لم يترك ترامب مجالا إلا أعمل معول الهدم به
لخصت صحيفة “نيويورك تايمز” في افتتاحية طويلة لها يوم الجمعة 16 تشرين الأول/أكتوبر سنوات الرئيس دونالد ترامب الأربع بهذه الكلمات “فساد، غضب، فوضى، عقم، أكاذيب وتدهور”. ودعت الناخب الأمريكي للمشاركة في إنهاء “أزمتنا الوطنية”. وقالت إن إعادة انتخاب الرئيس ترامب يمثل أعظم تهديد للديمقراطية الأمريكية والعالم منذ الحرب العالمية الثانية. وأضافت إن فترة حكم ترامب المدمرة أضرت بالولايات المتحدة في الداخل والخارج و”أساء استغلال السلطة الممنوحة له في مكتب الرئاسة وحرم معارضيه من الشرعية وحطم الأعراف التي جمعت الأمة ولأجيال”. واتهمته بإدراج المصلحة العامة ضمن مصالحه التجارية والسياسية. وكشف ترامب عن قلة احترام مثير للدهشة لحيوات وحريات الأمريكيين ولهذا فهو “رجل لا يستحق المنصب الذي يحتله”. وأكدت الصحيفة أن مجلس تحريرها لا يتهم الرئيس المنتخب بشكل خفيف حيث شجبت عنصريته ومعاداته للأجانب وانتقدت تخريبه لما أجمع عليه العالم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي نظام التحالفات والعلاقات الدولية الذي كلف حياة الكثيرين من أجل إقامته والحفاظ عليه.
آثامه لا تحصى
وشجبت الصحيفة المرة بعد الأخرى خطابه الانفصامي وهجماته الخبيثة على الأمريكيين. وعندما فشل الكونغرس بإدانته على انتهاكه للسلطة دعت المشرعين ونقاده التركيز على هزيمته في صناديق الاقتراع. لكل هذا يعتبر يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر نقطة تحول، لأنه سيكون يوم انتخابات على مستقبل البلد والطريق الذي سيختاره المواطنون له. وأكدت الصحيفة على أن الديمقراطية الأمريكية الصامدة تعرضت لامتحان كبير في ولايته الأولى وانتخابه لأربعة لأعوام أخرى ستكون بمثابة مرحلة أسوأ. وفي الوقت الذي يصطف فيه الأمريكيون في الطوابير الطويلة بمدن ونواحي البلاد للتصويت، خاض ترامب هجوما صارخا ضد العملية الانتخابية ونزاهتها. وعلى خلاف أسلافه رفض الالتزام بنتائج العملية الانتخابية وقال إن فوزه هو ما يمنحها الشرعية وإن لم يفز فإنه سيقوم بتحدي النتائج في المحاكم أو الشوارع. وترى الصحيفة أن فداحة وتنوع آثام ترامب تبدو غامرة بدرجة كبيرة وتكرارها لن يخفف من حدة الغضب لكن مراكمة غضب جديد. وهذا هو الوقت الذي يجب على الأمريكيين أن يستعيدوا حسهم الغاضب. ولهذا السبب ستخصص الصحيفة في عدد اليوم الأحد تغطية موسعة تهدف إلى إقناع الأمريكيين بأن ترامب لا يصلح لقيادة الأمة. وتشمل التغطيات مقالات تركز على الفساد المستشري في الإدارة واحتفال الرئيس بالعنف والإهمال الصارخ لصحة الناس وعجزه في الحكم. وستكون التغطية مشفوعة بصور مهمة تعكس سجل ترامب في قضايا تتعلق بالمناخ وحقوق المرأة والعرق. ولن تكتفي الصحيفة بالحكم على الرئيس ولكنها ستنشر كلام من خدموا في إدارته وكشفوا عن عجزه. وتهدف هذه المقالات لرفض ترامب كخطوة أولى من أجل إصلاح ما دمره. ولكن ترامب لا يزال يرمي الأملاح ويفسد الحقول وحتى لو خسر فستحتاج أمريكا سنوات طويلة ودموعا كثيرة للتعافي مما أحدثه لروحها.
