لندن – “القدس العربي”: نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية تقريرا أعدته مراسلتها حنا لوسيندا سميث قالت فيه إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصمم على استغلال التوتر في منطقة شرق الأوسط ويركز جهوده الآن على جزيرة قبرص. وقالت إن دولا قليلة احتفلت بذكرى استقلال قبرص مثلما فعلت روسيا.
روسيا مستعدة “لتعزيز الحوار، البراغماتي القائم على المصالح المشتركة في أزمة شرق المتوسط والبحث عن قرارات منصفة وقائمة على القانون الدولي”.
فقد وصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذا الأسبوع إلى الجزيرة في زيارة رسمية للاحتفال بستة عقود على العلاقات بين البلدين منذ حصولها على الاستقلال عام 1960. ووقع سلسلة من المعاهدات المتعلقة بالضريبة إلا أن أهم ما برز في الزيارة هي عرضه للتوسط بين قبرص وتركيا في النزاع المتزايد حول حقوق الغاز في شرق المتوسط. وقال إن روسيا مستعدة “لتعزيز الحوار، البراغماتي القائم على المصالح المشتركة والبحث عن قرارات منصفة وقائمة على القانون الدولي”. وبعد المؤتمر الصحافي الذي أكد فيه لافروف على “القرابة الثقافية والحضارية بين بلدينا”، منحه الرئيس القبرصي اناستسيادس وسام مكاريوس الثالث الذي يعد أعلى وسام في الدولة. ولم يكن التكريم ليعجب واشنطن، فقبل أسبوع اتصل وزير الخارجية مايك بومبيو بالرئيس القبرصي ليخبره أن الولايات المتحدة قررت رفع حظر تصدير السلاح المفروض منذ 33 عاما على قبرص، وهو تحرك كان يهدف للحد من التأثير الروسي المتزايد في الجزيرة. وتعلق الصحيفة أن عرض لافروف القيام بدور الوساطة المماثل لدور المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في النزاع التركي- اليوناني يعني أن طرد روسيا من قبرص لن يكون سهلا.
وأقام الاتحاد السوفييتي السابق علاقات دبلوماسية مع قبرص مباشرة بعد حصولها على الاستقلال. ووصل أول سفير سوفييتي إلى نيقوسيا بعد أربعة أشهر من إعلان الاستقلال. وأعطت الحرب الأهلية في سوريا المندلعة منذ عقد سببا لبوتين الفرصة كي يتوسع في المنطقة. ولا تبعد سوريا عن الجزيرة سوى 280 ميلا وأقامت موسكو قاعدة بحرية لها في ميناء طرطوس منذ الحرب الباردة، فيما منح دعم بوتين لنظام بشار الأسد الفرصة لإقامة قاعدة جوية قريبة من طرطوس. ووقعت روسيا في عام 2015 اتفاقيات مع قبرص فتحت القواعد الجوية والموانئ القبرصية أمام البوارج والمقاتلات الروسية. ولا تبعد إلا أميالا عن القاعدتين العسكريتين البريطانيتين ومركز التنصت في الجزيرة. واستخدمت روسيا القواعد العسكرية لشن هجمات صاروخية ضد المعارضة السورية للأسد، في نفس الوقت الذي حلقت فيه الطائرات البريطانية لضرب أهداف لنظام دمشق. ووسعت روسيا من تأثيرها المالي والثقافي. ويتبع القبارصة اليونانيين الطائفة الأرثوذكسية التي تنتمي إليها روسيا. وتم افتتاح كنيسة بقبة على شكل بصلة بناها رجل أعمال روسي في قرية إيكبوسكويو تعبيرا عن الصداقة الروسية- القبرصية. وحصل مئات من الأثرياء الروس على الجنسية القبرصية، ضمن ما يعرف بالبرنامج الذهبي الذي يمنح الجواز القبرصي مقابل استثمار مليوني يورو في