ثمة أثمان في القضية الفلسطينية لا يستطيع الأردن دفعها، وثمة كلف يمكن المساومة على بعضها. لكن دوما البقاء في دائرة صناعة الحدث يختلف في النتائج وبحجم المكاسب عن تلقي الحدث.
عمان-“القدس العربي”: أسوأ سيناريو محتمل عندما يتعلق الأمر بأزمة الإقليم والدور في وجهها الأردني تحديدا هو ذلك الذي يحاول التلميح إلى ان دور المملكة أو ما تبقى منه في الملف السياسي على المستوى الإقليمي منوط فقط بعدم الرغبة في حصول مشكلة ذات بعد اجتماعي أو أمني في الجغرافيا الأردنية.
المؤسسة الأردنية تبدو منشغلة جدا بتجنب هذا الكمين السياسي الكبير. وهو بتصنيف حتى غرف القرار العميقة “مصيدة” من الوزن الثقيل لأنه يحصر دور الأردن العميق والخبير والعتيق في معادلة الجغرافيا الأمنية فقط وعلى النحو الذي تستفيد منه إسرائيل دون وقبل غيرها وفي سياق توازن المصالح ذلك الذي يتحدث عنه قادة قطار التطبيع الخليجي السريع.
خلف الستارة ثبت بأن عمان كانت على علم مسبق بترتيب اتفاقية السلام الابراهيمي مع الإمارات.
لكن العلم والقبول بالتفاصيل هما مسألتان مختلفتان.
عمان حتى اللحظة تتفهم توقيع تلك الاتفاقية في سياق حسابات مصلحية إماراتية وسعودية دقيقة تبدأ من ملف المعارضة السعودية في الخارج وتنتهي إلى ملف إعادة ادماج وتأهيل إيران في المنطقة، الأمر الذي يعتبره الباحث السياسي جمال الطاهات وعلى هامش جلسة عصف ذهني حضرتها “القدس العربي” من بين أهداف مرسومة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وعلى أساس التقاسم وليس الصدام العسكري الحتمي.
طاهات كان يتحدث لنخبة صغيرة من السياسيين والمثقفين بضيافة السياسي الإسلامي مروان الفاعوري الحريص بدوره على إقامة سلسلة حوارات نشطة وفعالة داخليا تناقش وتناور وتعصف ذهنيا لإنتاج منظومة تحاول تشخيص مصالح الأردن العليا وتضمن لقيادته قبل شعبه البقاء في مسافة أمان دوما وكذلك لمؤسساته.
ما لا تفهمه عمان بعد وقد نوقش ذلك في حالات ضيقة هو أسرار الحماس والاندفاعة الشعبوية والإعلامية في دول المحور السعودي للتطبيع المتسارع مع الإسرائيليين.
ودون دراسة أو تقييم كلفة دفن المبادرة العربية.
تسأل عمان المنامة عن ما لديها من معطيات أو معلومات ولا أجوبة رسمية خارج سياق التعليمات السعودية.
يتم ابلاغ عمان مبكرا من أبو ظبي بقرب توقيع الاتفاقية لكن في الأثناء يتم اغفال التفاصيل على أساس الفارق بين الابلاغ الجاف والتنسيق مع شريك.
وتسأل السفارة الأمريكية أردنيون في مواقع القرار عن حقيقة موقفهم وأسباب العدمية في الاتصال مع اليمين الإسرائيلي فيأتي الجواب بنصوص منفلتة غير محكمة تدلل مرة على ارتباك مفترض أو على عدم وجود سيناريو ناضج.
وبصيغة تؤشر مجددا على ما يحذر منه الفاعوري منذ سنوات كما يبلغ “القدس العربي” حيث أزمة أدوات مستعصية ولاعبون أقل مهارة يقودون الملفات وتنقصهم الأهلية للتفاوض الحقيقي من أجل مصلحة المؤسسة. وحيث أدوات أقرب إلى الانحياز المراهق وتفاوض من منطلق الضعف وليس القوة.
الأجوبة قليلة والأدلة تتزايد على ان المحظور الأساسي في إبقاء الأوروبيين والأمريكيين والمصريين والإماراتين عمان على علم بما يجري بين الحين والآخر هو الانطباع بان المطلوب من الأردن فقط معادلة أمنية في سياق ترتيب المشهد الإقليمي.
ذلك دور قديم وراسخ لكنه لم يكن الورقة الرابحة في مسالتي الإقليم والدور دوما، فالأردن بقي طوال عقود لاعبا أساسيا وتجاهله غير ممكن في التفاصيل وتوفير مساحات من التواصل المباشر بين أبو ظبي والرياض وتل أبيب والمنامة والقاهرة شكل جديد في سياق المسألة الأردنية والقضية الفلسطينية لم يسبق لعمان ان اختبرته لان الاتصالات مع الإسرائيليين في الماضي كانت تتم سرا وبعلم الأردن وبترتيبه أحيانا. لكنها تتم الآن على الأسطح وبدون مشاركة الأردن بالتفاصيل وبدون الحاجة لدوره، الأمر الذي يشكل مهمة معقدة في حسابات المصالح الأردنية، لأن الدور السياسي مطلوب والمشاركة في الطهي والانضاج معتاد والبقاء في معادلة الجغرافيا الأمنية فقط حمال أوجه مرهق وقد يورط الأردن حكومة وشعبا لاحقا بسيناريوهات ومشاريع سياسية لها علاقة بتصفية القضية الفلسطينية وبدون فوائد تذكر أو مكاسب حقيقية.
ثمة “أثمان” في القضية الفلسطينية لا يستطيع الأردن دفعها، وثمة كلف يمكن المساومة على بعضها.
لكن دوما وأبدا البقاء في دائرة صناعة الحدث يختلف في النتائج وبحجم المكاسب عن تلقي الحدث وما حذر منه مرارا وتكرارا وأعاده وزير البلاط الأسبق والخبير الدكتور مروان المعشر هو التأشير على ان “دورك إذا لم ترسمه وطنيا سيرسمه الآخرون ويحاولون فرضه عليك”.
الأهم في ملاحظة نخبة من السياسيين الخبراء ان افلات التفاصيل في تمتين المشهد الداخلي الأردني يقدم خدمة مجانية وتلقائية وطوعية لكل طرف يبتغي بقاء عمان ودورها في السياق الأمني فقط، تستطيع “القدس العربي” هنا ان تضمن بأن هذا الهاجس يربك ويخيف الجميع في الأردن.