أعتقد أن الحرية التي كان ينعم بها الكاتب قبل وقوعه في شباك السوشيال ميديا ذهبت إلى الأبد ولن تعود، اليوم أضيفت إلى القضبان التي تسيجه، مع قوائم الممنوعات التي تفرض عليه في بعض المنابر، التي يطلُّ من خلالها على قرّائه.
وقبل أن يجد الكاتب نفسه رهينة متابعيه، نتذكّر أنه دخل مواقع التواصل الاجتماعي، لغرض التواصل الراقي مع قرائه والترويج لمؤلفاته، ونتاجه الفكري. وهذا نوع من خلق هوية رقمية تُجارِي التطور الذي حدث في عالمنا، وتساعد على التسويق الذاتي للكاتب نفسه. وفعلا نجح نوع من الكتّاب والمؤلفين على المنصات الرقمية، وفشل آخرون، خاصة ذوي المادة الدسمة فكريا، التي لا تتقبلها الجماهير المشغولة بالصورة الجميلة، والخبر الشخصي، والأهواء التي تفرضها أخبار الساعة.
وقد أظهرت الأبحاث في علم الاجتماع الرقمي أن استخدامات «الويب الاجتماعي» يضع الكتّاب في مواجهة أنواع من المتفاعلين، بهدف إبراز أدبهم، لكن الذي يحدث أنهم يفقدون وهجهم الأدبي، بمجرّد الدخول في متاهة عرض الشخصِي، حتى أن بعض الكتاب زادت سمعتهم السيئة، وارتفع منسوب الكراهية ضدهم.
تحليل عالم الشبكات الاجتماعية، وقياس الشهرة حسب عدد متابعي الحساب، وعدد الإعجاب، والردود والتغريدات، أدى إلى «رقمنة» الكُتّاب، وزُجّ بهم دفعة واحدة في فضاء مفتوح ومنهك للفكر والأعصاب. لا أدري كيف أسمي هذه المرحلة، هل هي مرحلة ما بعد قتل المؤلّف؟ أم مرحلة التنكيل بجثته؟ فقد تسارعت الأحداث لتوصلنا اليوم إلى حرب جديدة يحارب فيها الكاتب ليبقى على قيد الحياة، أمام ماكنة رقمنته وسلخه من إنسانيته.
قبل أسابيع قليلة فقط، كان لي مقال عن فيروز تحدثت فيه عّما تمثله لي فيروز كقامة فنية عملاقة، وبداية عشقي لصوتها، وتأثري بفنها الذي هو في الحقيقة مزيج من صوتها وموسيقى الرحابنة، كان التفاعل مع المقال مختلفا تماما عن منشور آخر لي عن تكريمها من طرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأعلى وسام فرنسي، بعد زيارة خاصة لها في بيتها. حضر التّنَمُّر الإلكتروني المرعب، الذي من النادر أن يقتحم صفحتي، وتألمت فعلا لبعض التعليقات، مشفقة على أصحابها. كما انهال عليّ العتاب من كل لون ومن كل صوب من عالمنا العربي الفسيح. وفي لحظة ما شعرت بما يشبه الشلل، أمام ترسانة الهجوم تلك…
ماذا يريد الجمهور العربي تحديدا؟
هل يريدون «فيروز» أخرى غير التي أنعم بها الله علينا؟ أم يريدون أن ترفض زيارة ماكرون؟ لأنه يمثل في «المخيال» العربي صورة الفرنسي المحتل؟ ألا يمكن رؤية إيمانويل ماكرون كشخص عادي لديه هواياته الخاصّة، وميولاته الثقافية؟ ثم ألا يمكن رؤية الدور العظيم الذي لعبته باريس في احتضان الثقافة العربية، ومنح مكانة محترمة لمثقفين عربَ لم تتوفر لهم حتى في بلدانهم. لماذا ننظر دوما للنصف الفارغ من الكأس؟ ألسنا من اخترع مقولة «لكل مقام مقال»؟ ها نحن أمام المعطى الثقافي الذي تجاوز السياسي، وتخطّى الأحقاد التي حُفِرَت على وجه التاريخ المظلم للأمم، فما نحن فاعلون؟ رسالة ماكرون كانت واضحة، وهو يتوّج الدور الثقافي للبنان، ونحن كمثقفين يجب أن لا ننخدع بالخطابات السياسية التي لوّثت فكر الشعوب العربية حتى أصبحت عدوة نفسها.
في كل الحالات تأثير هذه المنصات على الكُتّاب شبيه بالخوف من الموت، فهي تجعلهم يقيسون «حجم وجودهم» من خلالها، ويطمئنون على مدى تأثيرهم في متابعيهم بالتطلع الدائم للأرقام.
في باريس سنة 1987 تم تدشين المعهد العربي، بتمويل من عدة دول عربية، للتعريف بالثقافة العربية في أبهى حللها. ومنذ تلك الأيام استقطب هذا المعهد في أماسيه الجميلة، ومكتبته، وبرامج محاضراته ومناقشاتها، مئات الأسماء المبدعة في كل مجالات الثقافة، ولم نسمع يوما أن هذا المعلم الثقافي روّج للفن الهابط، الذي تعج به مسارح عربية يعرفها القاصي والداني، بل إن المعهد حافظ على رقيّه، وبنى تقاليد جميلة لا تزال مستمرة منذ فتحه للجمهور.
لفتت انتباهي إشارة مدير المعهد إلى أن مبادرة الرئيس ماكرون تجاه لبنان: «ليست متعلقة بإقامة محمية فرنسية جديدة، بل على العكس من ذلك، وجب تسهيل ظهور لبنان حر، صاحب سيادة، سيد نفسه، ويجب معرفة أن في لبنان اليوم عددا لا يحصى من صانعي الأفلام، والكُتَّاب والمفكرين والرسامين، الذين يطلبون شيئا واحدا فقط: العيش، والعيش بحرية وبكرامة..». كما تأثرت بمبادرة المعهد التي أطلقت لدعم العاصمة بيروت، ولا أدري كم من مبادرة مماثلة أطلقت من عواصم عربية من طرف المثقفين والكتّاب لدعم المنكوبين، ليس فقط في بيروت، بل في بلدان أخرى مثل العراق وسوريا والسودان مؤخرا؟ سريعا انحرف خطاب التضامن مع بيروت، وأخذ مسارا آخر، وهو المسار نفسه الذي نتوه فيه دائما فنخوّن بعضنا بعضا، ونتحوّل لأعداء.
هذا هو عصب لعبة السوشيال ميديا، عربيا للأسف، وهذا ما يجعل الكاتب اليوم يعيش مأزقا لا مثيل له، وهو يواجه جيـــوشا تحاول ردعه، وترويضه، والسيطرة عليه. إن الأمور أحيانا تفلت من يد الكاتب، حين ينزلق في فخاخ متابعيه السلبيين، مع أن شبكات التواصل الاجتماعي يجب أن تكون واجهة استثمار للترويج لنتاجه، وفضاء لبناء علاقات إيجابية مع المتفاعلين معه، وتجريب أشكال جديدة من الكتابة.
لكن عن أي أشكال نتحدّث؟
يصف بعض الكتاب هذه المواقع بأنها قاتلة لأنها تكشف أسوأ ما فيهم، فيما يراها آخرون إهدارا حقيقيا للوقت، ورغم إدراكهم لذلك، فإنهم يزدادون إقبالا عليها، ويرجع عالم الاجتماع فينسنت كوفمان السبب إلى «الشعور بضعف سلطتهم في المجال العام» فالرقمية تغرق الكاتب في محيط من المجهرية، قبل أن تفكّكه، وتبعثره، حتى يصعب عليه جمع نفسه في صورة واحدة مكتملة، فجأة يكتشف وجهه الجديد من خلال أعين الآخرين، وكأنّه كائن مشوّه، رُكبت له أعضاء وملامح مستعارة من أشخاص آخرين. كابوس حقيقي هذا العالم الرقمي، ولعل أكبر ساخط على شبكات التواصل الاجتماعي الكاتب أومبيرتو أيكو (توفي سنة 2016) حين قال: «إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك منحت حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد كأس من النبيذ، بدون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا، أمّا الآن فلهم الحق بالكلام، مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل، إنّه غزو البلهاء». عكسه تماما، يسجل الكاتب باولو كويلو حضورا رقميا مبالغا فيه، زارعا لمتابعيه حقولا شاسعة من عبارات الحب والسلام الداخلي والإيمان، ومعاني الحياة، ومؤخرا أصبح يجد أبطالا لرواياته عن طريق فيسبوك. شيء شبيه بحضور الكاتبة الأمريكية جويس كارول أوتس، التي تصدر كل سنة كتابا، ولا يبدو أنها تستطيع أن تعيش بدون تويتر، رغم أنها في الثانية والثمانين من عمرها.
في كل الحالات تأثير هذه المنصات على الكُتّاب شبيه بالخوف من الموت، فهي تجعلهم يقيسون «حجم وجودهم» من خلالها، ويطمئنون على مدى تأثيرهم في متابعيهم بالتطلع الدائم للأرقام. فيما أيُّ طغيان لأحدهم من خلال تعليق ما يشكِّل تهديدا حقيقيا لهم بالموت، يحرّض أغلبهم للدخول في حروب لا أول لها ولا آخر، بعضهم ينتهي به الأمر بإغلاق كل حساباته على مواقع التواصل، طلبا لهدنة مؤقتة أو طويلة، حدث أن أغلق ستيفن كينغ مثلا حسابه على فيسبوك لأنه تعب من نوعية متابعيه، ونوعية الأخبار المغشوشة التي يٌروّج لها، غير قصته الشهيرة مع تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب…
والخلاصة، ما يريده الكاتب من هذه المواقع لا يناسبه تماما، فهي لعبة حظ، قد يدخلها بأدوات بسيطة وينجح من خلالها، وقد يدخلها بكل أسلحته الثقيلة ويخرج منها خاسرا، لكن يبدو لي أنها مهما كافأته، فلن تقدم له الهدوء الذي يلزمه للكتابة، هدوء مكتبه المغلق الذي لا يسمع فيه سوى صوته الداخلي المنبعث من رأسه.
٭ شاعرة وإعلامية من البحرين
بعيدًا عن صخب السوشيال ميديا وضجيج المدن وزعيق السياسة المكفّهر ؛ ارتقوا إلى جبل : هيبـت سلطان ؛ المنعزل عن ثرثرة كورونا ؛ وعن قرف السجال ؛ ولغو قلندريـّة القيل والقال…وهيبت سلطان أو هيبة السلطان ؛ هو جبل بارتفاع 1260 مترًا يقع ضمن جغرافيا محافظة أربيل / في شمال العراق ؛ وأهديكم ما كتبت ؛ بوحي من ذلك الجبل العنفوان ؛ كتعليق من نوع جديد الفنّ ؛ ويبقى المعنى العام في مكنون ( الكلام ) ؛ بصروآذان :
فوق الجبل الكستنائيّ
كان لون الشمس لازورديّ
يعانق أفق الحياة الأحمر…
إنه جبل : هيبة السلطان.
يمدّ بجناحيه كالصقر الأجدل ؛
يعانق السّماء الزرقاء ؛
كما عانق الخضراء.
وتلوح بالقرب حمامة أنسيّة…
طوّق خصرها حزام من ذهب ؛
إنها عروس في شهرعسل.
ثمّ هنالك خلايا النحل…
تمنحنا شراب الزهور الأصهب.
ياسيدي ياهيبة السلطان :
عاشرت الليالي والدول ؛
فهنا يكمن سرّ الخلق الأوّل
حيث كان أجدادنا الراحلون
في الكهوف يتسامرون…
يأكلون لحم الظباء ويتناسلون…
أسمع همهمات أحاديثهم كالصدى ؛
وأسمع الصدى في الصخور
يقول للجميع بكرم :
أهلا وسهلا أيّها القادمون ؛
إلى صولجان الزمان :
هيبة السلطان…وهيبة السّمو؛
فلتكن عيونكم تعانق العلــو…
ليبقى الحلم صديق الخيال
مع سلاف عشاق المُدام ؛
ومع رفاق العرش…
أحفاد سّماء قريبة المنال
رغم شرور خمبابا
حارس غابة الأرز
في ملحمة كلكامش
ذات السحروالجمال
وفي آيات أساطيرها
يكمن ( أحلى الكلام ).
على أرض الواقع، الكتابة عن ثقافة ومعرفة شيء، والكتابة عن علم شيء آخر، وهذا ما لم يفهمه خريجي نوادي التوستماسترز الأمريكية، كما لاحظت قبل أو أثناء وحتى بعد كورونا، سبحان الله،
وهو أول ما خطر عند قراءة ما نشرته البحرينية (بروين حبيب) تحت عنوان (مأزق الكاتب مع السوشيال ميديا) والأهم هو لماذا؟!
وصول دلوعة أمه (دونالد ترامب) عام 2016، و (بوريس جونسون) عام 2020، من خلال الانتخابات، لكرسي السلطة،
قلب الطاولة، على كل ما فرضته خبرة العقل الإنساني، لإشكالية الثنائي (جوبلز/هتلر)، التي تسببت بالحرب العالمية الأولى والثانية، من إيجاد سوق العولمة، ونظام (سويفت) للمخالصة التجارية، وعززه (جوج بوش الأب) في مؤتمر مدريد عام 1991، عندما فرض الترتيب الجديد للعالم، تحت قيادة صندوق النقد والبنك الدولي وأخيراً معهد الحوكمة الكندي، وشروطهم الخمس في الوصول إلى الدولة السعيدة،
ثم بدون مصداقية، وإلتزام، بشروط عقد، لا يمكن عمل أي إتفاق، بين ثقافة الأنا، وثقافة الآخر، خارج حدود أي دولة، عضو في نظام الأمم المتحدة،
بالإضافة من وجهة نظري، قيام حركة Me Too بعد 2008،
سيمنع إنتاج أي عمل لغوي، له أساس أو مصداقية، من خبرة عملية في الحياة من أجل الوصول إلى ثقافة النحن، كأسرة، أو شركة، أو مجتمع أو دولة،
لأن مفهوم القانون، هو للتنظيم، والعقود أو الدساتير لتعريف الحقوق والواجبات لأطراف العقد، وليس للاستعباد،
من خلال خُمس آل البيت، من شعب الرّب المُختار، للشفاعة (الواسطة والمحسوبية أو بمعنى آخر الرشوة) عند دخول أي معبد أو كنيسة في الدنيا، من أجل رصيدك في الآخرة،
ولكن في الإسلام، لا تحتاج إلى دفع أي شيء، عند دخولك أي جامع، ثم معنى كلمة الله في لغة القرآن، تختلف عن معنى GOD أو Lord في أي لغة إنسانية، وهذا ما يجهله من لم يدرس لغة القرآن في الكتاتيب،
ومن يظن غير ذلك جاهل، بمعنى علم (التدوين اللغوي)، بأي لغة، أو الترجمة من أي لغة إنسانية، على الأقل من وجهة نظري.??
??????