أسوأ رئيس
ويقف ترامب “بدون منازع كأسوأ رئيس مر على الولايات المتحدة في عصرها الحديث”. وفي عام 2016 فاز لأنه ضرب على وتر حساس عندما تحدث وبمرارة عن مشاكل البلد، إلا أن دروس السنوات الأربع الماضية كشفت أنه لا يستطيع حل معضلات البلد الملحة لأنه المشكلة الأكبر. فهو عنصري وديماغوجي يحكم بلدا متنوعا. وهو انعزالي في عالم مترابط ورجل استعراضي يتباهى بأمور لم يفعلها ورجل يعد بأمور لن يحققها. ولم يظهر أية رغبة بالبناء ولكنه كان قادرا على الهدم. وهو رجل يجيد التحطيم. وفي الوقت الذي يسابق فيه العالم الزمن لمواجهة التغيرات المناخية أنكر ترامب الوضع وخرج من المعاهدة الدولية التي تحد من الانبعاثات الكربونية. وقاد حملة قمع ضد المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين بدون تقديم حل منطقي تحدد فيه المعايير لمن يسمح أو لا يسمح له بدخول أمريكا. وكان مهووسا بتدمير كل ما فعله سلفه باراك أوباما. وحاول إقناع الكونغرس إلغاء العناية الصحية المتاحة “أوباما كير” بدون تقديم بديل عنه. وزاد عدد الأمريكيين الذين خسروا التأمين الصحي في أعوامه الثلاثة الأولى إلى 2.3 مليون، وبالتأكيد زاد العدد بعد الأزمة الجديدة لفيروس كورونا وزيادة معدلات البطالة. ووصل البيت الأبيض ليحكم نيابة عن الناس العاديين فأصبح رمزا للحكم المدافع عن الأثرياء الذين سهل عملهم من خلال سياساته الضريبية.
حبيب الطغاة
وتجاهل التنظيمات وأصبح مسؤولا أمام الشركات، وعندما لم يستطع محو التنظيمات علقها. وعلى الصعيد العالمي قام بتوتير التحالفات من خلال تبني ديكتاتوريين مثل كيم جونغ-أون حاكم كوريا الشمالية وفلاديمير بوتين، الرئيس الروسي الذي يعامله ترامب بنوع من الدفء. وخرج من معاهدة دول الباسيفك لمواجهة الصين، واستبدلها بحرب تجارية وعقوبات بدون ان ينتزع أي تنازل من بيجين. وبدا عجز ترامب وعدم صلاحيته في أزمة فيروس كورونا. وبدلا من العمل على انقاذ حياة الأمريكيين، كذب وقلل من مخاطره واحتقر المشورة العلمية ورفض الإلتزام بالتعاليم الضرورية لمكافحة انتشاره. ويعمل على فتح النشاط الاقتصادي بدون السيطرة على الوباء. ولم يهتم ترامب بمأزق ملايين الأمريكيين الذين خسروا أعمالهم. وأعلن في أيلول/سبتمبر أن الفيروس “لا يصيب أحدا” وقبل يوم من وصول حصيلة القتلى من كوفيد-19 إلى 200.000 أمريكي. وبعد تسعة أيام أصيب هو بالمرض.
