“اتخذناها نموذجاً لجنوب لبنان”: هكذا يقرر الجيش الإسرائيلي تحويل قرية فلسطينية بكامل سكانها إلى منطقة تدريب عسكري

حجم الخط
1

كل القصة باختصار: عشرات الجنود يقتحمون ليل قرية فلسطينية هادئة، سكانها نائمون، لإجراء تدريب لبضع ساعات بين بيوتها. لم يدخلوا بيتاً ولكنهم كانوا يتجولون مسلحين في الساحات والشوارع. يتلصصون على البيوت ويثيرون ذعر سكان القرية. لم يكن الجيش الإسرائيلي في أي يوم يخطر بباله التصرف بهذه الصورة في إحدى المستوطنات المجاورة؛ تدريب ليلي في مستوطنة “مشيخوت” أو تدريب على القتال في منطقة مأهولة في “محوله”، وبدون ترخيص وتنسيق مسبق. ولكن كل شيء مسموح في قرية فلسطينية، وليل سكانها مستباح كنهارهم.

   سبق الجيش الإسرائيلي وتعهد خطياً بوقف التدريبات في هذه القرية، لكن الجنود عادوا مرة أخرى في الأسبوع الماضي. مقابل القرية، أقام الجيش الإسرائيلي على أراضيها الخاصة المصادرة قرية بين أشجار الزيتون المتروكة تشبه القرى الفلسطينية التي فيها تدرب على القتال في منطقة مبنية. ولكن أحياناً يجب كما يبدو إجراء تدريبات على غرف أولاد مكتظة وحية، وعلى غرف نوم بصورة تثير الرعب. وهذا ما حدث ليل الثلاثاء الماضي في القرية الفلسطينية الصغيرة والمميزة “عقبة” الواقعة على سفح التلة التي تطل من الغرب على شمال غور الأردن.

الغور منطقة تدريب كبيرة، مكعبات إسمنت تحذر من وجود منطقة نيران، تزين كل مدخل إلى تجمع رعاة، ولكنها أقيمت من أجل طردهم من هناك. تقع عقبة في الجزء الجنوبي من منطقة النيران 900 أ، غرب ما كان ذات يوم قاعدة تدريب لوائية لسريتين للمظليين، والتي كانت تعمل بين الأعوام 1983 و2003. وقبل أربع سنوات من إزالة هذا المعسكر، قرر الجيش قواعد سلوك في المكان.

رسالة بتاريخ 18/7/1999 موقعة من الرائد فيرد يتسحاقي، من قيادة مركز التنسيق لقيادة الوسط، لا تترك أي مجال للشك. “الموضوع: خربة العقبة – تعليمات للتدريب”. أرسلت الرسالة للمستشار القانوني لمنطقة يهودا والسامرة، بعد أن هددت جمعية حقوق المواطن بالالتماس للمحكمة العليا بشأن التدريبات في القرية، وتتضمن عشر تعليمات واضحة وقاطعة للجنود. البند د، مثلاً، ينص على “يسري حظر على الحركة بين البيوت”. أفلام فيديو قصيرة صورها السكان في الأسبوع الماضي، والشهادات التي سمعناها لا تترك أي مجال للشك: دخل الجنود إلى ساحات البيوت وتصرفوا فيها كما لو أنها كانت لهم، بخلاف واضح للتعليمات.

صدرت هذه التعليمات بعد أن كان الجيش في تدريباته العديدة ولمدة طويلة، حيث تدرب بين بيوت القرية وترك خلفه على أراضيها بقايا قذائف وذخيرة. في عقبة ومحيطها قتل طوال السنوات 16 شخصاً، بينهم أطفال، وأصيب حوالي 50 شخصاً نتيجة لما تركه الجنود خلفهم. ودخل الجيش الإسرائيلي أيضاً طوال السنوات إلى القرية بدبابات وبمعدات ثقيلة أخرى، وكان هذا للتدريب أيضاً. يبدو أن هذا الدخول لم يتوقف يوماً ما. وشاهدنا في هذا الأسبوع وحدتين للجنود تتدرب في المنطقة.

