إسرائيل والانتخابات الأمريكية

تعتبر إدارة ترامب أكثر إدارة أمريكية انحيازاً لإسرائيل منذ إنشائها في عام 1948 وقد توضح ذلك من خلال نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، فضلاً عن محاولات إدارة ترامب تغييب وكالة الأونروا الشاهد الدولي على نكبة الفلسطينيين الكبرى,عبر إلغاء تقديم المساعدات السنوية لها وصولاً إلى الإعلان عن ما يسمى إعلاميا صفقة القرن في بداية العام الحالي 2020 التي تضمنت بنوداً للانقضاض على الحقوق الفلسطينية برمتها، والعبث بالقضايا الجوهرية, القدس واللاجئين على وجه الخصوص.
وثمة أسئلة تبرز حول آفاق العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية بعد الانتخابات التي ستشهدها الولايات المتحدة في الثالث من شهر تشرين ثاني /نوفمبر المقبل.

الاتجاه العام للعلاقات

بغض النظر عن تصريحات المرشحين للانتخابات الأمريكية المقبلة الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن خلال الحملات الانتخابية, وكذلك نتائج الانتخابات؛ يمكن الجزم أن العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية الاسترايجية لم تتغير في اتجاهها العام منذ إنشاء إسرائيل في أيار /مايو من عام 48 وذلك على الرغم من تغير الإدارات الأمريكية والحكومات الإسرائيلية, وقد تميزت تلك العلاقات بخصوصيتها بالمقارنة بعلاقات أمريكا مع الدول الأخرى.
وبرزت المساعدات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة لإسرائيل على أنها السمة الأساسية في إطار العلاقات بين أمريكا وإسرائيل.
ويكمن السبب في الدور الذي تقوم به إسرائيل في خدمة المصالح الأمريكية السياسية والإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط من جهة، فضلاً عن نشاط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة ودوره في الحفاظ على التأييد الأمريكي لإسرائيل في كل المستويات من جهة أخرى، فضلاً عن الضغط على المشرّع الأمريكي بغية الإبقاء على انسياب المساعدات المالية الدورية لإسرائيل في كافة الظروف، حتى تستمر كدولة ابارتهايد على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه.

التوسع الإسرائيلي في عام 67

لقد كان عدوان إسرائيل على الدول العربية في الخامس من حزيران / يونيو 1967 واحتلالها أراضي شاسعة، حداً فاصلاً بين المرحلة التي كانت فيها إسرائيل تلعب دوراً مهماً في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والمرحلة التي أصبحت تلعب فيها الدور الرئيسي في إطار تلك المصالح, الأمر الذي ترك بصماته على علاقات الولايات المتحدة المتميزة وغير العادية مع إسرائيل.
ومن المهم الإشارة إلى أن إسرائيل موّلت حروبها وعدوانها على الدول العربية بالاعتماد على المساعدات الأمريكية السنوية اللوجستية والطارئة، فقد تجاوبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1948 مع الإستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل وترسيخه في مختلف الميادين، وتجلى ذلك بالدعم الأمريكي لإسرائيل في الأمم المتحدة واستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي محاولة لإصدار قرار أممي يدين ممارسات إسرائيل وسياساتها العنصرية واعتداءاتها المتكررة على الدول العربية والشعب الفلسطيني.
ومن أهم ملامح الدعم الأمريكي لإسرائيل على المستوى السياسي والدبلوماسي، سياسة الضغط المستمر على المنظمة الدولية التي أجبرتها على إلغاء قرارها الذي يعتبر الصهيونية حركة عنصرية، لكن المساعدات الأمريكية برزت بكونها السمة الأهم في إطار الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل، فحلّت تلك المساعدات العديد من الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية مثل التضخم في منتصف عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، كما حدّت من تفاقم أزمات اقتصادية أخرى، وساهمت في تمويل هجرة يهود العالم إلى فلسطين المحتلة، وبخاصة من دول الاتحاد السوفييتي السابق خلال بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، ناهيك عن أثرها المهم في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتجهيزها بالتكنولوجيا الأمريكية المتطورة من طائرات وغيرها، وبالتالي تمويل العدوان الإسرائيلي على الدول العربية وعلى الشعب الفلسطيني بشكل خاص, كما برزت المساعدات الأمريكية لإسرائيل بشقيها الاقتصادي والعسكري على أنها السمة الأبرز في إطار العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية, وقد وصلت قيمة المساعدات الأمريكية اللوجستية التراكمية لإسرائيل، وكذلك المساعدات الطارئة، خلال الفترة الممتدة بين عامي (1951-2020) إلى 157 مليار دولار، منها نحو 60 في المائة هي نسبة المساعدات العسكرية، و40 في المائة نسبة المساعدات الاقتصادية.
وإذا احتسبنا قيمة المساعدات غير المباشرة من الولايات المتحدة والجالية اليهودية في أمريكا لإسرائيل منذ قيامها، فإن قيمة المساعدات الإجمالية تصل إلى نحو (250) مليار دولار خلال الفترة المذكورة.

المصالح الأمريكية

إن استمرار العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليس مرهونا بنتائج الانتخابات الأمريكية أو الإسرائيلية، أو بشخص نتنياهو أو ترامب لكنه مرهون إلى حد كبير بالدور الرئيسي الذي تلعبه إسرائيل في خدمة المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والحديث الإعلامي المتواتر في الصحافة العربية والإسرائيلية عن تحولات وانحدارات في تلك العلاقة بعد نتائج الانتخابات الأمريكية المزمعة، واحتمال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن إنما هو ضرب من ضروب الخيال.
وفي مقابل ذلك سيكون الحاضر الأكبر اللوبي اليهودي الذي سعى، وسيسعى في المستقبل إلى تمتين العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فضلاً عن محاولته لاستمالة الإدارات الأمريكية المقبلة والمشرعين الأمريكيين، لجهة دعم إسرائيل في كافة المستويات العسكرية والسياسية والدبلوماسية. لكن يبقى السؤال المطروح وبقوة، متى ستصبح إسرائيل عبئاً على الولايات المتحدة وعلى دافع الضريبة الأمريكي، وهل بمقدور إسرائيل الاستغناء عن الدعم الغربي وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هيثم الدروبي:

    شكراً ?…استاذ نبيل السهلي

إشترك في قائمتنا البريدية