استقطاب
وقبل ركوبه على المصعد المتحرك في برج ترامب في حزيران/يونيو 2015 كانت أسس المجتمع المدني الأمريكي تتداعى. ولكن الأمريكيين في ظله أصبحوا أكثر انقساما واستقطابا، سوءا ورهابا. وألب الأمريكيين على بعضهم البعض مستخدما تويتر وفيسبوك لتعبئة أنصاره لكي يشعلوا نيران الكراهية في الساحات، وغمر الفضاء بالأكاذيب والتضليل والدعاية ونظريات المؤامرة. ويجيد الهجوم على أعدائه ومعارضيه ولكنه يتردد بشجب العنف الذي يرتكبه أنصاره. وفي أول مناظرة تلفزيونية في أيلول/سبتمبر طلب منه شجب المتفوقين العنصريين البيض “براود بويز” ولكنه رد بدعوتهم “تراجعوا واستعدوا”. وأضعف الثقة بمؤسسات الحكومة وغلب الولاء الشخصي على الخبرة التي يحتقرها. وشن هجوما على حكم القانون واستخدم سلطاته لأمر قوات حفظ النظام بمعاقبة أعدائه كما فعل عندما طلب من الشرطة رمي المتظاهرين السلميين بالغاز المسيل للدموع أمام البيت الأبيض وتنظيف الساحة منهم حتى يلتقط صورة وبيده كتاب لا يقرأه أمام كنيسة لا يرتادها. وفضائح ترامب كثيرة وربما احتاجت لعقود كي تظهر ويكشف عنها وما هو معروف أنه استخدم قوانين الحكومة للتهرب من الكشف عن سجله الضريبي، وبمساعدة وزير العدل ويليام بار، عمل على حماية أنصاره الذين اتهموا بجرائم مثل مايكل فلين الذي اعترف بجرمه وهو التهاتف مع الروس واستقال بسبب ذلك من منصب مستشار الأمن القومي، ومع ذلك ألغى الحكم الصادر عليه. وفي العام الماضي ضغط على الحكومة الأوكرانية لكي تفتح تحقيقا في منافسه السياسي جوزيف بايدن مقابل تقديم الدعم العسكري لها. وأهم ما فعله ترامب هو أنه استخدم الحزب الجمهوري الذي أذعن قادته له لتمرير سياساته، من تبرئته في المحاكمة العام الماضي باستثناء السناتور ميت رومني. وحرضهم على دعم حملته ضد الناخب الأمريكي وتقليل عددهم. وشن حملة ضد الناخبين عبر البريد وقلل من نزاهة تصويتهم، مع أنه استخدم البريد للتصويت ولا يوجد ما يثبت مزاعمه. إلا أن حملته تهدف لعرقلة الأمريكيين عن ممارسة حقهم الانتخابي. ارتكب رؤساء من قبله أخطاء وكوارث، فقد أساء ريتشارد نيكسون استخدام سلطاته ضد معارضيه في فضيحة ووترغيت. وتجاهل رونالد ريغان مشكلة الإيدز وكذب بيل كلينتون وحوكم لعرقلته مسار العدالة. أما جورج دبليو بوش فقد ورط أمريكا في حرب غير قانونية في العراق. ولكن الرئيس الحالي تفوق على كل هؤلاء وفي ولاية واحدة. وتحدث فردريك دوغلاس، المصلح الاجتماعي وداعية تحرير العبيد وفي مرحلة كالحة من حياة أمريكا في ظل أندرو جونسون “يجب أن نعمل على أن تكون حكومتنا قوية لنكون آمنين حتى لو وقعت في أيدي رجال سيئين” ولكن ليست هذه هي طبيعة الديمقراطية الأمريكية. فالبعد المتفائل فيها هي أن عافية الجمهورية تعتمد على حكم الانتخابات ونزاهة من يختاره الناخبون. لكن ترامب ليس نزيها. فقد انتهك مرارا القسم الذي نطق به لحماية قانون الولايات المتحدة. لكل هذا فالعبء يقع على الأمريكيين حتى من يحبون أن يكون الرئيس من الجمهوريين لحماية والدفاع عن الولايات المتحدة.
الأيتام الجدد
ولأن القرار بيد الأمريكيين فمن الصعب التكهن بما سيحدث في الشهر المقبل. ولكن إن صدقنا الاستطلاعات فبايدن متفوق على ترامب ومنذ الصيف بنسب عالية. واضطر ترامب تقليل نفقاته الإعلانية والتركيز على الولايات الترجيحية. ونشرت مجلة “بوليتكو”(15/10/2020) تقريرا قالت فيه إن حملة ترامب استخدمت أموال دافع الضرائب الأمريكي لتقديم هدايا ومعونات باسمه. وقالت إنه كلما تراجع في الاستطلاعات كلما زاد من حلب الحكومة.