         

مثل قرية فنانين

قرية عقبة غريبة في المشهد، فهي ليست تجمعاً للرعاة، بل قرية خلابة وفريدة في نوعها، مع بيوت ملونة ومبنية جميعها في مناطق “ج” ويترأسها شخص لا يقل روعة هو سامي صادق. منذ العام 1971 وهو يجلس على كرسي متحرك، بعد أن أطلق الجنود النار عليه وأصيب بالشلل إلى الأبد، حيث كان في أراضي عائلته وبعمر 16 سنة. شخصيته المتجولة بين بيوت القرية على الكرسي الكهربائي المتحرك والكوفية الأبدية على كتفيه، واللغة العبرية التي يتحدثها بطلاقة وعلاقاته الدولية الواسعة، كل ذلك يعطيه مكانة خاصة.

اختار الجيش الإسرائيلي أن يتدرب في القرية غير الصحيحة. هو يفعل ذلك كأمر روتيني في قرى فلسطينية أخرى، لكن رئيس المجلس المخضرم، صادق، لن يصمت على ذلك. فقبل خمس سنوات شق طريقاً للوصول إلى القرية بطول كيلومتر وسماها “طريق السلام” (الجيش الإسرائيلي قام بتخريبها ثلاث مرات). والآن يبني برجاً كبيراً للمياه في وسط القرية النظيفة، التي تظهر مثل قرية فنانين بسبب الرسومات على الجدران فيها، والبرج الذي يرتفع مثل برج مراقبة لمطار خيالي، سور وبرج في عقبة.

أزهار الأوركيد تزهر في الطريق إلى عقبة، وكانت هناك ثعالب تتجول في حقولها. يعيش في القرية 400 نسمة وهناك 270 ولداً يأتون كل يوم من تياسير المجاورة؛ للدراسة في المدرسة المزخرفة. لا تعترف إسرائيل بوجود القرية، وفي سجل السكان سكانها مسجلون كسكان قرية تياسير. رئيس المجلس مسجل كأحد سكان أريحا، وحلمه أن يسجل في قريته. “كل العالم يعرف عقبة، سوى حكومة تل أبيب”، قال صادق وهو على كرسيه في ساحة المجلس. الجيش الإسرائيلي يحرص على تسمية القرية في وثائقه “خِربة العقبة” أو “خُربة العقبة”.

لقد كنا في القرية في 2017 بعد أن كان الجيش الإسرائيلي يتدرب بين بيوتها. في كانون الأول 2016 دخلت دبابات ومدرعات أخرى إلى القرية، مرت قرب البيوت والمسجد الجديد ذي المئذنتين، ودبوا الرعب، وكل ذلك كان لغاية التدريب. المتحدث بلسان الجيش قال لنا في حينه: “التدريب الذي يدور الحديث عنه لا يتناسب مع المطلوب. بناء على ذلك، سيتم استخلاص العبر”.

         

       الجنود قادمون

إن تطبيق العبر لم يطل. مساء الثلاثاء الماضي حيث معظم السكان نائمون في بيوتهم، تجول صادق على كرسيه المتحرك بين البيوت وعدداً من أصدقائه. كانت الساعة حوالي التاسعة والنصف عندما اتصل به سكان الخيام التي تقع على مدخل القرية وأبلغوه عن قوة كبيرة من الجنود تتقدم نحو المكان. بعد بضع دقائق تدفق المزيد من المكالمات الهاتفية لصادق. أبناء عائلة مروان وجمال، الذين يعيشون في مدخل القرية أبلغوا بأن الجنود دخلوا إلى ساحات بيوتهم وهم يتجولون هناك. سارع صادق في الوصول.

 حاول أن يشرح للضابط الذي كان هناك بأن هناك تعليمات واضحة بعدم القيام بتدريب بين بيوت القرية (العقبة). وقد أراد أن يحضر له نسخة من القرار المحفوظ في مكتبه. ولكن الضابط قال: “أصدقك”. التصديق شيء والفعل شيء آخر. تواصل التدريب دون توقف. لقد أزعج السكان أن الجنود نظروا من نوافذ البيوت إلى ما يحدث فيها ومسوا بخصوصيتهم، وتجولوا قرب النوافذ. فيلم فيديو قصير صوره أحد السكان يظهرهم وهم يقتحمون ساحة أحد البيوت. وعدم دخولهم أي بيت لا يدل على أن الأمر كان متعلقاً بتدريب أو أي نشاط عملياتي معين.

اتصل رئيس المجلس مع عارف ضراغمة، باحث من “بتسيلم” في المنطقة، الذي يشغل رئيس المجلس الإقليمي شمال الغور بصورة تطوعية، وهذا سارع إلى القدوم. قال ضراغمة في هذا الأسبوع بأنه عندما وصل إلى القرية سمع صوت انفجار وشاهد قنابل مضيئة تضيء سماءها. وقال ضراغمة إن ما يقلق سكان المنطقة من تدريبات الجيش الإسرائيلي هو في المقام الأول ما يتركه الجنود خلفهم، الذخيرة والأشياء المتفجرة. قال صادق إن الحاكم العسكري قال له ذات مرة قبل سنوات كثيرة: “العقبة نموذجنا لجنوب لبنان، لذلك نريد أن يتدرب الجنود في العقبة”. ليلة اقتحام الجنود في الأسبوع الماضي، قالت له ابنة شقيقته الصغيرة: “قل للجنود بأن يعودوا إلى أمهاتهم”. معظم الجنود دخلوا سيراً على الأقدام (بدون كمامات كورونا، لمن يتساءل). ولكن سيارتين عسكريتين دخلتا أيضاً إلى القرية. وفي منتصف الليل تقريباً استكملت المهمة وغادر الجنود المكان.

قال المتحدث بلسان الجيش للصحيفة هذا الأسبوع بأن “الموضوع يتم فحصه والتحقيق فيه من قبل المستوى القيادي. بخصوص ارتداء الكمامات، ثمة موافقة على تدريبات من هذا النوع، خصوصاً التي تشمل مجهوداً بدنياً كبيراً، وفقاً لتعليمات الجيش الإسرائيلي، مع الالتزام بكبسولات وبدون ارتداء كمامات”. في 2017، بعد الاقتحام السابق، سألنا المتحدث متى كانت آخر مرة تدرب فيها الجنود في ساحات بيوت المستوطنات في المنطقة؟ تجاهل المتحدث السؤال. ولم نسأل هذا الأسبوع.

بعد ذلك ذهبنا إلى قرية “خلة جمعة الصورية” التابعة للجيش الإسرائيلي، التي تنتشر بيوتها على سفح الجبل الواقع مقابل العقبة. المشهد مجنون، عشرات مباني الباطون المسلح، تم تفجير وقصف معظمها أو أطلقت النار عليها، أشكال كرتونية لجنود بينها، وكذلك بقايا علب وجبات قتالية، صناديق ذخيرة وعشرات العلب الفارغة من 20 رصاصة من عيار 5.56 ملم لتدريبات الفريق الأحمر. ثقوب كبيرة فتحت في معظم الجدران، البيوت شبه خربة، مبنى واحد مكون من ثلاثة طوابق يشرف على القرية الصورية ومكتوب عليه: “مبلل”، بقايا جيب أو سيارة عسكرية تحطمت على الصخرة، محاطة بسياج. “ياسر” كلمة مكتوبة على أحد البيوت المقصوفة.

بقلمجدعون ليفي

هآرتس 9/10/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول جلّاد الظالمين:

    لن ينتصروا على المقاومة حتى ولو تدربوا في بنت جبيل وعيتارون وغزة وتحت إشراف قادة حماس وحزب الله، هؤلاء موعودون بالهزيمة والذلة والمسكنة وغضب الله والناس، وعلوهم إنتهى وهم الآن يتحضرون للعودة إلى الرخص والمذلة كما كانوا بسبب خبثهم ومكرهم!

إشترك في قائمتنا البريدية