عندما تقطعت به السبل منذ عام كامل، وتسببت الأزمة الاقتصادية في فقدانه لعمله، لم يجد اللاجئ الفلسطيني أبو إسماعيل من سكان مخيم شاتيلا قرب العاصمة اللبنانية بيروت، حلّا سوى بيع أثاث منزله لإعالة أسرته، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان نتيجة انهيار الليرة اللبنانية وأسباب أخرى.
حال أبو إسماعيل كحال الكثير من اللاجئين في المخيمات الفلسطينية في لبنان، ممن يسعون وراء تأمين لقمة عيش أسرهم واحتياجاتهم اليومية في ظل الوضع الاقتصادي المتردّي، وقلة فرص العمل، وعدم تقديم الدعم الكافي لهم من قبل المنظمات والمؤسسات العاملة في الوسط الفلسطيني.
هذا الواقع هو ما دفع الكثير منهم للتفكير في بيع ممتلكاتهم البسيطة، لعلها تؤمن لهم شيئا من لقمة العيش.
انهيار الليرة اللبنانية وغلاء المعيشة أديا لحالة من الفقر المدقع في أوساط اللاجئين، إلى جانب منعهم من قبل الحكومة اللبنانية من ممارسة أكثر من عشرات المهن، إضافة إلى شروط واجب توافرها للحصول على إجازة عمل.
تقود الرغبة في الحصول على حياة كريمة للاجئين الفلسطينيين قيامهم ببدائل مريرة متعددة من أجل الحصول على المال الكافي لتأمين أدنى متطلبات الحياة. صعوبات جمة يعيشها اللاجئون نحو “حياة” دونها شقاء وبعضا من أمل.
هذا ما يؤكد أن الأزمة الاقتصادية، وانهيار العملة الوطنية في لبنان إلى جانب الإجراءات المتخذه للوقاية من فيروس كورونا، ضاعفت من معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وأرخت بظلالها على واقعهم وأوضاعهم المعيشية، والاجتماعية.
وجاءت القرارات الأخيرة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بتخفيض رواتب ومعاشات معظم الموظفين في مناطق عملياتها الخمس إلى النصف، وتقليص خدماتها ومساعداتها الإنسانية والإغاثية والغذائية، لتضاعف من معاناة الفلسطينيين في لبنان.
وقد برزت هذه المعاناة من خلال ارتفاع معدلات الفقر ونسبة البطالة في صفوف الشباب، وارتفاع أسعار السلع التموينية والغذائية.
هذا ما جعل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة، بعد أن انقطعت بهم السبل لجهة عدم قدرتهم على تأمين الحد الأدنى من مدخولهم اليومي لتسيير أمورهم الحياتية والمعيشية. وتوقف العديد من العمال الفلسطينيين عن أعمالهم أو عدم قدرتهم الوصول إلى أماكن عملهم بسبب الحجر الصحي وقرارات الحكومة اللبنانية للوقاية من فيروس كورونا، بالاضافة إلى الانهيار الاقتصادي والظروف والأحداث السائدة في لبنان.
وأمام هذا الواقع المأساوي، لم تقدم وكالة “الأونروا” ومعها جميع المؤسسات والمنظمات والمرجعيات المسؤولة عن حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الدعم والمساعدة لإنقاذ حياتهم والتخفيف من معاناتهم وأزماتهم.
لذلك، أطلقت جمعيات إنسانية، وشخصيات ناشطة مبادرات فردية، لتشجيع اللاجئات الفلسطينيات على العمل والإنتاج داخل منازلهن، وتعهدت بتسويق ما يمكن صناعته من تحف تراثية، ومربيات وحلويات، ومأكولات شعبية، وخياطة الملابس.
وتقوم المؤسسات الاجتماعية والإغاثية المحلية بجهود ضخمة في تقديم العون والمساعدة وتوزيع الحصص الغذائية، بحسب الإمكانات، لكن هذه الجهود تبقى شحيحة قياسا بحجم الأوضاع الصعبة التي يمر بها أبناء المخيمات.
كما أُطلق برنامج التمكين الاقتصادي للاجئين الفلسطينيين في لبنان والمتمثّل بتقديم قروض صغيرة ومتناهية الصغر لتمويل مشاريع تدر دخلا لسكان المخيمات والتجمعات الفلسطينية، بحيث تساهم هذه المشاريع في تحسين المستوى المعيشي لهم، وتوفر لهم دخلا ثابتاً.
يهدف البرنامج إلى تحسين المستوى المعيشي لسكان المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان وذلك من خلال تنفيذ مشاريع خاصة بهم، وتوفير فرص عمل جديدة لهم تساعد على رفع مستوى معيشتهم والحد من الاعتماد على المساعدات الخارجية وخلق نوع من الاستقرار الاقتصادي.
تنمية مهارات الشباب
وعد برنامج التمكين، الاستقلالية الاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان – رغم كل الصعوبات التي يواجهونها – الهدف الأهم من أجل دعم صمودهم وثباتهم ومحافظتهم على هويتهم الفلسطينية. ويعمل البرنامج على استهداف الشباب من خلال تطوير قدراتهم وتنمية مهاراتهم في المراحل الأولى من حياتهم لخلق روح القيادة لديهم وتوفير مقومات استقلالهم المهني.
