هل تغير واشنطن سياسة «تسوية الماء مع النار» بسياسة الإطاحة بنظام الاسد؟

حجم الخط
1

يبدو ان تطورات في الحرب على «داعش» صرنا نشهدها.. بعض هذه التطورات بدأت ملامحها، البعض الآخر يمكن أن يتبلور خلال الأسابيع القادمة.
ربما يأتي في مقدمة هذه التطورات الانتقال من الدفاع إلى الهجوم على «داعش». فالقوات العراقية ممثلة بالجيش والحشد الشعبي والعشائر قد استعادت زمام المبادرة، وانتقلت من مرحلة الحيلولة دون حصول «داعش» على المزيد من الاراضي والمناطق إلى العمل على تحرير مدن ومناطق محتلة من قبل التنظيم الوحشي وفرض التراجع عليه. هذا التطور شهدناه على مدى الاسابيع الماضية في جبل سنجار وزمار وآمرلي، ثم جرف الصخر جنوب بغداد، وفي الأسبوع الأخير في بيجي، وبعض أجزاء محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار. المهم أن هذا التطور سمح للجيش العراقي بان يستعيد زخمه، ما أدى إلى رفع معنويات المقاتلين، وبالتالي لدى الشعب العراقي ومحاولة التأسيس لمرحلة تخفف من الاحتقانات الطائفية.
التطور الآخر المهم، الذي لم يجر الحديث عنه هو المتعلق بشحنة الاسلحة المضبوطة على متن إحدى طائرات الشحن الروسية في مطار بغداد الدولي، وهذه الشحنة هي جزء من مجموعة صفقات قد تصل إلى 9 شحنات أسلحة لـ»داعش»؛ من خلال تهريب النفط العراقي إلى إيران، وهي صفقة على ما يبدو، ورغم التعتيم عليها، ان مسؤولين عراقيين في بغداد وآخرين اكرادا في السليمانية متورطون فيها، وأن بعض الاطراف الايرانية أيضا ضالعة فيها. وبغض النظر عن تفاصيل هذا الموضوع، إلا أن انكشاف هذه الصفقات أدى لتقليص تدفق الأسلحة على «داعش».
التطور الثالث هو ما يتعلق بأمريكا وادارة أوباما، اذ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻘﻠﺼﺖ ھﻮاﻣﺶ اﻟﻤﻨﺎورة ﻟﺪى ﺑﺎراك اوﺑﺎﻣﺎ ﻋﻠﻰ الصعيد اﻟﺪاﺧﻠﻲ، ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ الشيوخ، ﻓﺎن اﻟﺴﺎﺣﺔ الدولية أضحت ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺷﺒﺎك اﻟﻔﺮص الدﺑﻠﻮﻣﺎسية له، واﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﺣﺒﻞ اﻟﻨﺠﺎة اﻟﻮﺣيد اﻟﺬي ﺗﺒﻘﻰ امامه ليترك بصمته؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻓإن الإدارة الأمريكية ﺗﻔﻜﺮ اﻵن ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎيا الاستراتيجية التي تشكل حبل اﻟﻨﺠﺎح لها، في المقدمة منها الحرب على «داعش» وايضا التحول بشأن النظام السوري. فأما الحرب على «داعش»، فان الرئيس اوباما اتخذ قراره بارسال المزيد من القوات إلى العراق ليرتفع عديدهم إلى ضعف ما هو موجود، اي ما يزيد على ثلاثة الاف. كما طلب أوباما من الكونغرس اصدار قانون جديد يرخص استخدام القوة ضد أخطار الارهاب المستجدة وعلى رأسها تنظيم «داعش». كما طلب ايضا من الكونغرس توفير التمويل اللازم لذلك، ويبدو ان الكونغرس بأكثريته الجمهورية مستعد للتجاوب مع طلبات الرئيس في هذا الصدد.
الموقف الجديد الذي سجلته إدارة اوباما بشأن الحرب على «داعش» في العراق هو استعدادها لارسال قوات برية، فقد أعلن الرئيس نفسه في قمة العشرين بأستراليا، أن «الولايات المتحدة تعمل على تدريب العراقيين، وقد ترسل قوات مقاتلة إذا تمكن تنظيم «داعش» الإرهابي من الحصول على أسلحة استراتيجية». فيما أعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل إنه قد ينظر في طلب إرسال قوات برية أمريكية إلى العراق من أجل المساعدة على تحديد الأهداف الأرضية لطائرات التحالف الدولي، بحال قام قائد الأركان الأمريكية المشتركة بتقديم توصية بذلك. وقال في تصريح صحافي: «سنتعامل مع تلك التوصية لكنها لم تطرح بعد». بدوره رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي قال إنه قد يضطر لتقديم اقتراح مماثل في مرحلة ما، مع تشديده على أنه لم يقدمه بعد. ثم عاد هيغل ليعلن مجددا ان بلاده على استعداد إلى ارسال قوات برية إلى العراق ما اذا طلب العراق ذلك.
هذه المتغيرات المستجدة معناها ان ادارة اوباما على استعداد كبير للمزيد من الانخراط في الحرب على «داعش» وإلى نهاية الشوط، وهذا ما عكسته ايضا ملامح التغيير في السياسة الامريكية ازاء سوريا ونظامها. فقد لمح أوباما في قمة العشرين بأستراليا إلى احتمالات هذا التطور، وقال إن حلفا مع الاسد ضد «داعش» سيضعف التحالف. وكأن أوباما يريد ان يقول ان نظام الأسد يستفيد من توجيه الضربات الجوية للتحالف ضد «داعش» والنصرة، وأنه يستفيد أكثر من هذه الحرب للترويج للخطاب الذي طالما عبر عنه بأنه «لا يواجه الشعب السوري وانما يخوض حربا ضد الارهاب».
إدارة أوباما مع نظام الاسد قائمة على اعتبار أن الأسد فاقد للشرعية وبالتالي يجب إزاحته؛ في الوقت ذاته تحارب «داعش» والنصرة والمتشددين، وتقدم الدعم للمعارضة المعتدلة مثل الجيش الحر وسواه من الكتائب المقاتلة.. ولكنها لا تريد ان تخل بالتوازن في المواجهة الدائرة في سوريا، بحيث تتيح لطرف أن يحسم الأوضاع لصالحه.
بالتأكيد ان امريكا تضع في حسابها ان اعتماد هذه السياسة مع النظام السوري في جزء منها تبقي على «شعرة معاوية» مع ايران، لاسيما في ظل استمرار مفاوضات ( 5 +1 ) مع ايران بشأن ملفها النووي، وبلوغ المفاوضات إلى اللحظة الحرجة. وايران تعتبر استمرارية نظام الاسد احد عناصر الامن القومي الايراني في هذه المرحلة.. وبالتالي لن تقف مكتوفة اليدين عندما تستشعر ان امريكا ستطيح به.
ومع وجود مثل هذه الحسابات في سياسة امريكا ازاء النظام السوري، هناك حسابات اخرى، من بينها ان أمريكا ليست متأكدة من بديل نظام الاسد. واستمرار الاوضاع الحالية فيه مصلحة امريكية، هذا على الاقل من جانب بعض اوساط الادارة الامريكية، فقد سبق ان قال احد اعضاء فريق مكتب الامن القومي في البيت الابيض في جلسة للاستماع في الكونغرس الامريكي بشأن تساؤلات اعضاء الكونغرس عن ضبابية وتناقضات السياسة الامريكية ازاء سوريا، « لماذا القلق والانزعاج، النصرة و«داعش» يحاربان مقاتلي حزب الله وقوات الحرس الايراني وميليشيات شيعية وبعض عناصر نظام الاسد.. فدعوهم يقتلون بعضهم بعضا».
هكذا هي السياسة الامريكية ازاء نظام الاسد ظلت تحاول التسوية بين الماء والنار. ولكن الان يبدو ان ادارة اوباما نفسها تبدي استعدادها لتغيير هذه السياسة تحت ضغط الجمهوريين في الكونغرس، وتحت ضغط الحلفاء في السعودية والخليج وتركيا، وأنها تبدي في اطار الحرب على «داعش» تطويق وتقويض نظام الاسد، الذي يعتبر استمرار وجوده مصدر جذب للمقاتلين للالتحاق بـ»داعش» والنصرة وغيرها من المنظمات الارهابية الجاذبة لما يسمى بالشباب الجهاديين.
وقد تحدثت التقارير أن مستشاري البيت الأبيض، صار يعكفون في الأيام الأخيرة، على وضع استراتيجية جديدة، بعدما تبين للرئيس الأمريكي ألا جدوى من الغارات الجوية وحدها، وأن القضاء على «داعش» يستوجب التحرك، أيضاً، باتجاه إسقاط نظام الأسد. ولكن تقارير اخرى تتحدث على العكس من ذلك. واﻟﺘﻘﺪﯾﺮات اﻻوﻟية ﺗﺸير اﻟﻰ ان اﻟﻨﻤﻂ اﻟﺬي يميز ﺑﺎراك اوﺑﺎﻣﺎ ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﺘﻘﻠﺒﺎت واﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺎت، لاسيما ان الوضع مع ايران، خاصة في المفاوضات النووية لم تحدث فيه حتى الان أي تقدم، كما ان التأزم مع روسيا آخذ بالتعقيد. والترجيحات تشير إلى ان المفاوضات النووية مع ايران في ظل جمودها وبسبب عدم وجود بوادر للاتفاق، ونتيجة رغبة جميع الاطراف في استمرار المفاوضات، فان هذه المفاوضات سيتم التمديد لها مجددا. وهذا معناه ان ايرن لن تكون مستعدة لتقديم تنازلات بشأن سوريا والنظام السوري، وانها ستستمر في دعم نظام بشار الاسد.
من جانبها روسيا ورغم تسريب دبلوماسيتها معلومات عن استعدادها التخلي عن الأسد مقابل تشكيل حكومة انتقالية، تضم المعارضة المعتدلة، وبعض القريبين من النظام، شرط الحفاظ على مؤسسات الدولة والجيش. فهل هذا يعني أن موسكو باتت مقتنعة بأن استمرار الرهان على بشار أصبح رهاناً فاشلاً، وأنه مازال يقف على قدميه فقط بفعل الدعم العسكري الإيراني والمليشيات اللبنانية والعراقية التابعة لطهران؟ وبالتالي، من الأفضل ملاقاة واشنطن في منتصف الطريق للحفاظ على موطئ قدم على شرق المتوسط.
ربما يكون ذلك صحيحا، ولكن موسكو بوتين لن تفرط بهذا الموقف بسهولة من دون الحصول على ثمن، في الوقت الذي تشدد فيه واشنطن وحلفاؤها الغربيين العقوبات عليها بسبب اوكرانيا، وعلى هذا الاساس فلربما تقدمت موسكو بتسوية تسمح بالاطاحة بنظام الاسد مقابل تسوية تضمن لها مصالحها في اوكرانيا.. فهل ممكن ذلك؟
بالطبع في السياسة كل شيء ممكن، ولكن لا يبدو ان الامور ناضجة بما فيه الكفاية لحدوث ذلك بعد.

٭كاتب وصحافي عراقي

عصام فاهم العامري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د. احمد النمسا:

    تنظيم داعش هو عبارة عن بورصة تستثمر بها المخابرات السورية والايرانية والامريكية والاسرائيلية وغيرها وكل له اجنداته واهدافه في هذه البورصة ولاننسى ان بشار الاسد هو من مهد لظهور هذه الجماعة تحت عين ومباركة امريكا

إشترك في قائمتنا البريدية