مهما كانت شاشات الأخبار التي نذهب إليها في يومياتنا، فلا مفر من أن تمرّ بنا صور للقيصر الروسيّ فلاديمير بوتين. سواء أكان الحديث بشأن قمّة دوليّة أخرى، أو دور روسيّ مزعوم في التأثير على نتيجة الانتخابات الأمريكيّة، أو عن محاولة اغتيال معارض روسيّ في ألمانيا، أو توتّر مستجد في العلاقات الروسيّة – البريطانيّة، أو تطور طرأ على الأزمة السوريّة أو تحليل للموقف الروسيّ من مظاهرات المعارضة في بيلاروسيا، أو – كما أخيراً – استجلاء استجابة الكرملين لناحية تجدد الصّراع بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه منذ عقود.
ومع ذلك فإن أغلب التّصورات التي تطرحها وسائل الإعلام العالميّة عن شخصيّة الرئيس الروسيّ، الذي يلّقب بالقيصر الجديد – استعادة لأمجاد أسرة رومانوف أيّام الإمبراطوريّة الروسيّة قبل ثورة 1917 – تبدو مبالغاً بها ومتخمة بسوء الفهم المتعمّد، سواء من قبل منظومة الإعلام الغربيّ المحكومة بكثير من مترسبات بارانويا الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي المندثر منذ ثلاثة عقود، أو على المقلب الآخر من قبل أجهزة الدّعاية الروسيّة والإعلام الذي يديره الكرملين مباشرة.
عند اللّحظة صفر
من هنا تحديداً تأتي القيمة الاستثنائيّة للفيلم الوثائقي «شاهد بوتين – Putin Witnesses – 2018» (107 دقائق) آخر إنتاجات صانع الأفلام الرّوسي (المنفيّ اختياريّاً) فيتالي مانسكي، والذي يؤرخ لمراحل حكم بوتين الأولى، متتبعاً مسار صعوده إلى السلطة من خلال صورة أرشيفية نادرة، وهو يتقدّم باضطراد من مجرد نائب لرئيس الوزراء إلى أحد أقوى زعماء العالم، وملقياً الضوء على أسس منهجيته في السيطرة على روسيا لعقدين تاليين.
الصورة في «شاهد بوتين» منسوجة من خلال تجميع لأرشيف أفلام فيديو خاصة حميمة ونابضة بالحياة، طازجة وكأنها خرجت للتو من عدسة الكاميرا، التقطها مانسكي بصفته (شاهد عيان) خلال أيام انتقال السلطة من بوريس يلتسين أوّل رئيس لروسيا بعد تداعي الاتحاد السوفيتيّ السّابق إلى خليفته بوتين، وكان مانسكي خلالها يتولى إدارة قسم الوثائقيّات في التلفزيون الحكوميّ الروسيّ.
ومن الواضح أن الفيلم الذي عرضت نسخة مدبلجة منه إلى العربيّة حصريّاً على شاشة «الجزيرة» الوثائقيّة (بداية من 24 الشهر الماضي) ليس مجرد سجل ثمين وغنيّ يسمح للمتلقي العادي بمعاقرة أجواء صناعة التاريخ الحديث لروسيا، بل وأيضاً نوع من جردة حساب ذاتيّة لرجل كان يعدّ موثوقاً ليقضي بكاميراته ساعات طوالاً في جوار قيادات الكرملين ذاتها التي يعارضها الآن ويعيش وحيداً في منفاه بجمهوريّة لاتفيا، بعيداً عن أيدي أجهزة استخباراتهم الطويلة.
وبينما يصل «شهود بوتين» إلى الجمهور المتحدّث بالعربيّة الآن، فإن الروسّ وحدهم يستعصي عليهم مشاهدته فيما هم الأكثر حاجة إليه اليوم.
ويظهر فيه في شخصياتهم الحقيقيّة إلى جانب بوتين كل من ميخائيل غورباتشوف – آخر رئيس سوفياتيّ، وبوريس يلتسين – أوّل رئيس روسيّ، بينما يؤدي مانسكي دور الرّاوي.
مانسكي كان صنع اسمه في الغرب مع فيلم «تحت الشمس Under The Sun– 2015» الذي صوّره بالسرّ في كوريا الشماليّة، تحت غطاء تصوير فيلم دعائيّ، كاشفاً عن مناحٍ من البروبوغاندا التي تقوم بها سلطات بيونغ يانغ. وبالطبع فإنه لا يجرؤ الآن على العودة إلى موسكو أو لبيونغ يانغ.
لكن على العكس من الخدعة، التي اضطر لتنفيذها في «تحت الشمس» فإن «شهود بوتين» بأكمله مستلّ من مكتبته الخاصة في المواد الأرشيفية ومعظمها صُوّر في لحظة قلقة من تاريخ روسيا المعاصر 1999-2000 عندما كان يصنع ثلاثيته من الوثائقيّات عن قيادات الكرملين بعنوان «القياصرة الحمراء: رؤساء روسيا».
مانسكي (وزوجته) أيتام اليلتسنيّة
بالنسبة لمانسكي وبشكل أكبر زوجته ناتاليا (المنتجة التلفزيونية بدورها) والتي تظهر في الفيلم فإن «اليوتوبيا» التي عاشاها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي انتهت مع إعلان يلتسين استقالته من المنصب الأهم في روسيا ومن التاريخ معاً في 31 ديسمبر/كانون الأول 1999.
وبالطبع فإن إطلاق صفة «اليوتوبيا» على عقد التسعينيات في روسيا مبالغة تامّة بالنظر إلى الظروف الاقتصاديّة شديدة القسوة التي عاشها معظم أفراد الشعب خارج قصور النخبة أثناء رحلة الانتقال من النظام الاشتراكي إلى السوق الحرّ، لكنها مع ذلك كانت مرحلة مفعمة بالأمل الكاذب بتحوّل ذلك البلد في يوم وليلة إلى دولة من العالم الأوّل. ومع ذلك فقد انتهى الأمر بمانسكي إلى لعب دور فاعل في حملة بوتين الانتخابية، وأدار عمليات تصوير مشاهد يفترض أنها تلقائيّة للقيصر الجديد لغاية رسم صورة إنسانيّة محببة عن صاحب الوجه الرمادي المتجهم، وأنتج فيلماً وثائقياً برعاية الحكومة الروسيّة تم عرضه على شاشة التلفزيون الروسي أعطى من وراء الكواليس توثيقاً للأيام الأولى لبوتين في منصبه.
بوتين هنا ليبقى
يفتتح «شاهد بوتين» مع مقاطع فيديو منزليّة لعائلة رئيس الاتحاد الروسي، بوريس يلتسين، وهي تتابع بداية الألفيّة الجديدة، قبل أن يخاطب الرئيس الأمة في رسالة ليلة رأس السنة، ليستقيل بشكل غير متوقع. ويلتقط مانسكي هنا بحساسيّة شاهقة المشاعر الغريزية الخام لعائلة يلتسين القلقة في مواجهة الآتي الغامض.
يسجل الوثائقي لقطات لكوادر فريق لحملة بوتين الانتخابية وهم يحتفلون بفوز رئيسهم بالمنصب، ويستعرض سيرهم الذاتية الفردية، مشيراً إلى أن عدداً منهم انتقل لاحقاً إلى مربّع المعارضة السياسية فتم تخفيض رواتبهم أو نفيهم، أو سجنوا أو توفوا في ظروف مريبة للغاية، فيما يُقدّم يلتسين كشخصية أخلاقية مأساوية تورطت في هذه العملية الانتقالية، لا سيّما وأنّه كان بداية مؤيداً لخليفته، الذي اختاره من بين 20 اسماً قدمت إليه وقاد الاحتفالات بأنخاب الشمبانيا وقت تم تأكيد انتخابه خلفاً له في رئاسيّات عام 2000، قبل أن يكشّر الرئيس الجديد عن أنيابه مفتتحاً عهده بعدم قدرة يلتسين الوصول إليه حتى لتهنئته بالفوز ثم ليطعنه بعد عام بإعادة اعتماد نشيد الاتحاد السوفيتي السابق نشيداً وطنيّاً لروسيا، وهي لحظة أصابت يلتسين وقتها بالصميم. فيما يدافع بوتين عن قراره ببرود «لماذا يجب أن نربط ذلك النشيد بأسوأ جوانب التاريخ السوفيتي؟» قبل أن يضيف معلقاً «يجب اتخاذ القرارات دائماً لصالح الدولة، بغض النظر عمّا قد تتسبب به من ردود الأفعال» فيما تبوء معظم محاولات مانسكي للضغط على بوتين من زاوية المسائل الأخلاقية والأيديولوجية بالفشل فلا يتلقى سوى على إجابات معممة لا تغني من جوع على طراز «الديمقراطية والديمقراطيات أكثر مرونة وفعالية».
مهما يكن من أمر «شاهد بوتين» لناحية جرعة الانحياز ضدّ القيصر، فإنّه مع ذلك يبقى عملاً مهماَ في كل المقاييس، ولا شكّ أنّه بدبلجته إلى العربيّة وتوفيره على منصّة عالميّة الانتشار يلبّي حاجة ماسة عند الجمهور العربيّ إلى مواد وثائقيّة عصريّة حول خلفيّات الأحداث السياسيّة التي تعصف بعالمنا، وكبار اللاعبين فيه.
هناك الكثير مما يحدث في هذا الوثائقي – الوثيقة، وبرغم أنه قد يصعب على الجمهور العربي الأقلّ دراية بتفاصيل السياسة الروسية إدراك كل الأمور المطروحة على حقيقتها تماماً إلا أن الصورة الكليّة التي ينحتها مانسكي عن بوتين – بوصفه ميكافيلياً مهووساً بالسلطة – واضحة وضوح الشمس.
كما أن «شاهد بوتين» تذكير لهذا الجمهور بأنه وبرغم كل السخرية التي يلقي بها الإعلام الغربي جزافاً عن بوتين، فإن الرّجل يعرف تماماً كيفيّة التلاعب بمشاعر الجماهير، والتفكير استراتيجيّاً.
لا يطرح «شهود بوتين» في نهايته تصورات بشأن ما قد يحدث مستقبلاً بناء على الصورة التي رسمها مانسكي عن القيصر الجديد. لكن الأمر لا يحتاج إلى كثير من إعمال الفكر: بوتين باق هنا، ولن يغادر المنصب طوعاً.
٭ إعلامية وكاتبة لبنانية – لندن
كتبت مرات واعيد الاشخاس الدين لو بقوا بالحكم سيجرون اوطانهم لحرب يدمرون اوطانهم ثم يقالوا او يقتلوا ممن اعرفهم اولهم بوتين واردغان ومحمد بن سلمان ومحمدبن زايد وبشار الاسد ورئيس وزراء ارمينياالحالي رئيس افغانستان الحالي رئس وزراء الهند الحالي رئيس الصين الحالي لانهم لابرلمانات حقيقية تردعهم ولامجالس منتخبة حقيقية توقفهم عند تهورهم لهم مجالس صورية ولديهم الميول للسيطرة والتنمر على الاخر وحب الظهور وحب قهر الخصم بالقوة وعدم الرحمةبمن يخالفه ويقف امام طموحاته الشصية وشخصيته الاجرامية امام من يقف امام تحقيق اهدافه الشخصية التي يلبسها ثوب الوطنية