كورونا والاقتصاد.. “ضربة مزدوجة” لعودة المدارس في لبنان

حجم الخط
0

بيروت- حسن درويش:

بين مطرقة كورونا وسندان أزمة اقتصادية طاحنة، تتداعى الصعوبات التي ينتظرها العام الدراسي الجديد 2020-2021 في لبنان.

فبالإضافة إلى أزمة كورونا التي تعيشها معظم دول العالم وما تستدعيه عودة المدارس من تدابير مشددة، يعيش لبنان أزمة اقتصادية خانقة أدّت إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع وبالتالي أسعار الكتب والمستلزمات المدرسية.

ويعاني لبنان منذ أشهر من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، وتهاوى سعر صرف الليرة إلى 9 آلاف مقابل الدولار الواحد في السوق غير الرسمية، مقابل 1507.5 ليرة لدى مصرف لبنان.

أسبوعان للتقييم
والأسبوع الماضي، أعلن وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال طارق مجذوب، بدء العام الدراسي الجديد بشكلٍ تدريجي في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري.

وبعد اجتماعٍ افتراضي جمعه مع ممثلي الجهات المانحة والمنظمات الدولية، قال مجذوب في مؤتمر صحفي ببيروت: “قررنا بدء العام الدراسي ابتداء من الأسبوع الأخير من أيلول تماشيا مع توصيات اللجنة الوطنية لمتابعة كورونا”.

وأضاف: “سيتم تقييم الأوضاع الصحية بعد ثلاثة أسابيع من اليوم وبناء على هذا التقييم نتابع التعليم المدمج (مختلط بين مقاعد الدراسة والتعليم عن بعد)، وفي حال كانت النتائج أسوأ، لا سمح الله، فإننا سوف نعتمد التعليم عن بعد بصورة كاملة”.

ودخل لبنان الأسبوع الماضي مرحلة إغلاق تام لمدة أسبوعين، في إطار تدابير مواجهة كورونا، بعد الارتفاع الكبير بأعداد المصابين بالفيروس.

ووصل العدد التراكمي الإجمالي للإصابات بفيروس كورونا في لبنان إلى حدود 15 ألف إصابة بين مقيمين ووافدين، مع تسجيل 146 حالة وفاة بالفيروس نفسه.

الاتجاه العام للإصابات الطبيبة المتخصصة في الأمراض الجرثومية والمعدية غنوة الدقدوقي، تستبعد أن تشهد المدارس حضور للطلاب في حال استمرت أعداد كورونا في نفس الوتيرة.

وترى الدقدوقي أنه “يوجد تخبّط في تطبيق التعبئة العامة في البلاد”، إذ تستمر أرقام كورونا في الازدياد رغم الإغلاق التام وهناك “عدم سيطرة على ازدياد الأعداد، لذلك فالطريقة المثالية للتعليم هذا العام هو عن بعد”.

لكن المشكلة، بحسب الدقدوقي، تكمن في عدم توفّر الإمكانات اللوجستية للتعلّم عن بُعد في لبنان كالإنترنت والكهرباء وأجهزة الكومبيوتر عند جميع الطلاب.

لذلك تدعو الدقدوقي وزارة التربية، إلى دعم الطلاب من خلال تأمين الانترنت والكهرباء لهم بطريقةٍ ما لتأمين سير العام الدراسي.

وفي هذا السياق، طالب وزير التربية في تصريحٍ صحفي خلال تفقده المدارس المتضررة من انفجار مرفأ بيروت مؤخرا، الدول المانحة بالمساعدة على تأمين مستلزمات التعلم عن بعد لجميع الطلاب.

فيما أشارت المديرة العامة لمُنظمة الأُمَم المُتحِدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” أودري أزولاي التي كانت ترافق مجذوب في الجولة نفسها، إلى عزم المنظمة دعم التعلم عن بعد.

وقالت: “سنعمل على إيصال التجهيزات التي تساعد التلامذة على القيام بذلك، كما ستكون لنا مبادرة نحو التلامذة غير القادرين على متابعة التعليم من أجل تأمين حقهم بالدراسة”.

التعليم المدمج

ومن قلب الميدان، ترى المعلمة هدى خليفة موسى، منسقة اللغة العربية في أحد المدارس الخاصة في بيروت، أن هناك صعوبة كبيرة في تطبيق التعليم المدمج.
وتلفت هدى أن المدارس غير مؤهلة بأكملها لهذا النوع من التعليم سواء كانت رسمية أو خاصة.

