لندن- “القدس العربي”:
قالت إيرينا سلاف في مقال نشره موقع “أويل برايس” إن خطط تنويع الاقتصاد السعودي تحولت لأسمال بالية. وتساءلت: “هل ماتت الخطة السعودية الطموحة، رؤية 2030؟”.
وأشارت سلاف في البداية إلى أن حجم المشاريع التي طرحت والأموال المخصصة لها تجعلها أكبر خطة تنويع في العالم، فهي تشمل بناء مدينة ذكية بـ500 مليار دولار، و200 مليار لمشروع للطاقة الشمسية، ومليارات الدولارات في مجال صناعة البتروكيماويات، وهي كلها وجه “رؤية 2030″، وتساءلت الكاتبة إن كانت السعودية قادرة على تجميع القطع المتناثرة للخطة وتحقيق عملية التحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع، أم أن الخطط غرقت بالمياه وستظل الموارد السعودية مرتبطة وللأبد بالنفط؟
وأشارت سلاف إلى ما أعلنته شركة أرامكو عن وقف استثمارات بعدة مليارات في مشروع “سيمبرا إنيرجي بورت آرثر” لإنشاء خط للغاز المسال. وقالت إنها ستؤجل استثمار 20 مليار في مشروع للتكرير والبتروكيماويات في ميناء ينبع. والسبب وراء كل هذه القرارات هو توفير المال.
وفي بداية هذا العام نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر في الحكومة السعودية قولها إنها لن تواصل مشروع الطاقة الشمسية بكلفة 200 مليار دولار بالتعاون مع “سوفت بانك”. وقالت المصادر: “لا أحد يعمل على المشروع وأن الحكومة تناقش مشاريع بديلة والاستثمار في مشاريع صغيرة للطاقة الشمسية. لكن مشروع المدينة الذكية لا يزال على الطاولة”.
وقالت وزارة النفط السعودية إنها ستدعم مشروع نيوم وتتأكد من اكتماله. وتعتبر “نيوم” هي أهم مشروع في رؤية 2030 والتي تهدف لتخفيف اعتماد السعودية على النفط. والمفارقة هي أن خطط التنويع تعتمد على موارد النفط لكي يتم إنجازها. ولأن الموارد هذه قلّت بسبب فيروس كورونا وانخفاض الطلب العالمي على النفط، باتت هذه المشاريع مهددة.
وعلقت سلاف أن الشكوك حول قدرة السعودية على إكمال هذه المشاريع كانت قائمة لأنها مكلفة جدا حتى للصندوق السيادي أو هيئة الاستثمار العام. وبالطبع لم يفترض أحد أن السعودية ستمول كل هذه المبادرات الكبرى بنفسها، ولكنها تعتمد على الموارد النفطية من أرامكو وعلى الطرح العام لجزء من أسهم الشركة العملاقة.
وتم بالفعل طرح الشركة للاكتتاب العام في 2019، وكانت جيدة في البداية حيث أصبحت أعلى شركة قيمة في العالم، إلا أن انهيار أسعار النفط أدى لانهيار حصة أرامكو من الأسعار. ولم يكن هذا مقتصرا عليها؛ لأن معظم أسهم النفط انهارت في الربيع، ولكن ما هو استثنائي اعتماد كل عملية التنويع على أرامكو بشكل تام وكامل.
وعلى الشركة توزيع أرباح ضخمة لكن السيولة النقدية ضيقة. وتم تأجيل مشاريع أخرى لا علاقة لها بخطط التنويع السعودية. وهي مشاريع تتعلق بالتوسع العالمي لأرامكو. وتقوم الشركة بمراجعة خطة بقيمة 6.6 مليار دولار لإنتاج البتروكيماويات لمحطة التكرير موتيفا في الولايات المتحدة، حسبما أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” وذلك نقلا عن مصدر مطلع على وضع الشركة.
وستجمد الشركة لعام آخر خططها لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى 13 مليون برميل في اليوم. ولا يبعث القرار على الاستغراب في ظل حالة العرض والطلب العالمي ومنظور الطلب. ولكنها مع ذلك تعطي صورة عن أرامكو والرياض بأنها خطوة للوراء عن طموحات التنويع. وهو تطور مهم لأن المراقبين عبروا عن قلقهم قبل أعوام من أن زيادة أسعار النفط قد تثبط من عزيمة المملكة لمتابعة خطط التنويع التي طرحتها رؤية 2030 بسبب الشعور بالرضا وللتاريخ السابق الذي كان يدفع المملكة للتفكير بخطط التنويع وقت أزمات النفط، لتضعها على الرف مع تعافي سعر النفط.
وفي عام 2017 قالت مؤسسة فيتش ريتينغز التي تعتبر ريادية في التصنيف الائتماني: “عندما تبدأ الدول ببرامج إصلاح وقت انخفاض أسعار النفط، يخفت حماسها عندما ترتفع أسعاره، وهذا خطر ممكن هنا، ويحتاج مواصلة الكثير من هذه المبادرات وقت أسعار النفط المرتفعة انضباطا”، لكن التهديد الحقيقي لخطط التنويع الضخمة جاء بالعكس، وهو غياب التمويل الذي تسبب به انخفاض أسعار النفط.
وربما لم يتراجع حماس السعودية عندما كانت أسعار النفط مرتفعة. فقد ظلت الأخبار تتدفق حول مشاريع بمليارات الدولارات في وقت كانت المملكة تبحث عن أسواق جديدة لبضائعها النفطية.
ثم حدث انهيار ثان لأسعار النفط في مدى خمسة أعوام. وسجلت السعودية في الربع الثاني من هذا العام عجزا بـ29 مليار دولار. وانخفض الناتج القومي العام كما هو الحال في دول الخليج الأخرى التي تعتمد على النفط. وعادت إجراءات التقشف، ومعها انخفضت النفقات، وعلى أرامكو دفع 75 مليار دولار كأرباح وعدت بها في كانون الأول/ ديسمبر 2019، عندما طرحت 5% من أسهمها للاكتتاب العام.
وعلى الشركة الاحتفاظ بهذه الدفعات السنوية خلال السنوات الخمس القادمة. وهي لا تستطيع قطع هذه الأرباح مثل الشركات النفطية الدولية؛ لأن غالبية المساهمين فيها هي الحكومة السعودية وأرامكو مصدر الدخل الرئيسي. ومع كل هذه الضغوط هل لا تزال رؤية 2030 في الأفق؟
الجواب هي باقية ولكنها قد تظل كالسراب. فمع أن مناخ الأسعار المنخفضة هو الأنسب للتنويع، إلا أن هذه الجهود السعودية مكلفة بشكل لا يصدق بسبب الحجم والمشروع. وربما بحثت الحكومة السعودية عن مرونة واستبدلت هذه المشاريع الكبيرة بصغيرة كما فعلت مع مشروع الطاقة الشمسية”.
وربما كان هذا هو الطريق المنطقي بعد قبول أن الاقتصاد لا يتغير بين عشية وضحاها حتى لو كنت تملك مليارات من الدولارات لإنفاقها. فالتنويع الاقتصادي لا يحتاج إلى المال ولكن إلى الوقت وخطط واقعية. وعلى أمل أن يكون وباء كورونا قد لقّن أكبر منتج للنفط في العالم درسا حول الأحداث غير المتوقعة وأثرها على خطط التنويع.
يَارَب إنك تمهل و لا تهمل !