العقارات. وتحولت مدينة ليماسول إلى مركز للمجتمع الروسي حيث يعيش فيها حوالي 40.000 روسيا، وهناك حزب سياسي أنشأه الروس القبارصة. ومن بين الذين حصلوا على الجنسية القبرصية أثرياء على علاقة قوية مع الكرملين. ونظرا لموقع الجزيرة الاستراتيجي واكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في المياه القريبة منها تفسر محاولات الولايات المتحدة التي أهملت منطقة شرق المتوسط الحد من تأثير روسيا فيها. وفي الجزء الشمالي من الجزيرة هناك مخاوف من آثار المواجهة على الجزيرة وما حولها. وأعلن الجزء الشمالي التركي استقلاله عام 1983 وبعد 9 أعوام من غزو القوات التركية، ولا تعترف به سوى تركيا، فيما انضم الجزء اليوناني إلى الاتحاد الأوروبي. ولا يزال في الجزيرة 30.000 من الجنود الأتراك، وافتتحت الحكومة التركية في كانون الأول/ديسمبر قاعدة جيتكال الجوية للطائرات بدون طيار والتي تقوم بمراقبة السفن التجارية والبحرية التركية حول الجزيرة على مدار الساعة. وبعد إعلان الولايات المتحدة عن رفع الحظر عن تصدير السلاح، حذرت تركيا أنها ستتخذ الإجراءات الضرورية. وبالنسبة للتسوية السلمية في الجزيرة فالقرار كان ضربة لها، خاصة أن الولايات المتحدة تعتبر من الناحية النظرية أقوى الداعمين للمفاوضات. ونقلت الصحيفة عن وزير خارجية شمال قبرص قدرت أوزيرساي “اتخذت الولايات المتحدة (قرار حظر السلاح) لمساعدة محادثات السلام والتوصل إلى تسوية شاملة عبر المفاوضات. وعلينا الآن التساؤل إن كانت الولايات المتحدة مهتمة بتسوية شاملة في قبرص” و “هذا لا يمكن اختباره بالنظر إلى التصريحات الرسمية الأمريكية بأنهم يريدون تسوية. فعندما تشجع طرفا واحدا في نزاعا إثنيا مجمدا، فلا تتوقع من الطرفين التعاون والاتفاق على تسوية. والطرف القبرصي اليوناني في وضع مريح وأي تحرك من لاعب في المجتمع الدولي يعني السماح باستمرار الوضع ومساعدة الوضع القائم على البقاء”. والوضع الراهن المحط بمياه يواجه في الحلفاء بالناتو بعضهم البعض هو الوضع السياسي الذي يستغله بوتين وفعل هذا في البلقان ودول أوروبا الشرقية. وفي الوقت الحالي فإن بريطانيا التي تعتبر إلى جانب تركيا واليونان ضامنة لمعاهدة استقلال قبرص عام 1960 تراجعت عن دورها لدرجة “لا يعرف أي دور تقوم به” كما يقول أوزرساي، مما وسع المجال أمام التدخل الروسي. ولا تمتلك الأمم المتحدة التي تشرف على المفاوضات لحل النزاع بين الطرفين صلاحية للتدخل وحل النزاعات البحرية. كما
أن الناتو الذي رفضت اليونان محاولاته لعقد هدنة مع تركيا، ليس في وضع قوي لعمل نفس الشيء مع قبرص التي ليست عضوا في الحلف. وقال إرول كايماك، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة شرق المتوسط في قبرص ” عرض الروس للتوسط في نزاع شرق المتوسط مثير نظرا لفشل الاتحاد الأوروبي. وفشل الأوروبيون في تعزيز التفاوض بين اليونان وتركيا، والمثير للدهشة هو عدم حضور بريطانيا في هذه الأزمة” و “على افتراض عدم وجود مفاوضات شاملة في قبرص، فهذا يفتح الباب أمام فرص جديدة لروسيا واستغلالها، خاصة في ظل التنافسات الإقليمية التي تضع أمريكا وروسيا كمدافعين عن جمهورية قبرص”.