وتفترض هدى أن عائلة من 3 أطفال، تحتاج إلى ثلاثة أجهزة كمبيوتر للتعلّم عن بعد، وهذا ما قد يكون خارج قدرة جميع العائلات اللبنانية على تأمينه خاصةً في هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وترى أن لانفجار مرفأ بيروت أثر كبير على القطاع التعليمي، فالعديد من الطلاب وحتى الأساتذة فقدت بيتها بسبب الانفجار، كما تعرّض عدد من المدارس إلى أضرارٍ جسيمة.

وفي 4 أغسطس/ آب الماضي، قضت العاصمة اللبنانية ليلة دامية، جراء انفجار ضخم في مرفأ بيروت، خلف أكثر من 180 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح، ومئات المفقودين، وفقا لأرقام رسمية غير نهائية.

وقال وزير التربية، في تصريحٍ صحفي في وقت سابق، إن 92 مدرسة رسمية و67 مدرسة خاصة تضررت من التفجير، كما تضررت خمسة مجمعات تابعة للتعليم المهني والتقني الرسمي تضم نحو 20 معهدا ومدرسة فنية.

تداعيات كورونا على التعليم

ووفق المعلمة هدى، فإن لأزمة كورونا تداعيات طويلة الأمد على القطاع التربوي، وهي من شقين، منها تداعيات على قيمة التعليم ومنها نفسي.

فمن حيث قيمة التعليم، ترى هدى أنّ الطلاب على الأقل يحتاجون سنتين من بعد الانتهاء من أزمة كورونا للدخول مجدداً بشكلٍ صحيح في صميم المنهج التربوي.

وتقول: “عملية تأهيلهم للتعليم الطبيعي مجدداً تحتاج إلى سنتين على الأقل إذا كنّا متفائلين”.
من حيث التأثير النفسي، ترى هدى أن هواجس كورونا سترافق المدارس إلى سنوات طويلة.

وتضيف: “التباعد الاجتماعي، والتعقيم وغيرها من الإجراءات لن نتخلى عنها بسهولة”.
وتلفت إلى أن هذا التأثير النفسي سيلحق تأثيراً سلبياً على الطلاب، وبالتالي سيؤثر سلبياً على مستوى تعلمهم.

أسعار الكتب والقرطاسية

وبالإضافة إلى مشكلة نوع التعليم الذي ينتظر لبنان، سيواجه الأهالي مشكلة ارتفاع أسعار الكتب والقرطاسية بسبب هبوط العملة مقابل الدولار.

في هذا الإطار يقول الوزير مجذوب إن هناك تنسيق مع وزارة الصناعة من أجل تخفيض أسعار القرطاسية.

وينصح مجذوب، في حديثٍ تلفزيوني، التجّار في لبنان بتخفيض الأسعار من أجل تحقيق البيع مع العلم أنه لا سلطة للوزارة عليهم تجبرهم بأسعار معيّنة.

لكن وزارة التربية أصدرت في بداية شهر تموز/ يوليو 2020، تعميم طلبت فيه من المدارس الخاصة أن لا تغيّر طبعات كتبها لهذا العام وبالتالي يمكن للطلاب استخدام كتب مستعملة ذات ثمن أقل من الكتب الجديدة.

يقول صاحب أحد المكتبات الخاصة في بيروت، إنه لا لائحة نهائية بأسعار الكتب لهذا العام بسبب الهبوط الكبير للعملة مقابل الدولار الأمريكي.

ويضيف أن الكتب ستشهد ارتفاع في أسعارها وخاصةً تلك التي تُعتمد في المدارس الخاصة.
لكن صاحب هذه المكتبة (الذي فضل عدم الكشف عن اسمه)، لفت إلى أنّ سيصار إلى تنسيق الأمور بين دور النشر ووزارة الاقتصاد لضبط الأسعار بشكلٍ ملحوظ.

من جهتها ترى أميرة أبو مرعي (أم لثلاثة أطفال، 37 عاما)، أن أزمة ارتفاع أسعار الكتب قد يمنعها من تسجيل أولادها الثلاثة في المدارس الخاصة هذا العام، وتفضّل تسجيله في القطاع الرسمي لانخفاض تكلفة التسجيل وأسعار الكتب.

وتلفت أبو مرعي أنه بسبب أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية يصعب على الأهالي الآن أخذ القرار المتعلّق بإرسال أولادهم إلى المدارس.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية