القاهرة-“القدس العربي”:هي المدينة التي شهدت أهم المعجزات في تاريخ الكون ونالت شرف لقاء رب العالمين بـ”كليمه” موسى عليه السلام، وهي المناسبة الأهم التي ما زالت في نظر السواد الأعظم من المؤمنين من أتباع الشرائع السماوية لها بريقها وجاذبيتها التي لم تخفت أبدا، وعلى الرغم من الغموض الذي يحيط بالمكان الذي شهد الوعد الإلهي حيث ما زال الكثير من المؤرخين غير متفقين تماما حول الحيز الجغرافي للمواعدة وان كانوا يشيرون إلى جبل الشريعة، باعتباره المكان الذي هرع إليه “كليم الله” للقاء ربه وقال فيه الله عز وجل لنبيه موسى، كما جاء في محكم آياته بالقرآن الكريم “إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى”. وحسب العديد من المرويات المسيحية واليهودية، فقد أشارت أن في هذا الموقع تجلّى الله فأنار، وتجلّى عند شجرة العليقة المقدسة – وموقعها حالياً داخل دير سانت كاترين – لنبيه موسى في رحلته الأولى في سيناء وحيداً فأنار من وراء العليقة المقدسة، وتجلى سبحانه وتعالى لنبيه موسى وشعبه في رحلته الثانية للجبل فدك الجبل، مصداقاً لقوله “فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا”. في البداية يطرح السؤال نفسه على ألسنة الكثيرين، لماذا سُميت سانت كاترين بهذا الاسم؟ الإجابة التي تسجلها كتب التاريخ انها نالت الإسم تخليدًا للقديسة كاترين في المسيحية من الإسكندرية، وهي من أبرز القديسات في الغرب ولها دور كبير في انتشار المسيحية وماتت فداء لذلك، وسمي أيضًا دير طور سيناء باسمها دير سانت كاترين. وتقول قصة التسمية “أن رهبان الدير وجدوا جسدها أعلى الجبل حيث تم إعدامها في الإسكندرية ثم اختفى وأن الملائكة قامت بوضع جسدها أعلى قمة الجبل”. وقد صدق اليونسكو على اعتبار سانت كاترين محمية عام 1988 وهي محمية تراث طبيعي وثقافي عالمي، ولاحتوائها على ثروة طبيعية وتراث ثقافي كبير شديد التنوع وضارب في جذور التاريخ، كما أن فيها هضاب صحراوية ذات خصال فريدة ومتنوعة، بالإضافة للعديد من الأحياء النباتية والحيوانية، وتعتبر أكبر محمية طبيعية مصرية حيث تبلغ مساحتها 4250 كيلومترا. ومن كنوز المدينة أنها تحتوي على 473 صنفاً من النباتات الشاملة، منها 19 صنفاً متوطناً وشبه متوطن، بالإضافة إلى 170 صنفاً من النباتات الطبية والاقتصادية، و85 طحلباً شديد التنوع والاختلاف. وعلى 41 نوعًا من الثدييات، و36 نوعًا من الزواحف، و50 نوعًا من أنواع الطيور، و33 نوعًا من أنواع الفراشات، ويذكر أن في المحمية نباتات نادرة لا توجد في أي بقعة على الأرض.
قريبة من السماء
تعد سانت كاترين من أبرز مدن سيناء خصوصية وتميزاً، كما أنها في صدارة المناطق جاذبية وتفردا، إذ تقع على هضبة ترتفع 1600 متر فوق سطح البحر، ويوجد بها أيضا مرافئ دينية إسلامية ومسيحية في مقدمتها جبل موسى ومقام النبي هارون، وتحتوي على العديد من المشروعات السياحية الكبرى، ومن معالم مدينة سانت كاترين التي يحرص كثير من السياح والمصطافين على زيارته “جبل البنات” وهو جبل شاهق وكثرت الروايات حول أسباب نعته بهذا اللقب ولكن أشهرها رواية تقول إن بعض بنات البادية فررن من أهلهن للتخلص من الزواج بمن لم يحببن ولجأن إلى هذا الجبل فحاصرهن ذويهن عقب التوصل للمكان فإذا بهن يعقدهن ضفائرهن بعضها لبعض ورمين أنفسهن إلى الوادى وذهبن شهيدات للحرية. وتشتهر سانت كاترين بالعديد من المعالم التاريخية والدينية التي تتفرد بها عن سائر مدن مصر والعالم بالإضافة إلى توفر العديد من الأنشطة السياحية التي بوسع المرء ممارستها كتسلق الجبال ورحلات السفاري وسط الصحراء والإستمتاع بمشاهدة بروتريهات طبيعية لغروب وشروق الشمس مع إطلالة متفردة للمنطقة الأثرية، ومن أفضل أوقات زيارتها خلال فصل الشتاء كانون الثاني/يناير حيث يكثر فيها الثلج الذي يكسو الجبال ويجعل تسلقها بمثابة رحلة مفعمة بالمفاجآت والتشويق، وقد سُميت المنطقة بتلك الاسم تيمناً لدير القديسة كاترين أقدم الأديرة حول العالم حيث تم تأسيسه خلال القرن السادس الميلادي، كما تتواجد بها المعالم الدينية الأخرى التي شهدت على المعجزات السماوية الخالد والتي يؤمن بها أصحاب الشرائع السماوية كجبل موسى نبي الله والشجرة المقدسة وغيرها من المعالم التاريخية الأخرى.
كنوز منسية
لا يعلم كثير من المصريين بالكنوز التي يمشون فوق كثير منها وتبلغ الدهشة مداها عند اكتشاف ان أغلبية السكان كذلك لم يسافروا نهائياً لشبه جزيرة سيناء على الرغم من الكنوز والأعاجيب التي تزخر بها المنطقة والشواهد الحية والمعالم الأثرية فوق الأرض كدور العبادة والمعابد والمقاصد السياحية والأثرية، وتعد سانت كاترين أحد أبرز تلك المدن التي تزخر بالكثير من الشواهد على ماض سحيق وكذلك حاضر مدهش متمثل في النهضة السياحية التي تستحقها منطقة جنوب شبه جزيرة سيناء، وأبرز تلك المواقع الأثرية كنيسة الدير التي تقع أسفل جبل سانت كاترين وتُعتبر من أوائل دور العبادة القبطية التي تم تأسيسها بدايات القرن السادس الميلادي. وعلى الرغم من أن الدير من الأديرة القبطية إلا أنه لا يخضع لأية سلطة خارجية، ويضم بداخله مجموعة من الهدايا والمقتنيات التاريخية التي تعود للملوك والحكام القدامى. ومن الآثار التي لا تتكرر في المنطقة العربية والعالم، الشجرة المعلقة وبحسب بعض الآثار في الكتب القديمة هي الشجرة التي توهجت كدليل من الله على وجوده لنبيه موسى عليه السلام، وقد حاول المختصون في شؤون الزراعة نقل تلك الشجرة إلى مكان آخر إلا أنها لم تنم في أي مكان رغم العديد من المساعي وفق ما تزعم بعض الشهادات لذا ظلت في مكانها ذلك حتى الآن. بالتأكيد فإن من يزور المدينة ليس بوسعه ان يتحرر من أسر ذلك الجامع الذي يلقي الضوء على حضارة ملكت يوم ما ناصية العالم وصنعت أحداثه وفق تعاليم دينها، واسم الجامع هو مسجد الدير الذي جرى تشييده خلال ولاية الحاكم بأمر الله في العصر الفاطمي داخل دير سانت كاترين للتصدي للهجمات التي تعرض لها من قبل المعادين للإسلام حينئذ، وقد تم تأسيس المسجد بإرتفاع شاهق وخلال الحملة الفرنسية قام نابليون بونابرت بتعضيد بنية السور. ومن الآثار كذلك كنيسة الموتى والتي يتواجد فيها مجموعة من الأحجار التي تحتفظ بالجماجم الخاصة بالكهنة ورجال الدين من الأقباط.
وما أدراك ما موسى!
يمتد ارتفاع الجبل الاكثر شهرة والذي يحمل اسم نبي الله موسى، بمقدار أكثر من ألفي ومئتي وثمانين مترًا فوق مستوى سطح الأرض، حيث يُعتبر من أكثر الأماكن المهيئة على نحو طبيعي للتسلق، وبوسع السائح الوصول إليه من خلال طريقين يستغرق كل منهما حوالي أربع ساعات للصعود إلى قمته، إما طريق “الرهبان” من خلال السلالم الحجرية التي يبلغ عددها حوالي ثلاثة آلاف وخمسمئة درجة، والعابر بالطريق سيمر بكنيسة “العذراء مريم” وقناطر “اسطفانوس” والراغب في الصعود للجبل سيمر من خلال طريق “الجمال” أو كما يشتهر بطريق “عباس باشا” والذي أمر بتدشينه الخديوي عباس، وأطلق عليه طريق الجمال لرمزية وجود الجمال بالقرب منه والتي تعين القادمين على صعوده، وعند اختيار ذلك الطريق يسير المسافر بمحاذاة سور دير سانت كاترين بالإضافة إلى المرور بمنطقة فرش النبي إيليا، وعندها يتم البدء في الصعود إلى الجبل مع ترك الجمال التي استخدموها في بداية الرحلة.
كنيسة التجلي أحد أبرز دور العبادة المسيحية تم تشييدها بأمر من جستنيان الإمبراطور البيزنطي، وتحتوي على الباب الخشبي ذو النقوشات والزخارف الدقيقة، كما توجد فيها القاعة المُزينة باللوحات الدينية، وكذلك المحراب الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1612م، وأيضاً التابوت ذو الزخارف والنقوشات المبهرة كما يضم داخله جثمان القديسة كاترين. ومن بين الآثار في المدينة متحف الدير:
ويقع في الجهة الغربية من كنيسة التجلي حيث من الممكن الذهاب إليه من خلال الدرج المتواجد بداخله، ويشتهر المتحف باسم الخزانة المقدسة لإحتوائه على المخطوطات واللوحات الدينية التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر مع مجموعة من أقدم الإناجيل. ويطالب كثير من الأصوليين بالكشف عن تلك الأناجيل وإعادة طبعها. وتقع المكتبة داخل أحد أبرز المباني المتواجدة بالمنطقة في الطابق الثالث منه، وتحتوى على ثلاث غرف تضم مجموعة من الكتب والمخطوطات، بالإضافة إلى آلاف من أوراق البردي المنقوش عليها باللغات المختلفة كالعربية والعبرية واليونانية والقبطية والأرمنية والسلافية والسريانية والجورجية. أخيراً وصلنا للجبل الذي يخبئ العديد من الأحداث الخالدة وهو جبل سانت كاترين، الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من ألفي وستمئة وأربعين مترًا فوق مستوى سطح الأرض مما يجعله أعلى الجبال ارتفاعًا في المدينة، ويُعتبر من الأماكن المُناسبة للتسلق، وعند الوصول إلى قمته ستتمكن من الوصول إلى الكنيسة المتواجدة في أعلاه مع الاستمتاع بمشاهدة خليج العقبة مع منظر بانورامي ساحر للمدينة.
أيهما تم أولاً؟
السؤال الذي ما زال حياً منذ قرون حول المكان والزمان الذي ضربه الله لنبيه موسى وهل ثمة تناقض بين اللقاء وزوال الجبل من خلال دكه مصداقاً للقرآن الكريم. من جانبهم يرى رجال الفقه والتفسير إنه ليس هناك ثمة تضاد بين النصوص الشرعية في مواعدة موسى عند الجبل ثم دك الجبل، فالله واعده أولا فقدم موسى، ولما سأل الرؤية دك الله الجبل، غير ان المشكل واقع بين النصوص وبين كلام الناس حيث زعموا أن الجبل باق إلى يومنا هذا، وذهب كثير من أهل العلم إلى أن المواعدة كانت عند جبل الطور، وفي ذلك ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن العالية كما نقله القرطبي والبغوي والألوسي وآخرون، أن الطور يطلق على كل جبل، وقيل على كل جبل منبت، وورد كذلك ان كلمة الطور كلمة سريانية ومعناها الجبل، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الجبل الذي كلم الله موسى عنده اسمه زبير كأمير، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك كما نقله البغوي والخازن وابن الجوزي، والمتيقن حصوله ما ثبت في القرآن من دك الجبل؛ لقوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا (الأعراف: 143) ومعنى دكا أنه صار مستويا مع وجه الأرض. ولذا فإذا كان الجبل الذي دك غير محدد أو كان زبيرا فلا مشكل في الأمر حيث إنهما جبلان مختلفان، وإذا كان الجبل هو الجبل المعروف بالطور أو بطور سيناء، وكان طور سيناء موجودا الآن قائما، فإن الأمر لا يخلو من حالين كما أشار المفسرون: الأول: أن الله أعاد الجبل مكانه بعد دكه، فقد ذكر بعض المعاصرين أن الطور دك حتى ساخ في الأرض ثم رفعه الله على بني إسرائيل بعد ذلك كما قال: وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ، ثم أعاده في محله. والرأي الثاني مفاده أن الناس جانبهم الصواب في مسألة بقاء جبل الطور، فقد ذكر بعض الباحثين نقلا عن العالم الدكتور زغلول النجار الذي كان متخصصاً في تفسير الإعجاز العلمي للقرآن، أنه تم التوصل إلى أن جبل الطور قد دك في الأرض مرة ثم رفع من الأرض ثانية فجعله الله معلقا بين السماء والأرض كأنه ظلة فوق بني إسرائيل، ثم رجع في مكانه بعد ذلك. مدينة سانت كاترين على الرغم من طبيعتها الصحراوية إلا أنها ذات مكانة سياحية وتاريخية متفرده تلقي بظلالها على الحركة السياحية وبوسعها ان تتبوأ الصدارة بين مدن العالم وذلك لما تضمه من المعالم الدينية ذات المكانة التاريخية العظيمة التي جعلت الزوار من مختلف دول العالم يتوافدون إليها للتعرف على تاريخها العريق، بالإضافة إلى القيام بالأنشطة السياحية والترفيهية المتنوعة كزيارة تلك المعالم والتعرف عليها، وتسلق الجبال المتواجدة بها لتجربة مغامرة جديدة مع مشاهدة المدينة في إطلالة بانورامية ساحرة. تعد سانت كاترين من أهم المزارات السياحية المصرية وأكبر محمية طبيعية في مصر حيث أنها واحدة من مدن سيناء المميزة التي تقع على أعلى هضبة في سيناء، وهي محاطة بمجموعة من أعلى الجبال في مصر مثل جبل كاترين وجبل الصفصافة وجبل موسى.
جديرة بالاهتمام
تمثل المدينة فرصة استثنائية للمصريين الحالمين بالاستمتاع بالطقس الأوروبي مقابل نفقات زهيدة تتناسب ووضعهم الاقتصادي المحدود، حيث تتميز سانت كاترين بخصوصية فريدة من نوعها بالنسبة للمناخ إذ تكسوها الثلوج خلال الشتاء كما انها محاطة بمناظر طبيعية مدهشة من جبال مغطاة بالثلوج التي تحاكي المناخ والطابع الغربي، كل ذلك يجعلها في صدارة المقاصد السياحية الرخيصة، وللمدينة أهمية تاريخية ودينية كبيرة بسبب وجود العديد من الكنوز المنسية فضلاً عن السياحة الرياضية كتسلق الجبال ورحلات السفاري. ويرى خبراء في مجال الاقتصاد والسياحة ان المدينة تنتظرها فرص واعدة للوثوب في صدارة المقاصد السياحية على مستوى العالم وهو ما يحرص على تحقيقه الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي دعا في العديد من المناسبات لضرورة تنمية وتطوير سانت كاترين باعتبارها مدينة واعدة وتحتاج فقط إلى الاهتمام بها وتسليط الضوء عليها محليا وعالميا فهي المكان الوحيد في العالم الذي تجلى فيه الله سبحانه وتعالى بنوره. وعلى رأس المطالب التي يرى المختصون أهمية احرازها على الفور الدفاع على الطراز الديني والثقافي للمحمية، وهذا ما يميزها.
ويرى كثيرون ان المنطقة مؤهلة لجذب ملايين السياح سنوياً ولذلك لابد من التوسع في إنشاء المطارات والفنادق لخدمة مدن جنوب وشمال سيناء وتكثيف حجم الخدمات وتحديث المرافق بها والعمل على إحداث نقلة نوعية في كل المرافق التي لها علاقة بتلك الصناعة الحيوية ومن المهم بناء أكثر من مطار في المنطقة بين دهب ونويبع وسانت كاترين لكونها ستخدم بقوة الحركة السياحية وتمثل أنبوب أوكسجين لإنعاش السياحة الداخلية والخارجية على حد سواء.
وبحسب رأي المختصين فمن الممكن ان تسهم المدينة بدخل ضعف ما تحققه السياحة المصرية مجتمعة لكونها تعد مدينة مقدسة في نظر الكثيرين لذا يطالب الخبراء في التسويق والسياحة ويتم الترويج لها على وفق ما تملكه من تفرد ديني يجعل الملايين حول العالم يرغبون في الوصول لها.