يستهدف البرنامج كافة المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان بمختلف شرائحها وفئاتها، والمناطق المسموح للاجئين الفلسطينيين العمل فيها قانونيا. إذ يغطي البرنامج القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والتي تشمل: الصناعة، الزراعة، التجارة، الخدمات، التكنولوجيا، الصحة، والتعليم.
وتتلخص آلية العمل في هذا البرنامج في توفير قروض صغيرة للاجئين الفلسطينيين لتشجيعهم على إنشاء مشاريع جديدة أو لتطوير مشاريع قائمة.
من جهته، يعتقد أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتور هاني جوهر، أن الواقع الاقتصادي والمعيشي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهو واقع صعب ناجم عن تخلف المرجعيات الخدماتية المعنية بتقديم الخدمات (الأونروا، الدولة اللبنانية ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية). وهذا ما يهدد النسيج الاجتماعي للاجئين داخل المخيمات التي تشهد كثافة سكانية قلما نجدها في منطقة أخرى، بكل ما لذلك من انعكاسات طالت جميع المجالات الاقتصادية. كل هذه المشكلات زادت حدتها وتضاعفت بفعل عدة تطورات انعكست سلبا على عموم الحالة الفلسطينية في لبنان ودقت ناقوس خطر على ضرورة معالجة تداعياتها على أكثر من مستوى.
خطة طوارئ
أن معظم المهن التي يعمل فيها فلسطينيون قد تأثرت بالاوضاع المستجدة في لبنان (بائعين متجولين وعمال بناء ومزارعين).
ويؤكد الدكتور جوهر لـ”القدس العربي”ان كل هذه الأمور مضافا إليها الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب للعائلات الفلسطينية في لبنان والتي تشكو أصلا من أوضاع صعبة تترجمها النسبة الأعلى بين مناطق عمليات “الأونروا” الخمس في “حالات برنامج شبكة الأمان الاجتماعي” كما تترجمها نسب الفقر المرتفعة (90 في المئة) وارتفاع نسب البطالة خاصة بين صفوف الشباب (85 في المئة).
ورأى أن كل المعطيات السابقة يجب ان تشكل جرس انذار بالنسبة لجميع الهيئات المعنية اللبنانية والفلسطينية وأيضا وكالة “الأونروا” حول التداعيات السلبية لاستمرار الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني في لبنان على بؤسها، مع التحذير من انعكاسات ذلك على الوضع الأمني والاجتماعي، وهذا ما يتطلب بالتأكيد من وكالة الغوث لتحمل مسؤولياتها لجهة إغاثة العائلات الأكثر فقرا أو تلك التي تأثرت بالأحداث الأخيرة، سواء كانوا من لاجئي لبنان أو المهجرين الفلسطينيين من سوريا، عبر تبني خطة طوارئ سريعة تستجيب للواقع المستجد.
في السياق، يقول عبد القادر كابولي – أمين سر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين/فرع لبنان لـ “القدس العربي” إن معدل البطالة في المخيمات كان يبلغ حوالي 40 إلى 50 في المئة، وبعد الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان اليوم وهبوط الليرة وحالة التعبئة العامة على أثر جائحة كورونا التي ألمت بالعالم أصبحت نسبة البطالة لدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حوالي 90 في المئة، وآلاف العمال متخوفون من فقدان عملهم نهائياً.
ويضيف، أوضاع العمال الفلسطينيين الصعبة في المخيمات الفلسطينية في لبنان هي قصة قديمة جداً من تاريخ اللجوء. فالنظام السياسي اللبناني مرة يعتبر الفلسطيني لاجئاً ومرة يعتبره أجنبياً.
بدورها، أطلقت منظمات المجتمع المدني العاملة داخل المخيمات الفلسطينية، نداءات عدة خلال الأيام القليلة الماضية تحذر من استمرار الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني في لبنان على بؤسها، وانعكاسات ذلك على اكثر من صعيد، وهذا ما يتطلب بالتأكيد من وكالة الغوث الأممية لتحمل مسؤولياتها لجهة إغاثة العائلات الأكثر فقرا أو تلك التي تأثرت بالتطورات الأمنية والاقتصادية والصحية الأخيرة، عبر تبني خطة طوارئ سريعة تستجيب للواقع المستجد. دون اغفال مسؤولية الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني المدعوة إلى تنسيق جهودها لجهة العمل بشكل موحد سواء عبر تقديم المساعدات الإغاثية العاجلة أو لحث المنظمات والمؤسسات الدولية على توفير الاحتياجات الغذائية والمعيشية للعائلات المحتاجة.
وسط هذه المصاعب، وفي ظل إجراءات أدت لتوقف الناس عن أعمالهم وتأمين لقمة عيش عائلاتهم، وارتفاع نسبة البطالة والفقر، طرحت منظمة حقوقية فلسطينية لـ”القدس العربي” جملة من التساؤلات.
من المسؤول عن البحث عن آليات ومشاريع من شأنها التخفيف من وطأة معاناة اللاجئين الفلسطينيين الإنسانية، في ظل التدهور الاقتصادي والمالي الحاد في لبنان؟ وعلى عاتق من تقع مسؤولية وضع برنامج طوارئ إغاثي شامل؟
وأكدت على أن وكالة “الأونروا” ملزمة، بموجب قرار تأسيسها الدولي عام 1949 بتقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في مناطق وجودهم الخمس (الضفة الغربية، غزة، الأردن، سوريا، ولبنان) والمتمثلة بالإيواء والغذاء والتعليم والصحة، خاصة في الكوارث وأوقات الأزمات.