الحملات الأمنية ساهمت في إرباك الشرائح المتشددة والعنيفة التي تتقمص أحيانا دور الحراك الشعبي وتشوه صورته في الشعارات والهتافات وأعمال الاعتداء على المرافق العامة.
عمان-“القدس العربي”:كيف يمكن فهم تلك العلاقة الخفية بين الحرارة التي ترتفع في أوصال ما يسمى بالمعارضة الخارجية كلما خفتت مظاهر ومؤشرات الحراك الشعبي الداخلي في الأردن؟
يبدو سؤالا محيرا، لكن بعض كبار الساسة وأحيانا كبار المسؤولين يطرحونه بقوة في الغرف المغلقة بين الحين والآخر في ظل رصد عملية تناوب يخفت فيها حراك الشارع الأردني الداخلي ولعدة أسباب في الواقع، بينما تؤسس تغذية ما لأنماط غير مألوفة في تاريخ الأردنيين تؤدي إلى “تسمين” وأحيانا تضخيم تلك المدخلات الناتجة عن معارضين في الخارج.
يبدو للمعارضة في الخارج جمهور في الداخل من صنفين:
الأول يتابع ويتداول ما تفيض به أطراف تلك المعارضة من معلومات أو سيناريوهات أو حتى فبركات بدون فلترة وتدقيق وسرعان ما تتحول هنا حكايات وروايات وأفلام الخارج إلى قصص تلوكها الألسن في الداخل ضمن هوس المنصات.
أما الصنف الثاني فلا يزال سر الأسرار بحكم طبيعة التغذية أحيانا بالتفاصيل وأحيانا بتسريبات وثائق سرعان ما تظهر في أشرطة فيديو منتحلي صفة المعارض الخارجي.
حققت السلطات مرات عدة في مسألة التسريبات. لكن لأسباب غير مفهومة لم تصل بعد لشيء محدد.
وحتى بالنسبة لمسؤولين أمنيين بارزين سألتهم “القدس العربي” مباشرة، فبضاعة معارضة الخارج رديئة ولا تحظى بالمصداقية ولا يجب الاشتباك معها أو حتى الرد عليها حتى لا تمنح قيمة مضافة.
لكن هذا المنطق الأمني السياسي قد لا ينتج عنه فهم محدد لموقف الحكومة الأردنية في المساحة التي تترك الروايات بلا تعليق أحيانا.
في كل حال يصعد ويخبو إنتاج نحو 13 معارضا في الخارج مع فيديوهات وأحيانا رسومات وعبارات تميل إلى الشخصنة على الطريقة المصرية، وفي غالب الأحيان الضخ في قصص وأحداث وتضخيمها على طريقة السرد الشعبوي وما ينتج بالعادة من المخيلة الشعبية مع نسبة أقل من الموضوعية فيما يخص بعض المعارضين، وهو أمر قد يكون السبب المباشر لضعف حماس كبار المسؤولين للرد أو التعليق رغم أن البث على الهواء مباشرة بالنسبة لبعض المعارضين في الخارج يكسب المزيد من الأصدقاء بين الحين والآخر ويلاقي في أوساط المجتمع التواصلي من يساهم في ترويجه وتسويقه.
الأهم قد تكون متابعة ومراقبة الحراك الشعبي الداخلي وهو في الواقع سلسلة من الأصناف تبدأ من حراكات تدعو للإصلاح السياسي والوطني الشامل يشارك بها نخب يعتد بها أحيانا، وتنتهي بحراكات ذات طابع ابتزازي معيشي، من المرجح أن بعض الاجتهادات البيروقراطية عملت أيضا على تسمينها في الماضي، مرورا بحراكات لا هوية لها من أي نوع ولا تنتمي لخطاب واحد أو موحد.
لذلك وفي وقت مبكر قبل أكثر من عام اعتبر المعارض البارز ليث شبيلات أن الحراكات منقسمة، قبل مطالبته بجبهة وطنية لهذه الحراكات بصورة تسمح على الأقل بالتفاوض مع جهات القرار.
لكن أصناف الحراكات بكل أنواعها توقفت عن العطاء والإنتاجية بالتلازم مع ولادة معركة فيروس كورونا.
حتى حراكات المعلمين في الشارع تجمدت الآن وان كانت منظمة ولها هدف نقابي واضح، فيما ظهرت مديرية الأمن العام قبل وأكثر من غيرها وكذلك قوات الدرك في سياق الضبط والربط والاشتباك مع أي حراكات انفعالية تحاول التحشد في الميادين.
وحقق الأمن الداخلي مع المعلمين ومع الحراكات الشعبية في الماضي القريب صولات وجولات من التقدم وتعامل بنعومة وذكاء وبطريقة الاحتواء والحرص على صرامة القانون، كما قال وزير الداخلية الأسبق سلامه حماد عدة مرات لـ”القدس العربي”.
ثمة عنصر إضافي ظهر مؤخرا، فقد وجهت الحملة الأمنية ضد أرباب السوابق والمطلوبين والبلطجية وفارضي الأتاوات رسائل بالعمق تحت عنوان الاستعداد للاشتباك من أجل هيبة الدولة والقانون.
ويعتقد حتى في غرف سياسية وبيروقراطية لا تحب مديرية الأمن العام، أن الحملات الأمنية ساهمت في إرهاب وإرباك الشرائح المتشددة والعنيفة والتأزيمية والتي تتقمص أحيانا دور الحراك الشعبي لا بل تشوه صورته في الكثير من الشعارات والهتافات وأعمال الاعتداء على المرافق العامة.
قد لا يعجب ذلك شرائح كبيرة وكثيرة في المجتمع والنخبة مالت منذ عام 2011 إلى المتاجرة بالحراكات الشعبية لا بل ركبتها واستثمرت فيها بأكثر من صيغة وعلى أكثر من نحو.
وهو أمر قابل للمراجعة اليوم بعد حالة الردع سواء تلك الناتجة عند عقلاء الحراك والمعارضة من الراشدين والحكماء وأصحاب الاحساس بالمسؤولية، أو تلك التي نتجت عن محترفي حراكات الشارع والمتكسبين منها، والفضل بكل حال لمنطق الدمج الأمني والمشرفين عليه حيث توحدت في ملفات أمن الشارع الأردني غرفة عمليات الأمن العام.
لكن كل تلك التطورات تواصل الحصول فيما لا تزال الإجابة غامضة عن ذلك الخيط الذي يربط ظرفيا على الأقل بين انفعال معارضة الخارج كلما تقلص الحراك الداخلي.