التطبيع مع إسرائيل يزيدها عنصرية

بعد تطبيع كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل والحديث المتواتر عن تسارع عجلة التطبيع الرسمي العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، تبرز أسئلة ملحة حول آفاق العنصرية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.

تفاقم العنف

لم يمر يوم بعد تطبيع الإمارات والبحرين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي دون أن تطالعنا وسائل الإعلام الإسرائيلية بنبأ حول إصرار حكومة نتنياهو على ضم مساحات واسعة من منطقة الأغوار الفلسطينية، جنباً إلى جنب مع استمرار النشاط الاستيطاني في عمق الأراضي الفلسطينية وارتفاع وتيرة العنف ضد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، فضلاً عن تفاقم العنصرية الإسرائيلية تجاه الأقلية العربية في الداخل الفلسطيني لفرض «يهودية دولة الاحتلال» بعد جعل حياتها هامشية في كل مناحيها، إضافة إلى النشاط الاستيطاني للسيطرة على مزيد من الأراضي في الجليل والنقب والمثلث.

قانون القومية

ومن أخطر القوانين الإسرائيلية العنصرية الصادرة «قانون القومية» الذي قدّم مشروعه عضوا «الكنيست» السابقين زئيف إلكين (من الليكود) وأيليت شاكيد (من البيت اليهودي) وبذلك تكون «إسرائيل» قد قوننت فكرة يهوديتها.
وفي سباق مع الزمن تسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى تهويد ما تبقّى من أرض في حوزة الفلسطينيين داخل «الخط الأخضر» وفي مدينة القدس أيضاً.
وتبعاً لذلك لم يعد مصطلح «يهودية دولة الاحتلال» مجرد فكرة، حيث تسعى المؤسسات الإسرائيلية المختلفة إلى تنفيذ مخططات لتهويد كل مناحي الحياة داخل «الخط الأخضر» والقدس.
فكرة يهودية دولة الاحتلال التي كانت دائماً إحدى ركائز الفكر الصهيوني، وبغض النظر عن أن درجة هذه اليهودية وبعض مضامينها كانت مثار جدل بين تيارات معينة في الحركة الصهيونية، إلا أن الزخم الكبير لهذه المقولة التي أصبحت مقوننة، خاصة بعد تبوؤ نتنياهو سدة الحكم في دولة الاحتلال، إنما ينطوي على أبعاد مهمة وجوهرية، وفي المقدمة منها نفحات عنصرية ضد الأقلية العربية داخل «الخط الأخضر» واللاجئين الفلسطينيين في أماكنهم المختلفة، سواء داخل فلسطين التاريخية أو في المنافي القريبة والبعيدة.

انهيار الجدران

في محاولة لتهويد ما تبقى من أراضٍ بحوزة الأقلية العربية داخل «الخط الأخضر» وضعت السلطات الإسرائيلية مخطّطات لتهويد منطقة الجليل والحدّ من التركز العربي فيها، وذلك عبر أسماء مختلفة، مثل ما يسمى مشروع تطوير منطقة الجليل، ومشروع نجمة داود لعام، هذا إضافة إلى ظهور مخطّطات للحدّ من التركز العربي في منطقة النقب التي تشكل مساحتها خمسين في المائة من مساحة فلسطين التاريخية. من تلك المخططات مخطط «برافر» الذي يسعى إلى مصادرة 800 ألف دونم، وتجميع عرب النقب البالغ عددهم نحو 200 ألف نسمة في مساحة هـي أقل من 100 ألف دونم، أي على أقل من واحد في المائة من مسـاحة صحـراء النقب في جنوب فلـسطين المحـتلة.
واللافت أنه خلال السنوات القليلة الماضية استصدرت الحكومات الإسرائيلية رزمة قوانين للسيطرة على مزيد من الأراضي المتبقية بحوزة الفلسطينيين، ناهيك عن استصدار قوانين من شأنها تعزيز فكرة «يهودية إسرائيل».
ومن أخطر تلك القوانين أيضاً قانون الجنسية وقانون النكبة الذي يحظّر على الأقلية العربية إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، فضلاً عن قوانين تمنع التزاوج بين أفراد من الأقليّة داخل «الخط الأخضر» مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك بغية الحد من التواصل الديموغرافي.

المواطنة والولاء

ولم يكن قانون «المواطنة والولاء» الذي يفرض على الأقلية العربية الاعتراف، من خلال القسم بـ«يهودية دولة الاحتلال» قبل الحصول على الجنسية الإسرائيلية أقلّ خطورة من القوانين والقرارات العنصرية المشار إليها.
وتكمن أخطار تلك القوانين التهويدية التي تسارعت وتيرة صدورها، بتداعياتها المستقبلية الخطيرة على وجود الأقلية العربية.
في ظل تراجع الخطاب العربي حول الحقوق الفلسطينية وتسارع عجلة التطبيع الرسمي مع دولة الاحتلال، سترتفع وتيرة النشاط الاستيطاني في عمق الضفة الغربية وخاصة في مدينة القدس، كما سيزيد الضغط الإسرائيلي بكافة أشكاله على الشعب الفلسطيني وخاصة على الأسرى الفلسطينيين في سجون الجلاد الصهيوني، الأمر الذي يتطلب الكشف عن المستور من السياسات الإسرائيلية وأخطارها، بالاعتماد على خطاب فلسطيني موحد ومدروس، حيث يعتبر مجرد استمرار الوجود المادي الديموغرافي للأقلية العربية في أرضها وفي الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس وقطاع غزة رصيداً ديموغرافياً ووطنياً له دلالة مباشرة على الهوية العربية لفلسطين التاريخية. حيث لم تفلح المحاولات الحثيثة لترسيخ فكرة «يهودية دولة الاحتلال» في الجانب الديموغرافي، وسيصبح الفلسطينيون غالبية في وطنهم التاريخي فلسطين بحلول عام 2030 وفق ما أشارت إليه دراسات فلسطينية وإسرائيلية على حد سواء.
ولهذا ستسعى دولة الاحتلال إلى فرض الأمر الواقع التهويدي عبر قلب الميزان الديموغرافي لمصلحة تطلعاتها التهويدية، التي أوصت بها مراكز البحث الإسرائيلية، وكذلك توصيات مؤتمرات هرتسليا المنعقدة خلال الفترة (2000-2019).
ويمكن الجزم أن ثمة جدرانا عنصرية ستنفذها دولة الاحتلال قد تكون أخطر من تلك الإسمنتية، مستغلة الانحياز الأمريكي المطلق وتسارع عجلة التطبيع العربي، لكن مع استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني وقواه الحية ستنهار كل الجدران الإسرائيلية التهويدية العنصرية.

كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية