد جلسة واحدة في موعدها وتمضي الساعة والساعتان، ونحن في انتظار هذا السفير الذي كان مشغولاً بمكالمة هاتفية مع عاصمة بلاده، وذاك السفير لأن إعداد الحقيبة الدبلوماسية استنفد وقته، وذلك السفير لأن عجلة السيارة فرقعت، وتفرقعت معها الاجتماعات، وكم مرة تمنيت أن يكون تقرير الأمين العام للجامعة العربية متضمناً اقتراحات معينة، أو دراسات معدة، كما يفعل الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن شيئا من ذلك لم يقع، والدول العربية لا تعطي لأمينها العام في القاهرة ما تعطيه لأمينها العام في نيويورك».
وتميزت الفترة التي تلت عام 1973 ببرود سياسي عربي سواء في الجامعة العربية أو كل دولة عربية على حدة، وتمّ التأكيد في الخطاب العربي الرسمي على إمكانية تحقيق السلام، في مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها الجزء الشرقي من المدينة، و بطلان كافة الإجراءات الإسرائيلية في الجزء المذكور.
وتكررت البنود الخاصة في القدس خلال مؤتمرات القمم العربية خلال الفترة بين الأعوام ( 1973 -2020 ) في إطار البيانات الختامية، وأصبحت بمثابة جزء من خطاب روتيني من دون جدوى، ومن دون دعم مادي ومعنوي يرقى إلى حجم التحديات التي يواجهها المقدسيون لمواجهة هجمة التهويد المنظمة التي تجتاح المدينة من جهاتها الأربع، حيث لا يمر يوم دون إعلان حكومة نتنياهو عن نشاط استيطاني في مدينة القدس. الأمر الذي يتطلب من القمة العربية في الأردن تبني مشاريع وسياسات من شأنها تثبيت وصمود المقدسيين للحفاظ على ما تبقى من أراضي القدس وعقاراتها ومحالها التجارية.
وهنا يبرز مشروع الدرهم والدينار العربي، من خلال صندوق عربي جامع حكومي وشعبي للحفاظ على الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس، بكونه مقدمة لعدة مشاريع عربية من شأنها تمكين العرب المقدسيين من الصمود في مواجهة عاصفة التهويد التي تجتاح مدينتهم على كافة المستويات.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا