هل خرج الشيطان من القمقم؟

حجم الخط
4

يدور نقاش منذ خمس سنوات بين مؤيدي طلب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الاعتراف بدولة اسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي وبين معارضي ذلك – سواء على اعتبار أن لاسرائيل لا تحتاج الى الاعتراف الفلسطيني بوجودها كدولة الشعب اليهودي أو على اعتبار أن هذا الطلب لا لزوم له، وأنه يثقل على المفاوضات من اجل الاتفاق.
إن طلب الاعتراف باسرائيل كدولة للشعب اليهودي هو تعبير عن حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره. المجتمع الدولي اعترف بحق تقرير المصير للشعب اليهودي أكثر من مرة، وقد أعطى البريطانيين الانتداب لاقامة دولة يهودية، وهذا الاعتراف موجود في القرار 181 للامم المتحدة منذ 29 تشرين الثاني 1949.
إن حق تقرير المصير هو حق طبيعي وهو معطى لكل شعب. ورفض اعطاء حق تقرير المصير لاسرائيل كدولة الشعب اليهودي يعكس إنكار وجود الشعب اليهودي. جذور هذا الرفض هي الموقف القائل إن اليهودية هي دين فقط وأن دولة اسرائيل هي دولة كل مواطنيها، يهود أو غير يهود، وليس لها هوية قومية.
حينما حُشرت القيادة الفلسطينية في الزاوية وأُحرجت من القول علنا إنها لا تعترف بوجود الشعب اليهودي، فهي متعلقة بالتفسير القائل إنه ليس من شأنها المصادقة على اعلان الاستقلال لدولة اسرائيل أو المصادقة على القرارات الدولية. هناك متحدثون يقولون باستخفاف إن اسرائيل تستطيع قول ما تشاء، لكنهم غير معنيين بأن تخرج هذه الاقوال الى حيز التنفيذ.
خلال السنوات الاخيرة حظي الطلب الاسرائيلي في موضوع الاعتراف باسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي بتأييد رؤساء الولايات المتحدة وزعماء آخرين في المجتمع الدولي. لكنهم لم يضغطوا بشكل فعلي على القيادة الفلسطينية كي تتراجع عن موقفها. وفي احيان معينة نظروا الى الطلب الاسرائيلي على أنه عرضي لا داعي له. وقد نجحت القيادة الفلسطينية في افراغ الطلب الاسرائيلي من المضمون واعتباره عائقا في طريق السلام. وعندما طُلب من القيادة الفلسطينية تقديم تفسير لاعتراضها القاطع للاعتراف المطلوب قدمت هذه القيادة، من محمود عباس وحتى آخر المتحدثين، تفسيرا يستند الى ثلاثة أسس:
1- الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية يعني الغاء حق العودة للفلسطينيين.
2- الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية يعتبر إنكارا لحقوق سكان دولة اسرائيل العرب.
3- الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية يعني تغيير الرواية الفلسطينية وقبول الرواية الاسرائيلية. وبكلمات اخرى القبول بالاجحاف والخطأ التاريخي.
مع بداية تشرين الاول 2014 تم تقديم وثيقة فلسطينية عنوانها: مسودة فلسطينية لقرار مجلس الامن فيما يتعلق بالاطار المؤقت لانهاء الاحتلال الاسرائيلي.
في هذه المسودة قدم الفلسطينيون طلبهم لانهاء الاحتلال الاسرائيلي والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ويستند الفلسطينيون في طلبهم الى قرارات الامم المتحدة، والمؤتمرات الدولية والقانون الدولي والعدل.
البند الاكثر أهمية في المسودة هو البند (3 أ) الذي يطالب بالانسحاب الاسرائيلي بشكل كامل من جميع المناطق التي احتلت عام 1967 (ومن اجل الدقة التاريخية تم في عام 1967 احتلال مناطق من الاردن ومصر وليس من السيادة الفلسطينية فقط)، بما في ذلك القدس الشرقية. الطلب هو تحقيق الاستقلال بالسرعة الممكنة وفي اطار جدول زمني محدد لا يتجاوز تشرين الثاني 2016. وهذا من اجل تحقيق الحرية والاستقلال وتقرير المصير للشعب الفلسطيني.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: اذا كان حق تقرير المصير هو شرط ضروري وأساسي من وجهة النظر الفلسطينية كحق طبيعي لهم، فلماذا يعارضون حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره ولم يفكر أحد في الامم المتحدة أو المجتمع الدولي في طرح هذا السؤال على الفلسطينيين؟ الطلب الفلسطيني لحق تقرير المصير أمر مفروغ منه ولم يفكر أحد في تصعيب الامر والسؤال لماذا يريد الفلسطينيون هذا الاعتراف. فهذا موجود في القرار 181 للامم المتحدة ويمكن للدولة الفلسطينية أن تقرر ما شاءت، ولم يعتقد أحد أن هذا مطلب عرضي يهدف الى تصعيب التوصل الى اتفاق.
هل طلب الفلسطينيين الاعتراف بحق تقرير المصير الى جانب رفضهم المتشدد الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب اليهودي يحمل أكثر من مغزى حول احتمالية التوصل الى اتفاق سلام حقيقي بين الدولة الاسرائيلية والفلسطينية؟ أعتقد أنه حان الوقت لوضع الفلسطينيين أمام هذا السؤال الاساس وسماع تفسيرهم لغياب التبادلية. على القيادة الفلسطينية واجب اخلاقي وجماهيري وسياسي لكي توضح السبب في أن حق تقرير المصير للفلسطينيين هو حق طبيعي وشرط لاقتراح قرار حول الانسحاب الاسرائيلي الكامل والاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود 1967، ولكنه ليس كذلك عند الحديث عن الشعب اليهودي ودولة اسرائيل.
إن الطلب الفلسطيني للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ورفض الاعتراف بحق الشعب اليهودي أمر مقلق. من الصعب الغاء حجة من يرى أن رفض الفلسطينيين الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب اليهودي تعبيرا عن عدم الرغبة في التوصل الى اتفاق سلام حقيقي، أي تعبيرا عن «استراتيجية المراحل» بصيغة مُحكمة ومخففة، والسعي التاريخي للقضاء على الكيان اليهودي القومي في ارض اسرائيل الغربية من اجل اقامة الدولة الفلسطينية من البحر الى النهر.
ليس هناك حاجة لبذل جهد خاص من اجل رصد تصريحات مسؤولين فلسطينيين حول هذه النوايا، فالحلم الوطني الفلسطيني موجود في كتب التعليم والاعلام والنقاشات العامة في الساحة الفلسطينية وايضا في ميثاق فتح والميثاق الوطني الفلسطيني – ميثاق منظمة التحرير لم يتم تغييره فعليا رغم التعهد بفعل ذلك (الصيغة الكاملة موجودة في المواقع الرسمية لـ م.ت.ف).
ونظرا لأن القيادة الفلسطينية لا زالت ملتزمة، رسميا، باتفاقات اوسلو، ولأنها تعلن باستمرار عن نيتها التوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل، فان عليها أن تقدم تفسيرا لمطلبها الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في حين أنها تعارض بشدة نفس الحق للشعب اليهودي في دولة اسرائيل.

كوبي ميخائيل
نظرة عليا 25/11/2014

صحف عبرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح مصر:

    الشعب الفلسطيني يجمع كل الاطياف، الديانات
    ممكن الاعتراف بحقوق الشعب الاسرائيلي لكن الشعب اليهودي يعني استقصاء العرب المقيمين داخل ما يعرف ب اسرائيل

  2. يقول كمال رمضان:

    الحكومة الحالية للكيان الصهيونى كنز استراتيجى للقضية الفلسطينية.

  3. يقول صالح:

    لهم دينهم ولي دين. فلسطين عربية وستبقى عربية لا، عبرية، من البحر إلى النهر وليس على 22% من أراضيها التاريخية كما يقول الشيخ محمود عباس

  4. يقول م . حسن . هولندا:

    إسرائيل تريد أن تصبح أكثر يهودية , وفلسطين تحتاج الي إستقلال بدون تقديم مزيد من التنازلات ؟

إشترك في قائمتنا البريدية