الرباط ـ «القدس العربي»: على الرغم من تفاقم الحالة الوبائية في المغرب بسبب تكاثر الإصابة بفيروس كورونا المستجد، استجابت السلطات المحلية لمطالب المجتمع المدني، فأجازت إعادة فتح المساجد التي بلغ عددها عشرة آلاف مسجد، وتوجه مئات الآلاف من المصلين، أمس، لأداء صلاة الجمعة، مراعين الشروط الاحترازية المطلوبة.
واشترطت السلطات ألا تفتح المساجد إلا ربع ساعة قبل الأذان، ثم تغلق فور الانتهاء من الصلاة، مع عدم السماح باستئناف الأنشطة الدينية ودروس الوعظ والإرشاد والكراسي العلمية ودروس محو الأمية فيها. وجرى تعقيم المساجد قبل وصول المصلين بساعات، كما اشترط على المتوجهين إليها ارتداء الكمامات الواقية وتعقيم الأيدي عند ولوجها، والحفاظ على التباعد، بالإضافة إلى الإبقاء على إغلاق أماكن الوضوء في المساجد، وغيرها من الإجراءات الرامية إلى تجنب انتشار العدوى.
إلى ذلك، ما زالت الأرقام المتعلقة بانتشار «كورونا» في منحنى تصاعدي، وإن بدا أن المواطنين أصبحوا يتعايشون مع الفيروس، خصوصاً مع ظروف التخفيف التي نهجتها السلطات في مجموعة من الأقاليم. وأفادت المعطيات الرسمية، مساء الخميس، بتسجيل 3317 إصابة جديدة، و2077 حالة شفاء، و46 حالة وفاة خلال 24 ساعة المنصرمة. وبذلك، رفعت الحصيلة الجديدة العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة في المغرب إلى 163 ألفلً و650 حالة منذ الإعلان عن أول حالة في 2 آذار/ مارس الماضي. كما ارتفع مجموع حالات الشفاء التام إلى 136 ألفاً و36 حالة، فيما بلغ عدد الوفيات 2772 حالة.
وفي الموازاة مع الحصيلة المؤلمة من الإصابات والوفيات، هناك تأثير آخر للجائحة يتمثل في تزايد عدد العاطلين عن العمل، ومن ثم ارتفعت أصوات مطالبة الحكومة بإقرار تعويض عن البطالة. ويشكل تخليد «اليوم العالمي للقضاء على الفقر» اليوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر مناسبة سانحة للنقابة العمّالية «الاتحاد المغربي للشغل» من أجل دق ناقوس الخطر حول واقع الطبقات الفقيرة. ففي بلاغ صادر عنها، عبرت عن قلقها بخصوص تردي الأوضاع التي رفعت من حدتها الأزمة الوبائية، حيث تسببت في فقدان آلاف العمال والعاملات لمناصب شغلهم، في ظل غياب منظومة للحماية الاجتماعية الشاملة، وطالبت الحكومة والسلطات العمومية بالحفاظ على مناصب العمل، وإقرار سياسات اجتماعية تستجيب لحاجيات وتطلعات المجتمع المغربي بكل مكوناته الاجتماعية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، والقوة المنتجة والقادرة على المساهمة في تعافي الاقتصاد الوطني والنهوض به.
الحق في الصحة
وظهرت مواقف مستغربة لقيام إدارة أكبر مركز استشفائي جامعي في الرباط (مستشفى ابن سينا) بإغلاقه في وجه جميع المرضى المتوجهين إليه، سواء للاستشفاء أو الجراحة أو التشخيص، باستثناء الحالات المستعجلة والحرجة، بسبب إصابة عدد من الكوادر الطبية العاملة فيه. وفي هذا الصدد، أصدرت «الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة» بلاغاً اعتبرت فيه أن هذا الإجراء «سابقة خطيرة في الميدان الصحي العمومي، وعملية تهدف وبشكل علني إلى توجيه المرضى للمصحات الخاصة، وحرمان أعداد كبيرة من المرضى الفقراء والمعوزين الدين لا يتوفرون على إمكانيات من الاستشفاء والعلاج أو متابعته لدى أطبائهم في المستشفى وتأخير العمليات الجراحية والتشخيص الضروري لمعرفة نوعية المرض وخطورته على حياة المواطن أو الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة كالسرطان والقلب والشرايين والضغط الدموي والسكري ومضاعفاته والتهاب الكبد وأمراض الجهاز التنفسي المهددين أكثر من غيرهم بمرض كوفيدـ19 إذا لم يتم علاجهم وحمايتهم وتقوية مناعتهم». وأكدت الشبكة أن هذا القرار يعتبر تهديداً للصحة العامة ويفرض قيوداً على الحق في الصحة وولوج العلاج دون تمييز ويتنافى كلية مع الدستور المغربي، ومع توصيات منظمة الصحة العالمية بخصوص الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة والفئات الفقيرة والمعوزة. ودعا علي لطفي، رئيس الشبكة، وزير الصحة إلى توقيف «العبث» بصحة المواطنين عبر منع المرضى من ولوج أكبر مؤسسة استشفائية بالمغرب واتخاذ إجراءات عاجلة لإلغاء هذا «القرار التمييزي».
وفي قراءة لمعطيات الحالة الوبائية، يرى البروفيسور مصطفى الناجي أن المغرب ـ على غرار باقي دول العالم ـ يعيش الموجة الثانية من الفيروس، وهو ما تعبر عنه الأرقام المرتفعة من الحالات الجديدة اليومية، فضلاً عن الارتفاع المطّرد للحالات الحرجة.
وقال في تصريح صحافي: «أصبح المغرب يتجاوز 3000 حالة في اليوم، مع استمرار ارتفاع الحالات الحرجة والوفيات، وهذا تماماً ما يحدث في فرنسا التي باتت تسجل 27 ألف حالة يومياً، ثم الهند وأمريكا وغيرها، أي أن هذا الفيروس ما يزال معنا وما زال يحصد الأرواح بتعنت كبير».
ولفت الباحث منير الحردول الانتباه إلى «الزحف المخيف للوباء وتناسل الإصابات المؤكدة بالفيروس المستجد، وما يصاحب ذلك من صعوبة في حصر أعداد المخاطين الذي أصبحت طريقة مراقبتهم تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، في ظل بروتوكول صحي أجاز العلاج في المنازل مقابل التزام كتابي بالحجر المنزلي». ويبدو أن هذا البروتوكول ـ في اعتقاده ـ أساء التقدير بحكم عدم ضمان الالتزام به من قبل المصابين بالفيروس، وهو ما يفسر تزايد الإصابات اليومية التي بدأت تتخطى الثلاثة آلاف، ناهيك عن ارتفاع غير مطمئن للوفيات بهذا الوباء الذي يزداد غموضاً، خصوصاً بعدما شرعت دول الشمال، البلدان الأوروبـــية في تسابق مع الزمن بغية فرض حالة الطوارئ والإغلاق والحظر من جديد، خوفاً من اكتساح محتمل لموجة فيروس ثانية، قادرة على خلخلة منظومتها الصحية التي توصف بالصلبة.
وتساءل في قراءة تحليلية نشرها في صحيفة «أخبارنا» الإلكترونية عن مدى فعالية الاستراتيجية التي ما زالت تتمسك بها وزارة الصحة والمتمثلة في السماح للمصابين بالبقاء في منازلهم، ملاحظها أنها استراتيجية ـ على ما يبدو ـ انحرفت عن مسارها بعدم التزام البعض، بالإضافة إلى الاستهتار الواضح بمختلف الإجراءات الصحية الصارمة التي أصبحت تميل للعادية عند غالبية من لا يبالي بخطر قد يعصف بالجميع.
ضغط على الصفوف الأمامية
وسجل الباحث الحردول وجود ضغط كبير على الموجودين في الصفوف الأمامية ممن يسهرون ليل نهار على التصدي لهذه الجائحة التي يُجهل لحد الآن المسار الذي سوف تتخذه مستقبلاً، في ظل غياب دواء فعال أو علاج ناجع، رغم سماعنا لأخبار مثيرة متواترة هنا وهناك، حول التوصل للقاحات واعدة، لكن غير مضمونة العواقب مستقبلاً على جسم الإنسان الهش، وفق تعبيره.
وقدم مقترحات لخصها في مراجعة البروتوكول الصحي الجديد الذي يوصف بالبديل عن ارتفاع حالات الإصابات، وتعويضه باللجوء لردة فعل عنوانها بداية فرض حظر للتجول الدوري، لمدة محددة على المناطق الموبوءة لمدة 15 يوماً قابلة للتجديد، لكن بعد تنظيم محكم، وتزويد جميع الأسر والأفراد بالحاجيات الغذائية والطبية الضرورية، للمكوث في منازلهم في فترة الحجر الحـــظري، مع الإعفاء من واجب أداء فاتورتي الماء والكهرباء في هذه الفترة، والتوعية القبلية لهذه الإجراءات بواسطة الآلة الإعلامية الرسمية للاستعداد لتقبل هذا النوع من الإقامة الجبرية، كحل موضوعي قادر على محاصرة الفيروس، وضبط المصابين، وسهولة الوصول إليهم، في فترة الحظر الشامل، هذا الحـــظر رغم صعوبته لكن من المحتمل أن يساهم في لــجم بعض مظاهر الاستهتار بالإجراءات الاحترازية العديدة، في المقابل يسمح بعودة الأنشطة الاقتصادية والخدماتية المتنوعة للحياة، ما دامت مدة هذا الحظر قصيرة، على أن يطبق هذا النوع من الحظر المتشدد فقط على المناطق التي تعرف إصابات كبيرة، وحتى إن تم تعميمه على كامل المناطق مدة محددة في تــسعة أيام أو 15 يوماً، وهي المدة التي تـــجمع بين حضانة الفيروس وظهور أعراضه النهائية.
الله المستعان في الوقت الذي بتدور الشعب المغربي جوعا الملك يشتري قصرا ب 80 مليون دولار