البرلمان العراقي يمرر قانون الاقتراض لتأمين الرواتب وسط مقاطعة نواب كردستان

مشرق ريسان
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: صوّت مجلس النواب العراقي، فجر أمس الخميس، على قانون يتيح للحكومة الاقتراض لسدّ العجز المالي الكبير، وتوفير مرتبات الموظفين والمتقاعدين والمستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية، وسط رفضٍ الأحزاب السياسية الكردية، التي غادرت قاعة المجلس، احتجاجاً على أحد بنود القانون والذي يُلزم كردستان إرسال واردات 250 ألف برميل نفط يومياً إلى الحكومة الاتحادية، مقابل التزام الأخيرة بصرف معاشات موظفي الإقليم.
وعادة ما يتكرر ذلك المشهد في كل عام، عند تقديم الحكومة مشروع قانون الموازنة المالية الاتحادية، غير أن عام 2020 الحالي، سرى من دون قانون للموازنة.
وسجّلت الأحزاب السياسية الكردية جمّلة انتقادات على تصويت البرلمان الأخير، ذهبت إلى حدّ التلويح بـ«انسحاب» الأكراد من بغداد.
الأمين العام للحزب «الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني» والسياسي الكردي البارز، محمد الحاج محمود، انتقد بشدة المضي في التصويت على قانون العجز المالي دون التوافق مع الكتل الكردستانية في البرلمان العراقي.

«بقوا عرباً»

وقال الحاج محمود المعروف لدى الأوساط الشعبية بـ«كاكه حمه» في بيان صحافي، «أنا سابقا تحدثت أنه حتى لو تم تسليم الإيرادات كافة والشعب والأمة إلى العراق، فهو غير مستعد لدفع ميزانية ورواتب وحقوق شعب كردستان» مردفا بالقول أن «السنة والشيعة ورغم العداء الذي بينهم إلا أنهم اليوم بقوا عربا، وسوية وبصوت واحد طالبوا بقطع ميزانية ورواتب إقليم كردستان» في إشارة إلى أعضاء مجلس النواب العراقي من المكونين.
وأردف بالقول إن «السنة والشيعة توحدوا ضد الكرد، لذا أدعو برلمان إقليم كردستان إلى عقد جلسة وبالتعاون مع حكومة الإقليم والأحزاب السياسية» مطالباً بإصدار قرار موحد يقضب بـ«ألا يتم مطالبة العراق بالأموال والميزانية والرواتب. وأن ينسحب الكرد من بغداد. وتنظيم موارد إقليم كردستان بشكل ملائم ودفع الرواتب لمن يتقاضونها كل 30 يوما، وألّا يتم انتظار بغداد، وألّا يتم إذلال الكرد أمام بغداد والعرب مرة أخرى».

تكهنات ومخاوف

وأثار التصديق على قانون تمويل العجز المالي العراقي للأشهر الثلاثة الأخيرة من هذه السنة، تكهنات ومخاوف تتعلق بحصة إقليم كردستان من هذا التمويل، ويقول عضو في اللجنة المالية النيابية إن إقليم كردستان يستطيع الحصول على أكثر من 320 مليار دينار (نحو 267 مليون دولار) من بغداد.
ففي توضيح بشأن حصة إقليم كردستان في قانون تمويل العجز المالي العراقي، نشره عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، أحمد حجي رشيد، على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» جاء فيه إن «سلمت حكومة إقليم كردستان النفط سيحصلون على أكثر من 320 مليار دينار». وحذر رشيد في توضيحه من أنه «إن لم يستطع إقليم كردستان خلال الأشهر الثلاثة المشمولة بقانون تمويل العجز المالي إظهار حسن النية وبسرعة ولم يسلم جزءاً من النفط والعائدات، فإن قانون موازنة 2021 سيصل إلى البرلمان قريباً وسيخلق له مشاكل أكبر».

حسن النيّة

وعن المحادثات التي جرت في اللجنة المالية، قال عضو اللجنة والنائب عن الجماعة الإسلامية في كردستان: «تشهد سجلات جلسات اللجنة المالية أننا بذلنا كل ما في وسعنا من أجل الحفاظ على الـ320 مليار دينار، لكن الكتل الشيعية كانت متشنجة جداً وتقول: نزودكم بالمال منذ سنتين بدون أن تسلمونا برميل نفط واحداً، ونظهر حسن النية ونصرف المال ولم يعد هناك مال بدون نفط في المقابل. قالوا: أمامنا انتخابات وجمهورنا لن يرضى بهذا».

نائب عن «سائرون»: بيع أربيل نفطها بعيداً عن شركة «سومو» مخالفة دستورية

وبين أن «وزير الإقليم المكلف بإدارة ملف الحوار بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية، خالد شواني، جاء (أول أمس) إلى اللجنة المالية النيابية، وقرأ نص رسالة حكومة إقليم كردستان المؤرخة في 18 تشرين الأول /أكتوبر 2020 والموجهة إلى الحكومة العراقية، والتي تقول إنها تلتزم بمضمون الاتفاقية المبرمة بيننا» وأضاف «إن سلموا (يقصد حكومة إقليم كردستان) النفط سيحصلون على أكثر من 320 مليار دينار».

التوصل لحل

واقترح رشيد في توضيحه أن يوفد إقليم كردستان وبسرعة وفداً إلى بغداد ويدخل حواراً ويلتزم بمضمون قانون تمويل العجز المالي، وعندها حسب قوله: «يستطيع (إقليم كردستان) الحصول على أكثر من 320 مليار دينار». مشدداً على أن «يجب العثور على حل لملف نفط إقليم كردستان المعقد مع بغداد. يجب التوصل إلى حل، وقد آن الأوان لاتخاذ هذه الخطوة».
وقال عضو اللجنة المالية النيابية إن «في هذا القانون (قانون تمويل العجز المالي) فسحة واسعة للحوار، فقد أشارت الكمية التي تحددها شركة سومو (شركة تسويق النفط الوطنية الاتحادية) من نفط إقليم كردستان، وبهذا يستطيع إقليم كردستان الدخول في حوار مع سومو ويتفق معها على كمية النفط التي يستطيع تصديرها».

مخططات

إلى ذلك، أعلنت النائبة عن كتلة «الاتحاد الوطني الكردستاني» ديلان غفور، أن إرسال رواتب موظفي إقليم كردستان من قبل الحكومة الاتحادية محدد بشروط، وذلك حسب قانون تمويل العجز المالي الذي أقره مجلس النواب فجر أمس.
وقالت في بيان لها إن «النواب الكرد بذلوا جميع الجهود والمحاولات لحماية رواتب موظفي كردستان من المخططات التي كانت تستهدفهم ضمن قانون تمويل العجز المالي» معربة عن «الأسف لتمرير القانون بالأغلبية ودون موافقة الكرد».
وأضافت أن «بغداد سترسل مبلغ 320 مليار دينار كرواتب لموظفي الإقليم بشرط أن تقوم حكومة إقليم كردستان بتسليم كمية النفط التي تحدده شركة تسويق النفط سومو إلى الحكومة الاتحادية، وأن تسلم أيضا الإيرادات غير النفطية».
وأضافت أن «في حال عدم التزام الإقليم، فإن الحكومة الاتحادية لن ترسل المبلغ وحكومة الإقليم تتحمل التبعات القانونية لعدم تنفيذ هذا البند من القانون».

غموض أكثر

في الاثناء، أكد زياد جبار، رئيس اللجنة المالية في برلمان كردستان، أن إقليم كردستان يدخل مرحلة أخرى، بغموض أكثر لمصير رواتب الموظفين.
وقال في تصريح لإعلام حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» إن «مجلس النواب صوت صباح اليوم (أمس) على قانون الاقتراض، بعد انسحاب الكتل الكردستانية من جلسة التصويت» مؤكدا أن «إقليم كردستان يدخل مرحلة أخرى خطيرة بغموض أكثر لمصير رواتب موظفي كردستان».

