إسطنبول – «القدس العربي»: بعد سوريا وليبيا، يتحول إقليم قره باغ إلى ساحة معركة جديدة غير مباشرة بين روسيا وتركيا وذلك في ظل الأنباء المتزايدة عن دخول السلاح التركي والروسي إلى ساحة المعركة بقوة وهو ما قد يحمل في طياته مخاطر حصول مواجهة عسكرية أخطر بين البلدين في منطقة جغرافية تتمتع بأهمية اسـتراتيجية للـبلدين على حد سـواء.
وتصنف روسيا على أنها الداعم الأبرز لأرمينيا، بينما تعتبر تركيا الداعم الأول لأذربيجان، حيث أعلنت أنقرة مراراً وقوفها ودعمها «بكافة الوسائل» لأذربيجان، وشدد وزير الخارجية التركي، مولود جاوش أوغلو، أمس الثلاثاء، على أن بلاده تقف إلى جانب أذربيجان «في الميدان وعلى طاولة المفاوضات»، وذلك بعد يوم من دعم اردوغان لأذربيجان لـ»تحرير أراضيها المحتلة».
والثلاثاء، اتهمت أرمينيا تركيا بأنها أسقطت إحدى طائراتها العسكرية، وقالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الارمينية، شوشان ستيبانيان، عبر فيسبوك، إن «طائرة سو-25 أرمينية أسقطتها مقاتلة إف-16 تركية (…) أتت من الأراضي الأذربيجانية»، موضحة أن الطيار الأرميني قائد الطائرة روسية الصنع قد قتل.
وقالت المتحدثة الأرمينية إن «الطائرة التركية أقلعت من مطار في مدينة غانجا الأذربيجانية وكانت تؤمن إسناداً للطيران والطائرات الأذربيجانية المسيرة التي كانت تقصف قرى يقطنها مدنيون في أرمينيا»، مضيفة: «وزارة الدفاع الأرمينية سبق أن اتهمت تركيا بالاعتداء في شكل مباشر على أرمينيا».
وعلى الفور، نفى فخر الدين ألطون، رئيس دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية، هذه الأنباء، وقال: «لا صحة على الإطلاق للمزاعم القائلة إن تركيا أسقطت مقاتلة أرمينية»، وأضاف ألطون: «على أرمينيا أن تنسحب من الأراضي التي تحتلها (في أذربيجان) بأسرع ما يمكن بدلاً من اللجوء إلى مثل هذه الألعاب الدعائية الرخيصة»، كما نفت وزارة الدفاع الأذربيجانية الاتهامات الأرمنية بأن طائرة تركية أسقطت طائرة أرمينية.
اتفاقيات عسكرية ودفاعية تربط أذربيجان مع تركيا وأرمينيا مع روسيا
والإثنين، اتهمت وزارة الخارجية الأرمينية رسمياً تركيا بتقديم دعم عسكري مباشر لأذربيجان، وقالت في بيان لها: «تركيا لها وجود مباشر على الأرض». وأضافت أن خبراء عسكريين من تركيا «يقاتلون جنباً إلى جنب» مع أذربيجان التي قالت يريفان إنها تستخدم أيضاً أسلحة تركية من بينها طائرات مسيرة وحربية، وهي أنباء لم تؤكدها أو تنفيها تركيا التي تعلن بشكل واضح أنها تقف «بكافة إمكانياتها» إلى جانب أذربيجان.
في سياق متصل، قالت وزارة الدفاع الأذربيجانية، الثلاثاء، إن أرمينيا أرسلت منظومة «إس-300» للدفاع الجوي، باتجاه المناطق التي ينفذ فيها الجيش الأذربيجاني عملياته، وأوضح متحدث باسم الوزارة أن بلاده حصلت على معلومات استخباراتية تفيد بأن منظومة «إس -300» المسؤولة عن حماية أجواء العاصمة «يريفان» تتجه نحو «المناطق المحتلة» في إشارة إلى إقليم قرع باغ الذي يشهد الاشتباكات.
وهدد المتحدث بأنه «بمجرد أن تدخل منظومة الصواريخ إلى أراضينا المحتلة، سيدمرها الجيش الأذربيجاني»، مضيفاً: «المنظومة ستلقى نفس مصير المعدات العسكرية الأخرى التي دمرها الجيش الأذربيجاني، خلال اليومين الماضيين»، والمنظومة هي روسية الصنع ويعتقد أنه لا يتم تحريكها أو تشغيلها في هذه المناطق من دون تنسيق مباشر مع الجانب الروسي، كما أن استهدافها من قبل الطائرات المسيرة التركية سيكون بمثابة مواجهة عسكرية غير مسبوقة بين الصناعات العسكرية التركية والروسية.
وعلى مدار الأيام الماضية، نشرت وزارة الدفاع الأذربيجانية مشاهد لتصوير جوي يظهر استهداف عشرات الأهداف العسكرية الأرمنية من بينها مواقع عسكرية ومخازن أسلحة ودبابات، لكن الأبرز كان استهداف وتدمير عدد من المنظومات الدفاعية الروسية، حيث يعتقد على نطاق واسع أن الضربات الجوية يجري تنفيذها بواسطة مسيرات تركية من طراز بيرقدار لكن لا يعرف إن كانت قد سلمت للجيش الأذربيجاني أم إنها تقوم بعملياتها بقيادة مباشرة من الجيش التركي.
وكانت المسيرات التركية قد تفوقت بشكل لافت على المنظومات الدفاعية الروسية متوسطة المدى لا سيما منظومة «بانتسير» الدفاعية، حيث دمر العشرات منها في المعارك العسكرية التي شهدتها محافظة إدلب شمالي سوريا والمعارك الأخيرة في ليبيا، وجرى بث المشاهد على نطاق واسع وهو ما اعتبر بمثابة إهانة للصناعات الدفاعية الروسية. لكن لم يسبق أن نجحت المسيرات التركية في استهداف منظومات روسية أكثر تطوراً على غرار منظومة «إس-300».
ومنذ اليوم الأول للاشتباكات، جرى اتصال بين وزير الخارجية التركي ونظيره الروسي في محاولة لاحتواء الاشتباكات التي تصاعدت لاحقاً، والثلاثاء، دعا مجلس «الدوما» الروسي إلى وقف الاشتباكات وحث جميع الأطراف للعودة إلى المفاوضات وعبر عن استعداداه للمساعدة في تحقيق ذلك.
لكن وفي حال فشل محاولات احتواء التصعيد العسكري، فإن خطر توسع المواجهة سيكون كارثياً، لا سيما وأن أرمينيا لديها اتفاقيات دفاعية كبيرة مع روسيا، بينما تربط تركيا وأذربيجان اتفاقيات مشابهة، وهو ما قد يجر البلدين إلى تقديم الدعم العسكري الكامل لطرفي النزاع الذي يحمل في طياته أيضاً مخاطر دخولها بشكل مباشر إلى القتال المتصاعد، وهو السيناريو الكارثي الذي ما زال مبكراً الحديث عنه إلا أنه يبقى قائماً وبقوة إذا ما تواصل القتال وتـوسع في الأسـابيع المقبلة.