عمان- «القدس العربي»: «الاقتصاد في التوقع»… تلك نصيحة تشخيصية للواقع المعقد في الأردن يحتاجها رئيس الوزراء الأردني الشاب والجديد الدكتور بشر الخصاونة في الوقت الذي يترقب فيه الجميع بالدولة ووسط الناس الخطوة التالية للحكومة الطازجة بعد ما يمكن وصفه بكسر الجرار خلف الحكومة السابقة، وخصوصاً على صعيدي «الوباء والاقتصاد».
استمعت «القدس العربي» لتلك النصيحة من خبير عميق، وتبدو في مكانها حتى لا تتورط الحكومة الجديدة في كلاسيكيات التهليل والترحيب ورفع سقف التوقعات، ما يساعدها بعد نشدان التوفيق من الله سبحانه وتعالى في التعامل مع الملفات الحارة وبصورة واقعية وشمولية وأفقية وبالتلازم والتزامن، كما يقترح خبير ووزير وبرلماني سابق من حجم الدكتور محمد الحلايقة.
نظرية للإخفاق والفشل
على طاولة الرئيس الجديد ملفات سريعة وحارة وحادة تحتاج إلى قرارات أسرع تحاول بث ولو القليل من الايجابية في المناخ المشحون، الأمر الذي تحرص عليه وبوضوح اليوم المؤسستان الملكية والأمنية، حتى تفلت الوزارة المكلفة بخطة سياق وطني تتعامل مع الأزمات الملحة بفعالية وسرعة.
ولا يملك الأردنيون فعلاً اليوم ترف الاسترسال برفع سقف التوقعات، وأسوأ ما يمكن أن يعيق الخصاونة وطاقمه الوزاري الجديد هو تحمله ما لا يحتمل من المسؤوليات والإغراق في المديح الإنشائي على حساب الواقع والوقائع، ليس فقط لأن المرحلة استثنائية فعلاً، ولكن لأن خطاب التكليف الملكي بالنص والتلميح تحدّث عن تلك المرحلة الاستثنائية، ولأن نظرية «التسكين» وتجنب المفاجآت أو الإصلاحات الواسعة قد تنجح في تمرير مجلس النواب الجديد بعد انتخابات مقررة تثير الجدل.
لكنها نظرية مؤهلة لكل أصناف الإخفاق والفشل إذا لم يلمس الناس، ومعهم مجسات القرار المركزي، خطة أو استراتيجية حقيقية واسعة تحتوي تراكم الألم الاقتصادي والاجتماعي، ومن المنطقي القول إنها تبدأ حصرياً من الإجابة عن السؤال التالي: .. كيف سيختار الخصاونة طاقمه الوزاري؟ ذلك سؤال مؤرق بالعادة في الحالة السياسية الأردنية. وينتهي بسؤال مستنسخ وقديم له علاقة بأزمة الأدوات، وبما يرى وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر أنها مفارقة مؤلمة سياسياً عندما يتعلق الأمر بتكديس القناعة في مستوى القرار بأن كلفة الإصلاح أعلى من كلفة عدمه أو عكسه.
توقفت «القدس العربي» مع المعشر وغيره من المنشغلين بالهم العام عدة مرات عند تلك المعادلة المتعلقة بالمسألة الإصلاحية. لكن في الأزمة الحالية التي فرضها الفيروس كورونا على الجميع، يبدو السؤال الإصلاحي نفسه تنميطاً له علاقة بالترف، فالمطلوب وفوراً استراتيجية احتواء للفيروس، وللتداعيات الاقتصادية والمعيشية تحديداً.
والمطلوب وفوراً من الساكن الجديد في مقرات الدوار الرابع، على الأقل وبالحد الأدنى، استراتيجية اشتباك سريعة تعتمد أولياً -حسب اقتراح رئيس غرفة تجارة عمان النشط خليل الحاج توفيق- على اتجاه معاكس لما لمسه الجميع في عهد الحكومة السابقة. الحاج توفيق وغيره من أركان المعادلة التجارية والاقتصادية وخبراء السوق والمجتمع يراهنون على التباين ويتصورون بأن أي استراتيجية جديدة تضعها الحكومة الشابة ستبدأ بصورة غير منطقية إذا لم تؤسس لحوارات معمقة على أساس الشراكة مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع الشرعية.
تلك شراكة «بح صوت» العديد من المؤسسات الأهلية والتجارية والاقتصادية لأكثر من 7 أشهر وهي تطالب الحكومة المستقيلة بها. وتصور الخصاونة الآن تجاه هذا النمط من الشراكة مسألة ملحة على الطاولة، لأن الرأي العام منشغل تماماً وبقلق بتداعيات الفيروس كورونا اليوم أكثر بكثير من الانشغال بما حصل في الأمس أو ما سيحصل غداً. وعلى المحك قضايا مفصلية وأساسية ومن بينها، بعد شكل ونمط التواصل مع قطاعات السوق والمجتمع، البحث جدياً في «ضخ الأموال» والنقد في السوق المحلية، فالمقولة التي رفعها المخضرم سمير الرفاعي من بداية أزمة كورونا لا تزال ماثلة في الأذهان عندما قال بأن «الدينار في يد المواطن اليوم أفضل منه في جيب الحكومة». استمعت «القدس العربي» لتقييم يساند ضمنياً هذا الرأي من وزير المالية الدكتور محمد العسعس، لكن مستويات الاستجابة في الحكومة السابقة لم تكن ضاغطة باتجاه «ضخ سيولة» حقيقية في الأسواق يفترض أن تنعكس إيجاباً على الخزينة للدولة.
3 مستويات
لا يريد الخبراء مثل الحاج توفيق أو غيره تعويضات مالية مباشرة من خزينة مرهقة أصلاً، لكن الحديث عن برنامج في التسهيلات والاقتراض من البنوك يحرك النقد وسط القطاعات ودون مجازفات، وتعود سلباً على المؤسسات المالية والمصرفية. تلك، وبعيداً عن ترفيّات المناداة بالإصلاح السياسي وشقيقاته، مسألة ملحة يفترض أنها أولوية على طاولة الخصاونة وستحسم بنوعية الوزير الذي سيستعين به لإدارة اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء. ثمة ما هو ملح أيضاً ويحظى بالأولوية بالنسبة للقصر الملكي وللشارع أيضاً، فعلى طاولة الخصاونة، وبإلحاح شديد، حاجة موضوعية لاستراتيجية اشتباك فعالة مع الفيروس والوباء، وينبغي -حسب الخبراء- أن تتضمن ثلاثة مستويات من العمل على الوبائيات بدلاً من الوقوف عند محطة لجنة وبائية وطنية فقط يسيطر عليها وزير واحد، كما يسيطر على مجلس الوزراء أيضاً.
تطوير آليات مراقبة الوباء ورصده وقراءة منحنياته ثم وضع بروتوكولات العلاج محطة لا بد منها، حسب ما سمعته «القدس العربي» من عضو مجلس الأعيان والمختص الأبرز في البلاد بصحة الغذاء والدواء الدكتور هايل عبيدات، الذي يدعم الاستعانة بخبرات المختصين.
ملف الوباء يفترض أن يدار بطاقم من المهنيين والفنيين على المستوى الميداني، لكنه أصبح اليوم وقياساً بمعادلة الأمس والغد ملف سياسي بامتياز يحظى بكل الأولويات، بدلالة أن خطاب التكليف الملكي للخصاونة تحدث في معظمه بالنص عن صحة المواطن الأردني.
هذا التنميط في الأولويات يبدل ملامح كل الخطط والحكومات. وما يمكن الاطمئنان إليه اليوم أن «خطة ما» وضعت أصلاً بحضور رئيس الوزراء الجديد خلف الستارة وفي غرف العمليات قبل تشكيل الحكومة.
وفعالية هذه الخطة مرتبطة الآن بالمستوى التنفيذي وباختيار الكفاءات وبتجميد مقولة «الإعلاء من شأن الولاء على حساب المهنة»، فتلك مثل الإصلاح السياسي المتشدد فكرة «ترفية» لا وقت لها مع الأزمة.
لذلك حصرياً، يمكن القول بأن الاقتصاد في التوقع مع الخصاونة قد يكون النصيحة الأمثل وفي وقتها، فعلى المحك الوباء والصحة والاقتصاد أولاً وقبل أي ملفات أخرى، بمعنى أن المطلوب منظومة إجراءات وقرارات اليوم تبني على ما حصل بالأمس ولا تتوقع كثيراً عند ترف الغد السياسي.