ولأن سنوات ترامب كانت مثمرة للديكتاتوريين حول العالم من السعودية والإمارات ومصر والفلبين والهند وروسيا، فسيجد هؤلاء أنفسهم بدون راع ولهذا يحاولون كما يقول موقع “بلومبيرغ” (15/10/2020) الحفاظ على مكتسباتهم خاصة إسرائيل التي حظيت بهدايا لم يقدمها لها رئيس في تاريخها وبدون أن تضطر لتقديم تنازلات. وسيجد هؤلاء أنفسهم أمام خيارات مع الإدارة الديمقراطية. رغم تصريحات مستشاري الشؤون الخارجية لحملة بايدن أن الشرق الأوسط لن يكون على رأس قائمة أولويات بايدن، وربما عادت الإدارة الجديدة للأسلوب التقليدي في الدبلوماسية ووبخت قادة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان. ولكن بايدن لن يعيد السفارة إلى تل أبيب، وسيكون في العام الأول من حكمه منشغلا بالمشاكل الداخلية وتحديدا كوفيد-19. صحيح أنه وعد بإعادة النظر في العلاقات مع السعودية ووقف دعم الحرب في اليمن. وكل هذا مرتبط بالنتائج. وكما قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في لقاء مع المشرعين الأوروبيين إنه لو فاز ترامب من جديد “فربنا يساعدنا”. لأن الفلسطينيين كانوا ضحايا إدارة ترامب التي تبنتهم في البداية قبل أن تمارس عليهم كل أنواع العقوبات، من إغلاق البعثة الفلسطينية في واشنطن والقنصلية الأمريكية في القدس ووقف المساعدات، إلى خطة السلام التي أشرف عليها صهره جاريد كوشنر والتي وصفها المعلقون الأمريكيون بأنها تمت بناء على توصيات بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي. ومع ذلك تطوعت دول عربية ومنحت ترامب في عامه الأخير من الحكم إنجازا دبلوماسيا في سجل ظل بدون نجاحات واسعة.
سيان
وعلى العموم لا تهم العملية الانتخابية الأمريكية ونتائجها سكان الشرق الأوسط. فكما قال إيشان ثارور في “واشنطن بوست” (13/10/2020) ففوز ترامب من جديد أو بايدن هو سيان لأهل الشرق الأوسط الذي يعاني من الحروب الأهلية والمجاعات والقمع. ولكنه بالنسبة لقادة المنطقة يمثل شيئا آخر. فقد استغل قادة المنطقة انجذاب ترامب لفكرة الرجل القوي أو “ديكتاتوري المفضل” كما وصف عبد الفتاح السيسي وحاولوا الحصول منه على ما يريدون. ولأن العملية الانتخابية المقبلة مصيرية، فقد اهتمت الصحيفة برصد صداها في كل مكان من العالم ومن خلال سلسلة تقارير من الصين وروسيا وأوروبا وأمريكا الوسطى واللاتينية وأفريقيا. فلم يترك ترامب مجالا إلا أعمل معول الهدم به. واستعان بعمله على أناس لا خبرة لهم بالدبلوماسية. ويبدو أنه نقل العدوى لكوشنر عندما قال عن القضية الفلسطينية إن لم نخرب ونفكك فلن تصلح الأمور، كما نقلت “فورين بوليسي” عن رسالة إلكترونية في بداية تعيينه لتولي ملف الشرق الأوسط. وفي ظل إعادة تعريف العدو بالمنطقة يخشى قادتها من عودة بايدن للملف النووي الإيراني الذي خرج منه ترامب عام 2018 ولهذا قامت بعض الدول بعملية وقائية لحماية نفسها بالتطبيع مع إسرائيل. معطية انتصارا لم يكن موجودا لدى ترامب، مع أن السياسة الخارجية لا تلعب دورا مهما في اختيارات الناخب. ولكن لسان حال القادة الذين عولوا في علاقاتهم مع أمريكا على الروابط الشخصية، البيت الأبيض يقول من “سيحمي مؤخرتنا” كما قال ترامب واصفا ما فعله من خدمة لمحمد بن سلمان، ولي العهد عندما وقف معه في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي قبل عامين هذا الشهر.
من حقنا نحن العرب ان نشارك في انتخابات ?? امريكا لاختيار من سيحكمنا
وكأن رؤسأ أمريكا السابقين ملائكهه كلهم فيما وصف به ترامب سوأ…