«خدري الجاي خدري» هكذا تنساب حدود تلك الأغنية العراقية بعذوبة كبيرة، فتجعلك تتخدر فعليًا على أنغامها، وتصنع لك قدحًا آخر، بغنج دافئ وتفاصيل أخرى في تعرجات الكلمات، ومسالك الحروف، والسفر بين أزقة بغداد القديمة.
يرافقك الشاي بلا تردد أو استئذان، بطعم أصيل وذكريات عديدة، وربما أحلام كثيرة. ما إن تسكب شايك بطريقة رومانسية، حتى يبان لك لونه الذهبي الأخاذ، فيستقر قلبك وتفتن عيناك بهذه اللوحة البهية.
استخدم مشروب الشاي في بداية اكتشافه، كمشروب دوائي تعرض لعدة تجارب في الصين، ليتم اعتماده بعد ذلك كمشروب دائم يتذوقه الجميع. انتقلت بعدها زراعته إلى الهند وسريلانكا وتركيا وغيرها من الدول، حتى جلبه الهولنديون إلى أوروبا في القرن السابع عشر، ومنه إلى بريطانيا، ليصبح المشروب المفضل عند الساعة الخامسة. يتنوع طعم الشاي، كما هو شكله حسب الأقطار والعادات بين الشعوب، فالشاي الأخضر هو الاكثر استهلاكًا في دول المغرب العربي، بينما يميل شعب: مصر وبلاد الشام والخليج إلى استخدام الشاي الأحمر، بشراهة كبيرة في المقاهي والزيارات العائلية، كطقس أساسي لا غنى عنه.
يدلل متذوقي الشاي، طرقًا في إعداده بحس شاعري مختلف في كل مرة، فهناك من يضيف الهيل ليكون أصليًا كما يقولون، وهناك من يضيف المريمية والنعناع والحبق حتى يعطيه طعمًا مشوقًا، وهناك فريق ثالث يطربه أن يتراقص الحليب معه، ليذكره بمزاج صباحات الشتاء. المهم في كلا الأحوال هو أن يطيب خاطره بطريقة مبتكرة متناغمة مع وجدانه. كذلك لا ننسى ترف عملية البحث عن طقم أنيق الوجه وحسن المنظر، فبلا هذه الأمور لا يكتمل حضوره ورونقه وأناقته الفريدة، وإن تنوعت الحضارات والطقوس بين البلدان. يستمد الكثيرمن شُرابه، دفء حكايتهم من دفئه برائحته المسكرة، التي تجبرهم على البوح عن الأسرار والخبايا المعلقة في جدران قلوبهم، بحميمية عميقة، بقدرة عجيبة على خلق جو من الألفة والمودة بتعاقب الفصول وتباين الزمان والمكان. إن له سحرًا متمكنًا في جلسات النساء التي تتخللها غرزات إبرة الخياطة ودروس تربية الأولاد، وضجيج الآمال للمستقبل، كما هو سيد حوارات الرجال التي تتقلب بين السياسة والرياضة والمصاريف الاقتصادية الحديثة.
إنه رفيق الأيام وجمال الأوقات وخليل السفر، وترياق الذاكرة، لا تنسى أن تصنع لك قدحًا منه قبل أن تنهي النص، بشرط أن يكون مخدرًا صافيًا.
٭ كاتبة وإعلامية من البحرين
هناك حرب دائمة بين الشاي والقهوة!
المشروب الأول بالنرويج هي القهوة, أما المشروب الأول ببريطانيا هو الشي,
أما المشروب الأول عند الكروي داود فهو الشاي بالهيل, وعند جاري المغربي فهو الشاي بالنعناع!! ولا حول ولا قوة الا بالله
بعيدا عن القهوة والشاي.. ماذا فعلنا باللغة.. عنوان شديد الاسفاف