قبل شهر ونصف سافرت وزيرة العدل تسيبي لفني سرا إلى نيويورك للقاء شارك فيه وزراء خارجية عدد كبير من الدول العربية، ووزراء خارجية من الدول الاوروبية. كان موضوع اللقاء بلورة ائتلاف اقليمي ضد تنظيم داعش. إن مشاركة ممثلة اسرائيلية في محادثات كهذه كانت انجازا مهما للسياسة الخارجية الاسرائيلية، وتؤكد ما كُتب في الماضي وهو أن التطورات في المنطقة تخلق الفرصة لاسرائيل لتشكيل ائتلافات وتحالفات جديدة. هذه هي الأنباء الجيدة. أما الأنباء السيئة فهي أن سرية اللقاء أكدت أن اسرائيل ما زالت تعاني من في الشرق الاوسط – لذلك يحافظون على سرية العلاقة معها.
على مدى سنوات الصراع الاسرائيلي العربي كان لاسرائيل علاقات سرية مع اشخاص ودول في الشرق الاوسط. المصالح المشتركة أدت إلى التعاون بينهم وسبب إخفاءها كان عدم تعريض المتعاون للخطر. الملك عبد الله الاردني وابنه ايضا الملك حسين قاما باجراء محادثات كثيرة مع زعماء اسرائيليين. والملك عبد الله دفع حياته ثمنا لهذه اللقاءات السرية والتي كادت تؤدي إلى توقيع أول اتفاق سلام مع دولة عربية. ايضا العلاقات بين اسرائيل وتركيا وايران واثيوبيا والسودان في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات – ما يسمى اتحاد الضواحي – كانت سرية.
كان سبب التعاون في الخمسينيات هو محاربة الخطر الذي مثلته مصر بقيادة جمال عبد الناصر. اسرائيل كانت مشاركة بشكل سري في الحرب الاهلية اليمنية في الستينيات وقد ساعدت الملكيين في صراعهم ضد الحكم الجمهوري الذي كان عبد الناصر يؤيده. اسرائيل ساعدت ايضا الاكراد في العراق بسرية في صراعهم ضد نظام البعث في منتصف الستينيات.
بعد ذلك قامت اسرائيل بمساعدة المارونيين في لبنان، وعندما انكشف هذا التعاون في حرب لبنان الاولى عام 1982، أنكر المارونيون ذلك. حدثت ايضا محادثات سرية كثيرة مع الفلسطينيين والمصريين قبل التوقيع على الاتفاقات الرسمية. ومنذ الاعلان عن مبادرة السلام العربية في 2002 تم نشر أنباء كثيرة عن لقاءات بين ممثلين اسرائيليين وسعوديين.
الفترة الوحيدة التي استطاعت اسرائيل فيها التخلص من كانت بعد التوقيع على اتفاقات اوسلو في 1993. عقد سنوات التسعينيات كان المرحلة الذهبية لعلاقات اسرائيل مع دول المنطقة: في حينه أقامت علاقات دبلوماسية في مستويات مختلفة، ليس فقط مع مصر والاردن، بل مع المغرب وتونس وموريتانيا وعدد من الدول في الخليج الفارسي. التعاون بين اسرائيل وتركيا وصل إلى ذروته، وكانت لقاءات علنية بين رجال اعمال اسرائيليين وعرب خلال مؤتمرات اقتصادية اقليمية.
ليس هناك فائدة من الذكرى – في حينه ايضا رفض الكثيرون في العالم العربي اعتبار اسرائيل جزءً من الشرق الاوسط. لكن المهم هو أن الاتفاق الذي لاح في الأفق مع الفلسطينيين أدى إلى كسر الحاجز وسمح بأن تكون العلاقات علنية مع اسرائيل. وقد انتهى هذا الامر بعد فشل الاتفاقات واندلاع انتفاضة الاقصى: عندها عادت اسرائيل إلى مكانتها التقليدية كعشيقة في الشرق الاوسط.
صحيح أن اسرائيل تعاني من هذه المتلازمة على مدى سنوات وجودها، لكن هذا ليس قدَرا. تاريخ اتفاقات اوسلو يعلمنا أن اسرائيل واجهت العزلة والمقاطعة وهذا نتيجة افعالها. إن عدم حل المشكلة الفلسطينية واستمرار البناء في المستوطنات ورفض مبادرة السلام العربية منعت قبول دولة اسرائيل. وفرصة قبولها من جديد في الشرق الاوسط تكمن في قدرتها على المبادرة والتفكير. وليس واضحا كيف تحول غضب «بلعام» (شعب يعيش لوحده ولا يهتم بالأغيار) إلى شعار لدى الكثير من الاسرائيليين. ومن الجدير القول أن الشعار الذي رفعه رئيس الحكومة الثاني موشيه شريت وهو «أن تعيش اسرائيل في عدم عزلة ليس فقط في الشرق الاوسط بل بين شعوب العالم ككل» يجب أن يصبح هاديا لمن يصمم السياسة الاسرائيلية.
هآرتس 18/11/2014
ايلي فوده