لقد كان الأصوليون على مدى السنين هدفاً لكراهية العلمانيين. اختلافهم، انغلاقهم، عاداتهم الغريبة، زعماؤهم المتململون، لباسهم القديم، موقفهم من النساء، الإكراه الديني، وأساساً حقيقة أنهم لا يخدمون في الجيش، ولا يتعلمون المواضيع الأساسية بل وبعضهم لا يعمل أساساً… كل هذه أشعلت ناراً عظمى ضدهم. كانت الكراهية ضدهم عمياء، لاذعة، مبالغاً فيها وغير مناسبة. وكانت أحياناً تشبه اللاسامية. وكانت التعابير التي اتخذت تجاههم من أبشع التعابير وأكثرها تنفيراً. وإلى جانب مساهمتهم السلبية في تصميم الموقف منهم كانوا أيضاً ضحايا مشاعر ظلامية بل وفاشية أحياناً أيضاً. لقد أحب الإسرائيليون المستوطنين الذين ألحقوا أضراراً أكثر مصيرية بهم، وكرهوا الحريديين.
عرب إسرائيل مكروهون، مقصيون، مميز ضدهم، مظلومون، مهانون ومنبوذون أكثر بكثير. بخلاف الحريديين، اشتبه بهم أيضاً على نحو دائم كطابور خامس، يتآمر على شخصية الدولة ويتطلع إلى تخريبها من الداخل. وكان إخلاصهم موضع شك، ولم يعترف بمساهمتهم للمجتمع وسدت طريقهم واشترطت حريتهم. هم ضحايا واضحون لنزعة القومية المتطرفة والعنصرية المغروسة عميقاً في الدولة.
في أعقاب كورونا كانت هناك حاجة إلى إعادة تنظيم علاقة المجتمع بهذه التجمعات السكانية وتقديرها. هذا هو الوقت للبدء، لإجراء حساب متشدد مع الحريديين على سلوكهم السائب وعديم المراعاة والتغيير الجذري للموقف تجاه العرب بفضل مساهمتهم.
إذا ما ظهر طابور خامس في هذه المعركة فإنه الطائفة الحريدية، مع كل التعميمات المرافقة لذلك. لأول مرة في تاريخها، سلوكها يقوض شخصية المجتمع ويلحق به ضرراً عظيماً. فالتحلل التام لجماعات واسعة في هذه الطائفة من العبء، وتعالي الحريديين على باقي الإسرائيليين: تجاهلهم الفظ والوقح بأزماتهم، ومصاعبهم ومعاناتهم، ووضعهم في مكان جديد في المجتمع. وحتى من كن لهم عطفاً واحتراماً واعتقد بأن الموقف منهم غير نزيه ومثير للحفيظة، لم يعد بوسعه أن يتجاهل سلوكهم المعيب. هكذا يبدو الطابور الخامس. هكذا تتصرف طائفة لا تراعي أحداً غير ذاتها، واحتياجاتها، ومعتقداتها وجنوناتها. الحريديون سيدفعون ثمناً على ذلك. ولن ينسى الإسرائيليون بسرعة سلوكهم بذور الكراهية التي زرعها الحريديون الآن خلقت بأيديهم وضعاً لن توافق فيه الأغلبية بعد اليوم على مواصلة قواعد اللعب السابقة. فغياب التضامن يجب أن يترافق وشارة ثمن. إدارة ظهورهم للمجتمع يجب ألا تنسى في ظل تعريض حياة وصحة الكثيرين للخطر. وهذا لن يحصل في يوم واحد، ولكنهم سيشتاقون للواقع الحالي. فالكراهية تجاههم ستتعاظم وتتفجر.
بالمقابل، يجب أن تكون هذه هي الساعة الجميلة للطائفة المقصية والأكثر ولاء، عرب إسرائيل. هذه الطائفة تصرفت في البداية بشكل معيب وفاشل في ضوء الوباء. في ظل التجاهل الفظ للقواعد والاحتياجات، ولكن مع مرور الزمن صحت وغيرت الاتجاه. بعد أشهر كانت فيها معدلات الإصابة في الوسط العربي تشبه تلك لدى الحريديين، تعلموا الدرس وشبهوا معدلات الإصابة بالمتوسط القطري. هذا هو زمن الاعتراف بالإصلاح الذي أجروه في موضوع كورونا بل ولتقدير مساهمتهم المبهرة في الحرب ضده. هذا ليس طابوراً خامساً، هذا طابور أول أو ثانٍ. بسبب مساهماتهم الأخرى للمجتمع وللاقتصاد التي يضيق المكان عن تفصيلها، على الإسرائيليين اليهود الرجوع عن موقفهم الناكر للجميل تجاههم.
في لحظة تلفزيونية نادرة ومثيرة، استضاف عراد نير هذا الأسبوع في أخبار 12 طبيبَي كورونا من مستشفى “هعيمق” في العفولة، وشهد اسماهما على انتمائهما الوطني: د. نائل بشارات، ود. إيهود باز، وتجادلا على شدة الوباء. لم يكن لاصطلاح المساواة بين اليهود والعرب تعبير أجمل من هذه اللحظة التلفزيونية الساحرة. فمن يدري لعلها تبشر ببداية التغيير.
بقلم: جدعون ليفي
هآرتس 8/10/2020