إصلاحات

وأضاف: «لتجاوز هذه الأوضاع، على حكومة إقليم كردستان اتخاذ خطوتين وبأسرع وقت، أولا: بذل المزيد من الجهود للتوصل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية، ثانيا: زيادة الإيرادات وتقليل المصاريف وتحويل الإصلاحات إلى أرض الواقع».
وأشار إلى «وجود مخاطر على صرف رواتب موظفي إقليم كردستان دون تحديد أي موعد لصرفها».
ويرى نواب بغداد إن إقدام كردستان على بيع نفطها بعيداً عن شركة «سومو» مخالفة دستورية، حسب النائب عن تحالف «سائرون» علاء الربيعي.
وأضاف في منشور على صفحته في «فيسبوك» إن «الكتل الكردية لم تدخل إلى جلسة البرلمان وعمدت على كسر النصاب» مبينا أن «البرلمان سيلزم حكومة الإقليم ببيع النفط عن طريق شركة سومو والإيفاء بمستحقاته لبغداد».
وصوت البرلمان العراقي في وقت سابق من فجر أمس على قانون الاقتراض الذي تنتظره الحكومة لتأمين رواتب الموظفين المتأخرة منذ عدة أسابيع، حيث تمر البلاد بواحدة من أصعب الأزمات المالية، بفعل تراجع أسعار النفط.
وتعرقل انعقاد الجلسة بعد أن قاطعت الكتل الكردية جلسة التصويت بعد خلاف حول مقترح تقدمت به كتل نيابية شيعية تضمن «تحدد حصة إقليم كردستان من مجموع الإنفاق الفعلي ـ النفقات الجارية ونفقات المشاريع الاستثمارية ـ بعد استبعاد النفقات السيادية المحددة بقانون الموازنة العامة الاتحادية بشرط التزام إقليم كردستان بتسديد النفط المصدر من الإقليم وبالكميات التي تحددها شركة سومو حصراً والإيرادات غير النفطية الاتحادية، وفي حالة عدم التزام الإقليم لا يجوز تسديد نفقاته ويتحمل المخالف لهذا النص المخالفة القانونية».
وانعقدت الجلسة بمشاركة أغلب النواب بمن فيهم الكرد، بعد الاتفاق على تأجيل التصويت على تلك النقطة الخلافية، لكن البرلمان مضى بالتصويت على المادة مما تسبب بوقوع مشادة كلامية بين نواب كرد وآخرين من كتل شيعية تسبب بانسحاب الكرد من الجلسة.

توقع انهيار مالي

في المقابل، توقع تقرير لمعهد «كارنيغي» للسلام الدولي، حدوث انهيار مالي كلي للدولة العراقية خلال العام المقبل جراء انخفاض أسعار النفط واستمرار تداعيات تفشي جائحة كورونا.
وجاء في تقرير للمعهد، أن «لهذه الأزمة المالية تداعيات في المدى القصير كما الطويل، ففي المدى القصير، تجد بغداد صعوبة مستمرة في دفع رواتب موظفي القطاع العام، ما اقتضى من الدولة اقتراض الأموال من المصرف المركزي خلال الصيف».
وأضاف، أن «مع تدني الإيرادات النفطية، باتت المداخيل الشهرية للدولة تغطي 50 في المئة فقط، وقليل من النفقات الحكومية، وفي المدى الأطول، يواجه العراق انهيارا ماليا كليا للدولة، يرجح أن يحدث خلال العام المقبل وأن البلاد تجد صعوبة في تغطية نفقاتها الشهرية».
وأوضح، أن «حجم القطاع العام توسع في عهود الحكومات المتعاقبة إلى درجة أن مجموع الإيرادات التي تحققها الدولة العراقية لم يعد كافيا لتسديد النفقات الأساسية، أي رواتب القطاع العام، والمعاشات التعاقدية، والمساعدات الغذائية، وكلفة برامج الرعاية الاجتماعية، وباتت الدولة بحاجة إلى إنفاق مبالغ تفوق إيراداتها من أجل تغطية هذه النفقات الأساسية وإبعاد شبح العوز والحرمان عن أكثرية الشعب العراقي».
وأشار التقرير إلى أن «في عام 2019، بلغ متوسط العائدات النفطية 6.5 مليار دولار في الشهر، وتضاف إليها الإيرادات غير النفطية المتواضعة (وهي عبارة بصورة أساسية عن الرسوم الجمركية، ومجموعها أقل بكثير من مليار دولار في الشهر) وقد غطت هذه العائدات الحكومية النفقات التشغيلية، وتبقى مبلغ صغير للإنفاق الرأسمالي».
ومنذ تعافي أسعار النفط بعد التدهور الذي شهدته في آذار/ مارس الماضي، بلغ متوسط العائدات النفطية العراقية أكثر بقليل من 3 مليارات دولار في الشهر، ووصل إلى 3.52 مليار دولار في آب/ أغسطس الماضي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية