أمام تمرد الأصوليين وخسارة الملاذ اليميني.. هل بقي أمام نتنياهو غير ورقة “البائس غانتس”؟

حجم الخط
0

من ناحية تاريخية، تعدّ القيادة الأصولية محقة في تصميمها على تحديد موعد فتح مدارس التوراة والمدارس الدينية الصغيرة. لا يوجد للأصوليين في كل ما يتعلق بإدارة نظام التعليم أي التزام بالاستجابة إلى تعليمات الحكومة أو حتى القانون. في رسالة الوضع الراهن التي وقع عليها دافيد بن غوريون قبل قيام الدولة وُعدوا بـ “استقلالية أي تيار في التعليم”. عارض بن غوريون فصل تيارات التعليم في الدولة العتيدة، لكنه وافق في صيف 1947 على التنازل بضمان ألا يعارض قادة الجمهور الأصولي – الذي لم يكن جزءاً من مؤسسة اليشوف – أمام ممثلي الأمم المتحدة طلب إقامة الدولة اليهودية.

بعد مرور خمس سنوات، عندما تم توحيد تيارات التعليم تحت أجنحة وزارة التربية والتعليم، بقي بن غوريون وفياً لوعد الوضع الراهن في موضوع الدين والدولة. ظل “التعليم المستقل” الأصولي في الخارج. والحكومات التي جاءت بعد ذلك زادت نسبة دعمها للتعليم الأصولي بالتدريج، بما في ذلك حكومة رابين الثانية في 1992، التي ساوت بين مستوى الميزانية الأساسية وميزانية التيارات الحكومية. ولكن الاستقلالية الذاتية بقيت على حالها.

قرار المتدينين فتح نظام تعليمهم كله، الأحد، الأولاد فقط، في حين تبقى البنات في البيت، في وقت تغلق فيه المدارس الأخرى، إنما يعكس الفشل المطلق، وربما حتى النهائي للوضع الراهن مع الدولة. والتصميم على تجاهل تعليمات الحكومة وتعريض التجمعات الأصولية للخطر، وكذلك تعريضنا جميعاً بعد تفشي كورونا، يفوق كل عملية استقواء. الدافع الأيديولوجي قرار روحاني، وخيار حاسم لاستمرار تعلم التوراة بصورة جماعية، رغم الخطر الواضح والمؤكد على صحة الجمهور. ولكن هذا القرار لم يكن ليخرج إلى حيز التنفيذ لو لم يعرف الحاخامات ومبعوثوهم السياسيون أنه يمكنهم فعل ذلك دون التعرض لتداعيات بعيدة المدى.

من أجل التغيير، قال نتنياهو، أمس، الحقيقة في مؤتمر صحافي: “لدينا عدد محدود من رجال الشرطة والمفتشين… ليس هناك إمكانية لإرسال شرطي إلى كل زاوية شارع وزقاق”. هناك أكثر من ألف مؤسسة تعليم دينية، منها مؤسسات صغيرة جداً، وحتى هذه فقد أرادت الشرطة والمجالس المحلية إغلاقها. ولكن من المشكوك فيه أن يستطيعوا ذلك. الكثيرون يواصلون التعليم في شقق خاصة. وإلى جانب ذلك، ما لم يقله نتنياهو هو أن محاولة فرض القانون على التعليم الديني ستكون بالنسبة له انتحاراً سياسياً. لم تكن “يهدوت هتوراة”، و”شاس” لتواصل البقاء يوماً واحداً في حكومته.

السبت، كان نتنياهو هشاً كما لم يكن يوماً ما منذ عودته إلى الحكم في 2009. كانت أسس حكمه عارية وهشة أكثر من أي وقت مضى. ولم تكن هناك أي علاقة بين أسئلة المراسلين عن مؤسسات التعليم الأصولية، ومستقبل علاقات نتنياهو مع شركائه الآخرين. ولكنه تحدث عن المسألة الأخيرة بتفاؤل مدهش. “نعمل في الأيام الأخيرة بصورة لا بأس بها”، أجاب. أما شريكه البائس بني غانتس فلم يسمع عن ذلك كما يبدو، كما لم يسمع أعضاء الكنيست من الليكود الذين يسيئون لغانتس أمام كل ميكروفون. ولكن نتنياهو يعرف أن لا خيار له دون التوصل إلى مصالحة مع غانتس حول نقاط الخلاف، مثل ميزانية 2021 وتعيين مدع عام جديد. الذهاب إلى الانتخابات في الوقت الحالي، حيث الجمهور الإسرائيلي يرى كيف بات رهينة عاجزة أمام قوة الأصوليين، بات أمراً غير وارد في الحسبان.

قد يفعل الأصوليون الآن كل ما يخطر ببالهم، ولكن الانتصار التكتيكي للاستقلالية الأصولية الذاتية على دولة إسرائيل يتبين أنه هزيمة استراتيجية. ربما هزموا من يتحصن في بلفور، ولكنه لن يكون هناك في يوم ما، وخيارهم في الانفصال عن باقي الدولة بصورة فظة جداً وفي ذروة وضع طوارئ وطني ودولي، لن يُنسى حتى بعد أن يكون هناك لقاح لكورونا في متناول اليد. من السهل اتهام صورة محددة لـ “وزير التوراة”، الحاخام حاييم كاينفسكي، ولكن من الواضح جداً أنه مقطوع عن الواقع. وفي حالته يجب إلقاء التهمة على أبناء بيته الذين يستخدمون اسمه.

هذه الوصمة تضر بمستقبل نتنياهو السياسي، بل وتثير اشمئزاز قادة آخرين في اليمين. كانت كتلة اليمين – المتدينين الملاذ السياسي الأخير لنتنياهو، عندما فشل في الجولات الانتخابية الثلاث المتتالية في محاولة الحصول على أغلبية لقانون الحصانة الشخصية، لكنها الآن معلقة في عنقه وتجره عميقاً، وهناك سيغرق اتفاق الوضع الراهن أيضاً.

إن إساءة استخدام الأصوليين للوضع الراهن ستعزز من يقولون بأن الأمر يتعلق بوثيقة غير ذات صلة، حبر على ورق في إسرائيل القرن الحادي والعشرين. كورونا تقتل الوضع الراهن، ومن اللحظة التي ستدفن فيها سيكون من الأسهل على التيار العام في إسرائيل، بما في ذلك اليمين، الدفع قدماً بحقوق أساسية مثل الحق في الزواج المدني، والمواصلات العامة أيام السبت، وحق الشباب والفتيات الأصوليين في الحصول على تعليم مناسب وحياة مشتركة في المجتمع الإسرائيلي.

بقلمانشل بابر

 هآرتس 19/10/2020

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية