ايضا في هذه الايام الصعبة أنا اعتقد أنه يمكن تقليل التدهور بل ووقفه. الصيغة لذلك هي الدمج بين التصميم الأمني مع المبادرة والجرأة السياسية. المشكلة الوحيدة أن هذه مزايا ليست موجودة لدى الحكومة الحالية. وكخريج الانتفاضتين، وعدد غير محدود من المواجهات، والاعمال والحروب، أنا أقول أن الطريقة التي تعتبر أن الحل هو فقط بالقوة والمزيد من القوة، كما يقول لنا رؤساء اليمين، قد فشلت منذ زمن.
اضافة لذلك، ما يحدث اليوم في القدس هو بروفة للواقع الذي سيواجهنا اذا تحققت خطة الدولة ثنائية القومية الغريبة «للبيت اليهودي» والذي يقودنا اليها باستمرار.
الوضع الحالي يعلمنا إلى أي حد من الخطر الدمج بين التطرف اليميني وبين غياب الخبرة في الامور الأمنية والشرق أوسطية لزعمائه، وكيف أنه قد يأخذنا إلى ورطة خطيرة لا نستطيع أن نخرج منها.
من أجل معالجة التصعيد الخطير يجب أن نفهم حقيقة ما يحدث على الارض، بدون أن نلقي باللوم على من نرتاح سياسيا بالقاء اللوم عليه. بدون هذا الفهم لا أمل بان ننجح.
الانتفاضة ليست مصير. الحديث هنا عن مزاج السكان (من الضروري جدا فهم أسبابه) الامر الذي يولد تسلسل من الاحداث والعمليات الخارجة عن السيطرة، التحدي الكبير هو أن نفهم كيف نوقف هذا التسلسل.
قبل سنة نشرت مقالة طالبت «لنمنع الان الانفجار الكبير»، وفصلت فيها توصياتي حول طرق منع ذلك. ولاسفي الشديد فان تسلسل الاحداث الأمنية منذ ذلك الحين وحتى اليوم، يشير وكما كان متوقعا، إلى التصعيد الخطير: تنقيط لا ينتهي من العمليات الذي وصل لقمته بخطف وقتل الشبان جلعاد شاعر، نفتالي فرانكل وايال يفراح، رحمهم الله، القتل الشنيع للشاب الفلسطيني محمد ابو خضير، موجة التحريض العنصرية التي نشهدها، التصعيد الذي انجررنا اليه أمام حماس في قطاع غزة، الذي أدى إلى خمسين يوم حرب في عملية «الجرف الصامد» مع اكثر من سبعين قتيل من افضل ابناءنا، مع انتفاضة القدس التي تزداد اشتعالا مع موجة عمليات الجرافات، الدهس، اطلاق النار، البلطات والسكاكين المرافقة لها، وكان الرقم القياسي الاضافي بمقتل المصلين في الكنيس في حي هار نوف اثناء صلاة الصبح. هذه التطورات الخطيرة تسمح لنا فهم الاتجاه الذي نسير اليه، وقبل أن تخرج هذه الاحداث كليا عن السيطرة. التصعيد في القدس يمكننا من «النظر للمستقبل» الذي نقاد اليه من قبل اليمين: دولة ثنائية القومية بسكان مختلطين، بدون حدود، حيث تستمر المشاكل الاساسية للصراع بدون أن تحل.
يأس، احباط وانتقام
القدس الشرقية هي مختبر تتركز فيه مشاكل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. الهدوء النسبي أحيانا في القدس مرتبط بمجموعة ضعيفة من الكوابح والتوازنات، وتحتاج إلى سياسة حكيمة وحذرة. ولكن في ظل غياب الفوائد السياسية، وضعف السلطة (سواء البلدية أو السياسية)، فهذه التوازنات والكوابح تتفكك بسرعة، وبالذات عندما نعطي «محبي اشعال النار» من الطرفين بالتجول مع كبريت في المكان الاكثر امتلاءً بالوقود في الشرق الاوسط – الحرم.
عندما ندرس الاسباب الاساسية للوضع في القدس الشرقية، فمن الواضح انه يوجد فيها واقع غير ممكن للسكان الفلسطينيين (الجزء الاكبر منهم من اصل خليلي)، وموجودون بأزمة اقتصادية صعبة، يعيشون باكتظاظ سكني في جزء من المناطق، ومهملون منذ سنوات من الناحية البلدية. عندما نضيف لذلك جدار الفصل الذي يقطع القدس إلى عدة مناطق، ولا يوجد خلفها سلطة للقانون حيث يعيش أصحاب الهويات الزرقاء الفلسطينيين والاسرائيليين بشكل مختلط من الجانبين – تقدم لنا القدس برميل وقود ومن أجل اشعاله لسنا بحاجة لاكثر من عدة شرارات بقوة ومنسوب ملائمين.
القاء الحجارة، الاحتكاك في الحرم، عمليات الدهس واطلاق النار التي تحدث في القدس يوميا منذ أشهر طويلة، تعطي فرصة لكي نفهم إلى اين وجهتنا اذا لم يتم معالجة المشاكل الاساسية.
لسنا بحاجة إلى خبراء من أجل فهم أن مميزات الاعمال في القدس الشرقية بما في ذلك عمليات الجرافات والدهس، مصدرها ليس المنظمات الإرهابية وليس أوامر من ابو مازن، كما يبيعنا رؤساء الاحزاب اليمينية، للجمهور الذي لا تعرف غالبيته الحقائق الصحيحة.
صحيح أن ابو مازن اخطأ برسالة التعزية التي أرسلها لعائلة معتز الذي حاول قتل يهودا غليك، ولكن الاجهزة الأمنية في اسرائيل تعرف جيدا انه ومعه قيادة السلطة الفلسطينية ليس فقط لا يشجعون الإرهاب والاخلال بالنظام، وانما ايضا يعملون طوال الوقت وبشكل مصمم ضد الإرهاب في المناطق الموجودة تحت سيطرتهم الأمنية، ويحاولون استيعاب المظاهرات والاخلال بالنظام.
الاحداث والعمليات في القدس تشير أولا وقبل كل شيء، لاجواء اليأس، الاحباط والانتقام، على خلفية الشعور الجماهيري الاخذ بالازدياد في أوساط الفلسطينيين المقدسيين انه لا يوجد أمل وانه لا يوجد ما نخسره.
في هذا الوضع من الصعب على اسرائيل أن تعيد الردع من جديد لان الردع يعمل فقط أن كان للطرف الثاني ما يخسره.
من تجربتي الشخصية أستطيع القول أن الانتفاضة الثانية انتهت فقط عندما اظهرنا التصميم من جهة وعرفنا كيف نخلق الامل من جديد في يهودا والسامرة. البنى التحتية للارهاب الدموي تم تصفيتها واعتقالها وعملنا في حينه من أجل تخفيف الضغط على السكان، العودة المتدرجة للسيطرة على مناطق A من قبل السلطة، وبادرنا إلى «اتفاقية المطلوبين»، حيث خرج 500 مطلوب من دائرة الإرهاب وهدأت الساحة.
في الاجواء الحالية أن كل حاجز أو اشاعة أو كل تحريض، فلسطيني أو اسرائيلي، هي صب زيت على النار. وجود أجواء كهذه يجب أن يقلقنا اكثر من هذه العملية أو تلك، مهما كانت صعبة، نظرا لان الطاقة الكأمنة فيها للتصعيد أخطر بكثير.
لنخفف اللهب
في الوضع الذي نشأ في القدس مطلوب العمل على مستويين مختلفين – التكتيكي والاستراتيجي. المستوى التكتيكي الفوري يتطلب تحييد فوري لكل مخرب مسلح بسلاح ناري أو سلاح ابيض، استخدام القوة من قبل الشرطة بتعقل – بالاستناد إلى المعلومات الدقيقة – من أجل فرض النظام العام، وتحديد قيادة الاخلال بالنظام واعتقالها فورا، ومع ذلك أوامر قاطعة للشرطة بعدم التسبب باصابات عند تفريق المظاهرات، وبالذات في الحرم. لقد ثبت أكثر من مرة أن ما يؤجج الاحداث هو سفك دماء المتظاهرين.
على المستوى الاستراتيجي يجب فتح حوار ومعالجة المشاكل الاساسية. والسؤال الذي يطرح نفسه مع من نتحدث في القدس الشرقية؟ صحيح أنه لا توجد قيادة مركزية واحدة وواضحة، لذلك فلا خيار سوى محاولة بناء قنوات حوار مع القيادة المحلية، ومع زعماء فتح المحليين في منطقة القدس وبالطبع مع قيادة السلطة في رام الله. للقيادة المحلية علينا أن نقترح مجموعة من الامتيازات تقوم البلدية وبالتنسيق مع الحكومة ببلورتها، من أجل تخفيف حدة الاشتعال واعادة النظام إلى ما كان عليه. لدى السلطات كافة الادوات لتحقيق هذه الخطوات، وسبق أن استخدمتها مرات كثيرة في السابق. مطلوب فقط توجيهات لتنفيذ وتغطية الامر بالكامل من المستوى السياسي.
يجب أن نتذكر أن العنصر الديني في الصراع هو المحفز الاقوى لتصعيد الاحداث في القدس، وهو يوحد فورا السكان الفلسطينيين، ويستنفر الدول العربية ويوقظ العالم الإسلامي كله. دخول المتطرفين الدينيين من الطرفين للصورة يضمن التصعيد الفوري تقريبا.
لا خلاف أننا بحاجة إلى الحفاظ على حقوقنا في القدس والاماكن المقدسة لليهود. ولكن نحن ملزمين بتفهم الحساسية الكأمنة في القدس عموما والحرم على وجه الخصوص. آن الاوان لنظهر التصميم على المستوى المهني في الشرطة والشاباك، بالاضافة إلى النيابة العامة وبتغطية من المستوى السياسي، وكما فعلنا أكثر من مرة في السابقة، من أجل ابعاد المحرضين الإسلاميين المتطرفين والمستفزين اليهود القوميين – بما في ذلك اعضاء كنيست من اليمين الذين يستغلون الحرم لحاجات سياسية – عن الحرم.
خطر التدهور الأمني يعطي صلاحيات لقائد المنطقة في الشرطة بعدم الموافقة على ذهاب اعضاء كنيست للحرم لاعتبارات أمنية وجماهيرية.
ان العلاج الحقيقي للوضع يلزمنا بالتوصل إلى حل جذور الصراع. ومن اجل ذلك نحن بحاجة لقيادة اسرائيلية قوية لتحريك العملية السياسية الاقليمية مع دول عربية معتدلة، وفي اطار ذلك نقوم بحل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي. ولكن قيادتنا، وعلى رأسها رئيس الحكومة، تتفوق بعمل عكس معظم تعهداتها: قوية بوجه حماس وتجري معها مفاوضات، تحل مشكلة السكن بطريقة تزيد من المشكلة، تعالج غلاء المعيشة وغلاء المعيشة بازدياد. من الواضح أن سجل كهذا لا يجعلنا أن نتوقع مبادرة سياسية حقيقية.
يوجد شريك
انتفاضة القدس هي فرصة نادرة لفهم واقع الدولة ثنائية القومية التي تبنى رغم أنفنا في يهودا والسامرة، بل – بين البحر والنهر. ستكون هذه الدولة شبيهة بالنموذج المصغر في شرق القدس: اختلاط سكاني اسرائيلي – فلسطيني، غياب حدود أو وجود حدود غير منطقية، تمييز صعب ضد السكان الفلسطينيين، فجوات اقتصادية بين السكان وعدم حل المشاكل الاساسية للصراع التي ستؤدي إلى مواجهات آخذة بالتصاعد، وضغوطات آخذة بالتصاعد من قبل المجتمع الدولي.
الظاهر أن أولويات رؤساء احزاب اليمين ستدفع إلى الانتخابات في السنة القريبة وهم مهتمون أكثر بالانتخابات بدلا من تهدئة الخواطر واعادة الهدوء لسابق عهده. الامر يجد تعبيره بالتنافس بين رؤساء الاحزاب باطلاق الشعارات القومية واستعراض العضلات وتركيز النار الاعلامية والدعائية على أبو مازن. أنا أعرف جيدا غسل الدماغ اليومي الذي يدعي أن ابو مازن ليس شريكا.
وكمن يعرف ابو مازن عن قرب وعلى مدار سنوات، وأكثر بكثير من السياسيين الذين يطلقون هذه الشعارات، أستطيع القول أن لديه نواقص ليست قليلة، ولكنه لا زال الزعيم العربي الوحيد الذي تجرأ وصرح علنا ضد الإرهاب في قمة الانتفاضة الثانية. حتى عندما كان الشارع الفلسطيني مؤيدا للارهاب وايضا عندما تم خطف الشبان الثلاثة وبداية التدهور لعملية «الجرف الصامد».
ابو مازن وعلى العكس من عرفات، يفهم جيدا أن الإرهاب يضر بالمسألة الفلسطينية، لذلك يعطي توجيهات للاجهزة الأمنية للعمل ضد الإرهاب بطريقة لا تقبل تفسيرين. كمن كان هناك معظم السنين استطيع القول أن مستوى التنسيق الأمني بيننا وبين السلطة منذ نهاية 2007 وحتى اليوم هو الافضل منذ اتفاقيات اوسلو، وهذا بفضل السياسة الواضحة لابو مازن ورؤساء الحكومات الفلسطينية. وقد حدث هذا لاننا فتحنا قنوات حوار مع الفلسطينيين وعرفنا كيف نخفف عند الحاجة وطالبنا بالالتزام الكامل بما يتم الاتفاق عليه.
للتنسيق الأمني مساهمة كبيرة بالهدوء النسبي الموجود في يهودا والسامرة معظم السنوات الاخيرة – وهذا يحدث رغم الظروف الصعبة، ورغم فشل المفاوضات السياسية ورغم انه في تلك الفترة حدثت ثلاثة عمليات واسعة في قطاع غزة (الرصاص المصبوب، عمود السحاب والجرف الصامد) ورغم «الربيع العربي» الذي يحيطنا.
أنا اؤمن أن الحكومة الحالية تستطيع أن تتسامى وتقود العمليات المطلوبة.
انا آمل انه اذا تمت الانتخابات فان هذه الامور ستكون على الطاولة. ومن المهم أن يفهم الناخبين أننا لسنا ملزمين بالذهاب في طريق تؤدي بنا لدولة ثنائية القومية التي تريدها احزاب اليمين، وان انتفاضة القدس تؤكد لنا بصورة مؤلمة كيف ستبدو حياتنا.
يوفال ديسكن
يديعوت 21/11/2014
صحف عبرية
بكل موضوعية أقول للكاتب ان قدركم هو الزوال وهذا كلام الله سبحانه وتعالى ولا تبديل لكلامه. اما من ناحية الموضوعية والمنطق والواقع الذي لا يمكن ان تتجاهلوه رغم كل المحاولات ان الشعب الفلسطيني اثبت انه لن ينسى دولة فلسطين بالرغم من كل محاولات القمع والتنكيل من المغتصب الصهيوني والتخاذل من المقربين العرب
بكل اختصار الاحتلال سيزول ومقومات ازالته ستاتي ولو بعد حين وكل ما نراه اليوم في الساحة العربية بالرغم من بشاعته ليس سوى البداية والى القاء في القدس الشريف محررا من المحتل والخائن والمتآمر