نواكشوط – «القدس العربي»: لن يجد رئيس الوزراء الموريتاني محمد ولد بلال، مشكلة في إجازة غالبية النواب لبرنامج حكومته الذي عرضه الجمعة على جلسة علنية للبرلمان، وإن كان نواب التجمع الوطني (الإسلاميون) واقفين له بالمرصاد بعد أن أنهوا هدنة منحتها المعارضة الموريتانية للرئيس الغزواني فرحاً بخلافته للرئيس السابق الذي كان على خلاف عميق مع أحزابها.
وفي الجانب الخاص بالسياسة الخارجية، أكد ولد بلال “أن حكومته ستعمل لتطوير دبلوماسية فاعلة ومتوازنة تستثمر موقعنا الجيوستراتيجي لصالح التقارب والحوار بين الدول على أساس مبدأ عدم التدخل والاحترام المتبادل”.
وأوضح “أن الحكومة ستعمل من أجل النهوض بدور موريتانيا الأساسي في البحث عن السلام والاستقرار في المنطقة والعالم”، مبرزاً “أن خارطة طريق الرئاسة الموريتانية لمجموعة دول الساحل الخمس التي تركز على التنمية، تعتبر دليلاً قاطعاً على الريادة التي تتبوأها موريتانيا في المنطقة، وعلى نجاعة الرؤية الموريتانية في مواجهة ظاهرة التطرف العنيف”.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكد رئيس الوزراء الموريتاني “أن موريتانيا بوصفها عضواً في لجنة القدس، حريصة على أن تكون كلمتها مسموعة على الساحة الدولية، لتقدم مساهمتها في عملية السلام في الشرق الأوسط، والتي يجب أن تفضي حتماً إلى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف”.
وأكد رئيس الوزراء “أن برنامج حكومته يقوم على بناء مشروع مجتمع تتعزز فيه القواعد الراسخة لبناء دولة حديثة تحتل المكانة اللائقة بها بين الأمم، مع الاحتفاظ للمجتمع الموريتاني بفيض روحاني متجذر في منظومة قيمنا الإسلامية، باعتبارها الأساسَ المكين لوحدة موريتانيا ولُحمتها الاجتماعية”.
وقال: “نسعى لبناء مشروع دولة تعتبر فيها العدالة والمساواة والإخاء والمواطنة مرتكزات وقيماً تأسيسية لا مجرد مفاهيم نظرية، دولة يكون فيها التعليم، والصحة، والنفاذ إلى الخدمات الأساسية، والابتكار، والاستثمار في المعرفة، أدوات لتغيير مصير الأفراد والجماعات”.
وأضاف “أنه لا يمكن لبرنامج الإصلاحات المزمعة أن يؤتي أكله ما لم يرتكز على سياسة اقتصادية قادرة على تنشيط قطاعات الصناعة، والكهرباء، والصناعات الزراعية، والبناء والأشغال العامة، والسياحة، والخدمات وعلى تنمية التقنيات الجديدة وترقيتها، وكلها شعب ومجالات تتوفر فيها بلادنا على مقدرات كبيرة وأسواق واعدة”.
وأوضح ولد بلال، الذي يرأس الحكومة المعينة قبل شهر من الآن، “أن البرنامج الذي ستعمل الحكومة جاهدة على جعله يندرج تحت أربعة محاور هي “إقامة دولة قوية وعصرية في خدمة المواطن، ومجتمع معتز بتنوعه ومتصالح مع ذاته، واقتصاد مَرِن، صامد وصاعد؛ مع تثمين لرأس المال البشري لتحقيق التنمية المنسجمة”.
وتحدث عن تنفيذ هذا البرنامج فأكد: “لأنه سينفذ وفقاً لمنهجية صارمة تكرس مبادئ الحكامة الرشيدة، وتقوم على الشفافية التامة والتقيد بالقوانين والنظم الضابطة للشأن العام، مع تقوية روح الفريق والتضامن الحكومي، وإرساء الاستباقية والشمول في معالجة الملفات، وتفويض المسؤوليات وتكريس المساءلة؛ والتنسيق المحكم والتنظيم الجيد لأساليب العمل”.
وقال “إن السياق الراهن الذي يتميز بجائحة كوفيد 19، وإعداد خطة الانتعاش ما بعد الأزمة الصحية وافتتاح السنة الدراسية ومتابعة فصل الخريف وتكفل القضاء بنتائج تحقيق اللجنة البرلمانية حول بعض الملفات التي يفترض أنها شابتها شبه فساد، كل ذلك يقتضي من الحكومة في آن واحد معالجة مناسبة وعناية موصولة”.
وأضاف ولد بلال قائلاً: “يجب، من الآن فصاعداً، إعطاء الأولوية فضلاً عن حماية مواطنينا للإعداد الجيد لخطة الانتعاش الاقتصادي ما بعد الجائحة، مع الاستمرار في تعزيز إجراءات تخفيف آثارها على المواطنين والفاعلين الاقتصاديين”.
وقال: “بخصوص ملف تحقيق اللجنة البرلمانية، فإنني أحرص على أن أوضح من على منبر ممثلي الشعب أن الحكومة تتعهد بالاحترام التام لمبدأ الفصل بين السلطات طبقا للدستور، وبالتالي فإنها تمتنع عن التدخل، بأي شكل من الأشكال، في إجراءات القضاء المتعلقة بالملف المذكور، مع الالتزام، كما هو واجبها، بتطبيق ما قد يصدره القضاء من أحكام وقرارات بهذا الصدد أياً كانت‘ فبهذا الثمن وحده يمكن لبلادنا أن تتصف بصفة دولة القانون التي بدونها لا يمكن إنجاز أي شيء مستدام وقابل للبقاء على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي”.
“أما عن توصيات لجنة التحقيق البرلمانية المتعلقة بإصلاح الحكامة العمومية، يضيف ولد بلال، فيمكنني أن أؤكد لجمعيتكم الموقرة الآن، باهتمام كبير وقوة، إرادة وعزم الحكومة على أخذها بعين الاعتبار، سبيلاً لإضفاء مزيد من الشفافية على تسيير الشأن العام”.
وتضمن برنامج الحكومة الموريتانية الذي يناقشه البرلمان حالياً حديثاً مطولاً عن ترسيخ هوية موريتانيا الإسلامية الوطنية، عبر تكثيف الجهود الهادفة إلى العناية بتحفيظ القرآن الكريم وبثه في البلاد وخارجها، وتنظيم العديد من الندوات والمؤتمرات الفكرية الوطنية الدولية، وتعزيز إذاعة القرآن الكريم وقناة المحظرة، لنشر قيم الإسلام الفاضلة، إسهاماً في تفكيك خطابات التطرف والغلو الغريبة على مجتمعنا وعلى رسالة الإسلام السمحة، والعمل على تحسين ظروف ممارسة العبادات عن طريق تشييد المساجد وإعادة تأهيلها والتكفل بمزيد من الأئمة والمؤذنين؛ وإيجاد حلول مستدامة لتحسين تنظيم الحج.
وقال: “لقد كان لجائحة كوفيد 19 في موريتانيا، كما في جميع أنحاء العالم، انعكاسات سلبية على حيوية الاقتصاد الوطني، حيث يتوقع أن ينخفض نمو الناتج الداخلي الخام بنسبة 3,2% بدلا من أن يرتفع بنسبة 6,3% كما كان متوقعاً قبل الجائحة، في حين يتوقع أن يرتفع التضخم بنسبة 3,9%، كما تدهور رصيد الميزانية، فانخفض من 0,3% إلى – 5% من الناتج الداخلي الخام، وذلك نتيجة لارتفاع النفقات لتمويل إجراءات التصدي الصحي والاقتصادي والاجتماعي للأزمة الصحية، من جهة، ولانخفاض الإيرادات جراء تباطؤ النشاطات الاقتصادية والإعفاءات الضريبية التي أملتها، من جهة أخرى”.
“ولمواجهة هذه الجائحة، يضف ولد بلال، نفذت الحكومة خطة وطنية متعددة القطاعات بتمويل بلغ 13 مليار أوقية مكنت، إلى حد كبير، من تخفيف انعكاساتها على المواطنين والفاعلين الاقتصاديين مع المساهمة في تهيئة الظروف للانتعاش الاقتصادي”.
وقال: “إن هذه الخطة ستسفر عن خلق ما يناهز 52.000 فرصة عمل وربح العديد من نقاط النمو طوال الثلاثين شهراً التي سيستغرقها تنفيذها، محققة الانتقال من -3,2% في 2020 إلى +4,2 نهاية 2022”.
وستستمر توجهات السياسة الاقتصادية في إعطاء دور محوري للقطاع الخاص باعتباره محركاً للنمو وخالقاً للثروات وفرص العمل. ولهذا الغرض، سيتم تعميق أطر التشاور والشراكة بين القطاعين العام والخاص مع تسهيل نفاذ المقاولين الخواص إلى التمويل وتشجيع المقاولة وتحسين مناخ الأعمال.