نواكشوط -«القدس العربي»: أعلن في موريتانيا أمس عن إطلاق برنامج اقتصادي متكامل بتمويل ذاتي يربو غلافه الإجمالي على مئتين وأربعين مليار أوقية قديمة، موجه لمعالجة الآثار السلبية لتحديات وإكراهات ما بعد الكوفيد 19.
وأكد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في خطاب وجهه أمس وأعلن فيه عن هذا الخطة، أن “هذه البرنامج سينفذ بالتوازي مع ما يجري تنفيذه حالياً من مشاريع على صعد مختلفة”، مؤكداً “أن الأمر يتعلق ببرنامج جديد مستقل عن البرامج السابقة”.
وقال: “إن البرنامج المقترح الذي يتم تنفيذه على مدى ثلاثين شهراً، يهدف إلى إحراز الشروط الضرورية لانتعاش اقتصادي جديد وفق مقاربة تشاركية شاملة تمنح القطاع الخاص دوراً اقتصادياً فاعلاً، وتعمل على خلق مزيد من فرص العمل، وعلى الاستغلال الأمثل لمواردنا الطبيعية في مجالات الزراعة والتنمية الحيوانية والصيد”.
وأكد الرئيس الغزواني “أن هذا البرنامج سيمكن من جعل المنظومة الاقتصادية الموريتانية منسجمة مع الرؤية التي تؤسس سياساتها العامة ومع استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك، ومن جعله كذلك أكثر شمولية واحتراماً للبيئة بحكم تركيزه على تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة المحددة في أجندة 2030”.
“كما سيتيح تنفيذ هذا البرنامج، يضيف الرئيس الغزواني، فرصة لتحقيق تحول هيكلي عميق، في منظومة موريتانيا الاقتصادية، يتم تدريجياً، من خلال تكثيف الاستثمار العمومي، خاصة في القطاعات الإنتاجية ذات الأولوية، وعبر إنشاء صندوق استراتيجي للاستثمار والعمل على دمج جل الأنشطة الاقتصادية في دائرة التصنيف وتبسيط الإجراءات الإدارية وتحسين مناخ الأعمال ووضع القواعد المؤسسية لحكامة قوية وفعالة”.
وأكد الرئيس الغزواني “أن البرنامج يتمفصل حول محاور أساسية أبرزها، تعزيز البنى التحتية الداعمة للنمو، وتعزيز قدرات القطاعات الاجتماعية ودعم الطلب، وترقية ودعم القطاعات الإنتاجية لتحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي، ودعم القطاع الخاص المصنف وغير المصنف، ومكافحة التصحر والجفاف، ودعم فرص التشغيل”.
وقال “إن تنفيذ هذا البرنامج الاقتصادي يستوجب منا جميعاً منح بالغ العناية لجودة تنفيذ مختلف مكوناته، ولهذا الغرض ستضع الحكومة آليات التقييم والمتابعة الكفيلة بإنجازه على أكمل وجه، مع التقيد الصارم بقواعد الشفافية والمحاسبة والمساءلة”، مضيفاً “أن الحكامة الرشيدة شرط ضروري في تنفيذ المشاريع التنموية، على نحو يضمن تحقيق الأهداف المرسومة لها، ولذا وجهنا الحكومة من خلال رسالتنا التكليفية إلى الوزير الأول بضرورة ترسيخها عن طريق ضمان السيادة المطلقة للقانون والحرص على الشفافية في تسيير الموارد العمومية مع الصرامة في التعامل مع كل أشكال الفساد إدارياً كان أم مالياً”.
وأوضح “أن نجاح البرامج التنموية الكبرى لا يتوقف فقط على أداء الجهات والهيئات الرسمية المسؤولة عن التنفيذ الميداني، بل يتطلب كذلك مواكبة من المواطن بحكم كونه الغاية الأولى لهذه البرامج. ولذا، فإن على كافة القوى الحية من أحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية ووسائل إعلام أن تلعب دورها كاملاً في الرقابة والمتابعة والتقييم، إسهاماً منها في إرساء القواعد المؤسسية لحكامة قوية وفعالة”.
وامتدح الرئيس الغزواني، في خطابه، ما أنجزه نظامه في السنة الماضية من مأموريته، مؤكداً “أن حكومته بذلت خلال الفترة المنصرمة جهوداً كبيرة في سبيل تجسيد مضامين وأهداف سياسته العامة في مختلف أبعادها ومستوياتها، وهو ما يتضح، حسب قوله، من حجم ما يجري تنفيذه من مشاريع وبرامج تهدف إلى مكافحة مختلف أشكال الغبن والهشاشة، وتأمين ولوج الجميع إلى الخدمات الأساسية، ودعم المنظومة الصحية والتعليمية، وكذلك من خلال ما تم إنجازه على مستوى ترسيخ الوحدة الوطنية وتدعيم اللحمة الاجتماعية، وتهدئة الحياة السياسية، وبناء دولة القانون والحريات، وإرساء قواعد الحكامة الرشيدة”.
وقال: “لا يزال العمل على إنجاز مختلف هذه البرامج يجري بوتيرة مقبولة، غير أن انتشار جائحة الكوفيد- 19 في أوائل السنة الجارية وما نشأ عنه من أضرار جسيمة على كافة المستويات، محلياً وعالمياً، أفرز واقعاً اقتصادياً واجتماعياً جديداً بالغ الخطورة والتعقيد، حيث كانت لهذه الجائحة انعكاسات سلبية عميقة على الوضع العام لاقتصادنا الوطني، بما سببته من تراجع في الناتج الداخلي الخام وكذلك بما ترتب عليها من تقلص المداخيل الضريبية وتعاظم النفقات، وهو ما ساهم في زيادة عجز الميزانية”.
وأكد الرئيس الغزواني “أن الجائحة كشفت عن ضعف هيكلي حاد في المنظومة الاقتصادية الموريتانية، كما أبانت الحاجة الماسة إلى تعزيز دور الدولة في تنظيم الاقتصاد وتوجيه الاستثمار وتنمية القطاعات الإنتاجية والعمل على تحقيق أعلى مستوي ممكن من الاكتفاء الغذائي الذاتي”.