من دبي… “موساد” ورجال أعمال: الإمارات وإسرائيل… من “العشق السري” إلى حب علني يتجاوز “بوظة الحمص”

حجم الخط
0

من دبي

كانت دبي هذا الأسبوع غارقة بالإسرائيليين: رجال أعمال من كل الأنواع والأصناف، وفود رسمية وخاصة، وغيرهم – كلهم هجموا على الإمارات كجزء من “الفزع للذهب” موديل 2020.

أحياناً يكون هذا مسلياً؛ وفد بنكي يلتقي في مطعم صندوق استثمارات، ويأتي إلى الطاولة رجال تكنولوجيا عليا ومحافل من عالم السياحة الإسرائيلية. كل واحد وجد طريقه إلى هنا حتى قبل أن يعطى الإذن الرسمي، ولجميعهم تطلع مشابه: عقد صفقات، والتمتع بدولة متطورة، ناطقة بالإنجليزية، عاشقة للحياة ووفيرة للمال والفرص. بعيد جداً عن المستنقع الفلسطيني واللبناني، والتوترات المصرية والأردنية.

من الصعب إدراك هذه الفجوة بين المنطقة القريبة، المعروفة لنا، وتلك التي ستكون من الآن فصاعداً في متناول اليد (سياسياً، تجارياً، سياحياً). أجل، سيقع الإماراتيون هذا الأسبوع في حب أصدقائهم الجدد. من جاء إلى هنا استقبل بحرارة كبيرة. يخيل أن لسنا الوحيدين الذين يسرهم الكشف عن وجود محفل عاقل آخر في المنطقة؛ المحليون أيضاً – من الشيوخ أصحاب المليارات وحتى أصحاب البسطات في سوق التوابل – يشخصون إمكانية كامنة هائلة ومصممون على ألا يفوتوها.

وكما هو الحال دوماً، التكنولوجيا الإسرائيلية هي القاطرة. فأمة الاستحداث صنعت لها اسماً منذ هذه اللحظة، ولكن بقي تحت السطح حتى الآن. غير قليل من الشركات الإسرائيلية بات هنا من قبل أيضاً. وقد اعتمدت الإمارات في السنوات الأخيرة على السايبر الإسرائيلي، ولا سيما في المجال الهجومي: فشركات مثل “فارينت” و “NSO” عقدت في الخليج صفقات بمئات الملايين، في محاولة لإحباط ما يعتبر كتهديد على النظام والاقتصاد المحلي. وكذا الصناعات الأمنية تجولت غير قليل على محور إسرائيل – أبو ظبي.

أما الآن فكل هذا يصعد إلى السطح؛ فلا جوازات سفر أجنبية بعد اليوم، ولا طائرات خاصة أو استخدام شركات مسجلة في دول ثالثة… كل ذلك بات علنياً على الطاولة. ولم تعد هذه عشيقة سرية تتخفى، بل علاقات رسمية ومؤطرة، لسرور الطرفين. والإماراتيون، كما يمكن أخذ الانطباع هذا الأسبوع، مصممون على أخذ هذه العلاقات إلى أبعد ما يكون ممكناً، ليس في العلاقات الثنائية بين الدولتين فحسب؛ إذ قال أحد رجال الأعمال البارزين في الدولة: “يمكننا أن نكون جسركم لـ 3 مليار يسكنون في محيط ثلاث ساعات طيران من دبي”.

تكنولوجيا الطعام: بوظة من الحمص

قاد “أرال مرجليت” هذا الأسبوع وفداً كبيراً إلى دبي من كبار صندوق استثماراته و 13 مديراً عاماً لشركة يستثمر فيها. فإلى جانب شركات سايبر مثل “Secret Double Octopus“، التي توفر الحماية للأجهزة وعامليها، دون حاجة إلى كلمات السر، فإن من اجتذب أساس الاهتمام هي شركات في عالم تكنولوجيا الطعام والزراعة. فالإمارات تستورد تقريباً كل غذائها. يكاد لا يزرع شيء هنا. وعشية الوباء كان كيلو البصل يكلف نصف شيكل، أما اليوم فيكلف 6 شيكل. في التكنولوجيا الإسرائيلية يشخصون المستقبل: الاقتصادي… والغذائي أيضاً.

شركة “اينوبوفرو” مثلاً، اجتذبت في دبي انتباهاً هائلاً، فهذه الشركة التي تأسست في 2015 طورت بروتيناً مركزاً من الحمص أصبح مطلوباً في عالم الغذاء؛ لأنه يسمح بإنتاج طعام صحي ولذيذ أكثر من بدائل أخرى مثل الصويا التي تلوث زراعته البيئة. واليوم يشكل بروتين الحمص أساساً لتطوير البوظة، واللبن بلا حليب، والمشروبات النباتية والمداهين (وفي المستقبل في المخابز) التي ستحل محل منتجات تقوم على أساس البروتين الحيواني.

طار المحليون على المديرة العامة للشركة، تالي نحوشتان. الحمص، والحل الذي يوفره أقرب كثيراً إلى القلب من الفاصوليا الحمراء التي تزرع في كاليفورنيا. كما أن وجود إسرائيل على مسافة ثلاث ساعات سفر وليست في نهاية العالم، تجعل “اينوبوفرو” جذابة على نحو خاص. كان الاهتمام متبادلاً بالطبع. لم تشخص نحوشتان في الإمارات مستثمرين وسوقاً محتملة فحسب، بل وأيضاً أرضاً لا نهاية لها يمكن أن يزرع فيها قدر لا نهاية له من الحمص، يكون وفيراً وزهيد الثمن.

وثمة شركة أخرى اتفقت في دبي على صفقة أولى هي “أجرينت”، التي طورت جساساً يلتقط مؤذيات الأشجار التي تصيب أشجار النخيل في كل العالم. وهذه الشركة أسستها مجموعة جاءت من عالم السايبر برئاسة يونتان بن هموزيغ في 2016. وفي ماضيه، كان هموزيغ مسؤولاً كبيراً في وحدة الاستخبارات 8200. والجساس الذي طورته الشركة ينجح في عزل وتشخيص الضجيج الذي يحدثه الكائن الطفيلي منذ الأسابيع الأولى ويسمح بمعالجة الشجرة وإنقاذها.

في عالم اليوم نحو 4 مليارات شجرة نخيل من عدة أنواع. 30 في المئة من أشجار النخيل للتمور موجودة في الإمارات. تستغرق زراعة الشجر حتى المرحلة المنتجة نحو أربع سنوات، وعندها تنتج مئات الكيلوغرامات من الثمار في السنة. فالضرر الاقتصادي الذي توقعه الجرثومة هائل؛ وجساس “أجرينت” الذي يغرس في كل شجرة بكلفة 12 دولاراً، يسمح للمزارع بأن يتلقى من خلال تطبيق على هاتفه معلومات في الزمن الحقيقي عن الشجرة المصابة – فيعالجها. وفي المستقبل سيستخدم هذا الجساس الخاص لتشخيص مصادر ضرر أخرى.

“التعاون في مجال تكنولوجيا الغذاء سيفتح بوابة هائلة لتوريد غذاء نوعي ومتطور إلى الشرق الأوسط كله”، قال مرجليت في لقائه مع وزيرة الأمن الغذائي في دبي. “حلم قيادة الإمارات لتحويل التكنولوجيا الغذائية إلى مجال رائد يخلق فرصاً كبيرة للشركات الإسرائيلية”. وعلى حد قوله، فإن إمكانيات التعاون بين الطرفين فرصة اقتصادية هائلة للاقتصاد الإسرائيلي، خصوصاً في فترة أزمة كورونا.

“التكنولوجيا العليا هي القاطرة التي تقود اقتصاد إسرائيل. وبالتالي، لنا دور مركزي في قيادة العلاقات والتعاون مع الإمارات، مع التشديد على الشراكة. شركاتنا في علاقة تجارية مع الإمارات منذ بضع سنوات، والآن نشأت الفرصة لتوسيع اليراع. هذه ليست فرصة تجارية فقط، بل فرصة سياسية لصفحة جديدة بين مجتمع التكنولوجيا العليا الإسرائيلية والشرق الأوسط كله”، أضاف مرجليت.

في الأحاديث معهم، ما كان يمكن الفرار من موضوعين بارزين: نفورهم من الشرق الأوسط القديم (ولا سيما من الفلسطينيين، وكذا من حزب الله وإيران)، واستعدادهم ليكونوا لإسرائيل خشبة قفز لكل المنطقة. من المجدي للقادم إلى هنا أن يستمع، وبعد ذلك يتحدث، ولا سيما كي يتعلم. هذا ليس صحيحاً فقط لرجال الأعمال، بل أولاً وقبل كل شيء للوزراء ولموظفي الحكومة؛ فسبب نجاح الإمارات – التي يفوق اقتصادها اقتصاد إسرائيل بست مرات – لا ينحصر بالمقدرات الطبيعية، بل ثمة دمج صحيح بين المبادرات الحكومية والتجارية. بينما القطاع التجاري في إسرائيل هو القاطرة التي تحرك الاقتصاد. وتلعب الحكومة هنا دوراً مركزياً في شق الطريق والتعاون، مما جعل الإمارات قاطرة اقتصادية عالمية رائدة.

إمكانية إبعاد الحرب

سيكون العالم التجاري في جبهة العلاقات مع الإمارات، ولكن لبابها كان وسيبقى سياسياً – أمنيا. كبير الموساد السابق، دافيد ميدان، الذي رافق وفد مرجليت، هو أحد رجال الأعمال الإسرائيليين النشطاء وذوي الارتباطات في الإمارات. فالإماراتيون مثل إسرائيل، يشخصون إيران العدو الأساس للسلام في المنطقة. فهناك 11 شركة سايبر تحت حكم طهران تعمل ضد أعداء النظام؛ وقد كانت مسؤولة عن الهجوم على البنى التحتية النفطية في السعودية والبنى التحتية للمياه في إسرائيل، وتهدد الإمارات.

إسرائيل ستساعد الإمارات في الدفاع عن نفسها بالسايبر، ولكن الإمكانية الكامنة أكبر بكثير. فالشرق الأوسط الجديد الذي يتشكل الآن، يقسم الطرفين بشكل حاد وواضح بين “الأخيار” و “الأشرار”. وهذا سيسمح بإقامة تحالفات دفاعية موضعية أو واسعة أمام تهديدات مشتركة، وعند الحاجة العمل ضدها أيضاً. الإمكانية الكامنة هنا لا نهاية لها، ومن التدريبات المشتركة لأسلحة الجو والبحر، وحتى الاستعانة بالإماراتيين ومالهم وعلاقاتهم – لتطوير مشاريع مدنية – اقتصادية، تجلب الرفاه للفلسطينيين في الضفة وغزة، وضمناً تبعد الحرب.

في هذه الأثناء، على خلفية كورونا والعالم “الأحمر”، ستصبح الإمارات هدفاً شعبياً للإسرائيليين. دبي بجملة مواقعها ستجتذب الكثيرين ممن يبحثون عن قفزة قصيرة إلى الخارج. وسيكتشفون في الإمارات شريكاً وصديقاً حقيقياً، ولكنه بعيداً عن أن يكون إمعة. إذا ما حافظت إسرائيل هنا على وجهها الجميل، فسنشهد قصة حب تتجاوز الحدود.

بقلم: يوآف ليمور

 إسرائيل اليوم 30/10/2020

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية