التغيرات تفرض على الروس والإيرانيين الاستعجال في إنهاء ملف شمال غرب سوريا الشائك مع تركيا قبل تصاعد خطر تنظيم “الدولة” في المنطقة.
تزايد نشاط عناصر تنظيم الدولة الإسلامية خلال شهري تشرين الأول/اكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وبدأت تظهر علائم سيطرة تتجاوز مرحلة الخلايا، وانتقلت إلى مرحلة سيطرة فعلية، فتمكن التنظيم من إيقاع قائد اللواء 137 بكمين محكم، وقتله مع مرافقته، يوم الأربعاء، يشير إلى قدرة عسكرية متكاملة، تبدأ من المراقبة والرصد والمتابعة، إضافة إلى استجابة عسكرية سريعة من قبل التنظيم وإعطاء أوامر إلى الجماعات المنتشرة في البادية للتحرك وتنفيذ كمين يؤدي إلى مقتل العميد بشير سليم إسماعيل قائد أهم القطع العسكرية لقوات النظام في شرق سوريا، ويتبع للفرقة 17 مشاة. وتشير المعلومات إلى أن الكمين نفذ في منطقة متقدمة من فيضة ابن موينع باتجاه بادية الميادين في بادية دير الزور. ويعتبر إسماعيل من أكثر الضباط قربا من الروس. وهو ما دفع البعض لوضع إشارات استفهام حول مقتله، متهمين قيادة عمليات الحرس الثوري الإيراني في دير الزور بتدبير مقتله وتسريب موقع تحركه. ولقب إسماعيل بـ “أسد الصحراء” ويعتبر خبيرا بالمنطقة الشرقية حيث كان قائد أركان الفوج 154 قوات خاصة المنتشر جنوبي القامشلي. وينحدر من قرية ضهر مطرو في ناحية الدريكيش قرب طرطوس.
والعميد إسماعيل الشخصية الرفيعة الثالثة التي تلقى مصرعها في محور النظام، بعد مقتل اللواء الروسي فياتشيسلاف جلادكيخ، وقائد قوات الدفاع الوطني في الميادين، محمد تيسير الظاهر، وأربعة من عناصر الدفاع، في انفجار عبوة ناسفة قرب حقل التيم النفطي شرقي دير الزور في آب (أغسطس) الماضي، والذين قتلوا خلال عملية “الصحراء البيضاء” التي أعلن عنها مركز حميميم العسكري ضد الجماعات المرتبطة بأمريكا.
وتركزت عمليات تنظيم “الدولة الإسلامية” شرق نهر الفرات على استهداف وسائط النقل المختلفة التابعة للقاطرجي سواء صهاريج النفط الخام أو الشحنات المقطورة التي تنقل القمح من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”. وأصبح العاملون في الإدارة الذاتية التابعة لقسد هدفا سهلاً لخلايا “الدولة” التي تقوم بخطفهم وقتلهم. كما تتنفذ كمائن منفردة بحق العناصر المنتسبين إلى مجلس دير الزور العسكري التابع لقسد. وانتقل التنظيم إلى مرحلة النحر وقطع الرؤوس لبعض العسكريين المحليين المنضوين في الميليشيات الإيرانية أو ضمن قسد، وهو ما يشير إلى السيطرة الفعلية والراحة الكبيرة لعناصره وعدم الخوف من المطاردة أو البحث عنهم. وتشهد بعض قرى سرير نهر الفرات الأيسر سيطرة ليلية للتنظيم مع انسحاب حواجز قسد ومجلس دير الزور العسكري من الطرقات ومداخل القرى. وتفجر خلايا التنظيم العبوات الناسفة في عناصر قسد على الطرق الفرعية في منطقة الحوايج المؤدية إلى حقل العمر النفطي الذي يعتبر أكبر الحقول النفطية السورية.
وبلغ نشاط عناصر التنظيم ما يتجاوز العمل الأمني والاغتيالات بمسدسات كواتم الصوت إلى الظهور العلني في مناطق خط الخابور الواقعة في جنوب محافظة الحسكة. ونقلت صحيفة “جسر” الإلكترونية المتخصصة بشرق سوريا، أن عناصر التنظيم يتجولون على الدراجات النارية بشكل علني و “يحملون أثناء تجوالهم مكبرات صوت (بافلات)، تبث أغانٍ وأناشيد جهادية بصوت مرتفع”.
وتشير الأخبار الواردة من المناطق الشرقية إلى أن حجم العمليات هو أكبر بكثير من المعلن منها والتي يتبناها تنظيم “الدولة” بسبب تشتت مركزيته الإعلامية، وعدم مقدرته على تصوير إصدارات مرئية يبثها بشكل دائم كما كان يفعل دائما والتي شكلت عامل الجذب الرئيسي بتجنيد المقاتلين من جميع الدول. حيث استهدف التحالف الدولي الجناح الإعلامي تقنياً، إضافة لمطاردة العاملين فيه وخصوصا الأردني محمد خضر موسى رمضان، الذي أعلنت الخارجية الأمريكية عن تخصيص مبلغ ثلاثة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكان تواجده. ويعتبر رمضان مهندس إعلام التنظيم الرئيسي في حين يقتصر عمل الجناح الإعلامي على بث الصور المتفرقة هنا وهناك وخصوصا للعمليات المنفذة في البادية والتي يبدو فيها أن إعلامييه أكثر مقدرة على العمل دون مطاردة.
التحكم بالطرق الحيوية
رغم النشاط الكبير لخلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في شرق الفرات، إلا أنه يبقى بؤرا وخلايا لن تستطيع الإعلان عن نفسها بسبب “نشاط التحالف الدولي للقضاء على داعش” الذي تقوده أمريكا. حيث كثفت الأخيرة بمساندة قوات الأمن الداخلي “أسايش” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، وغالبية عناصرها من المقاتلين الأكراد. تبقى منطقة البادية السورية هي منطقة النشاط الرئيسي ونقطة انطلاق نحو الأهداف المختلفة غربا وشرقا. ويبسط التنظيم سيطرته على كامل البادية ومنها يهاجم الميليشيات الإيرانية في باديتي الميادين والبوكمال ومنطقة غرب السخنة ومنها يتحرك إلى ريف سلمية الشرقي ومنطقة اثريا وريف الرقة الجنوبي.
هذه السيطرة، تعني أن التنظيم سيعود المتحكم الرئيسي بطريق دمشق-دير الزور والمنطقة الشرية عموماً، وانه سيعود لتهديد طريق سلمية-خناصر-حلب وهو شريان مدينة حلب الوحيد الذي بقي تحت سيطرة النظام بعد انقطاع الطرق الدولية M5 وM4 في معارك 2012.
ويعيق التنظيم الحركة المحتملة لما قيل أنها طريق تجارية للبضائع السورية إلى المملكة السعودية عبر معبر عرعر الذي فتح مؤخرا مع العراق، كما يهدد سيولة الحركة الإيرانية العسكرية بين العراق ودمشق.
وفي توسع نشاط التنظيم غربا فإنه سيوقف حركة خط قطار الحجاز الذي بدأ النظام بإصلاحه في عدة مناطق، خصوصا وان جبهة النصرة وتنظيم “الدولة” لم يفككانه على غرار ما فعلت الأولى بسكة القطار بين حلب واللاذقية. ويؤثر النشاط كما أصبح واضحا على حركة النفط الخام الذي تبيعه الإدارة الذاتية إلى نظام الأسد عبر عدة وسطاء أهمهم القاطرجي ووكلائه.
بالطبع فإن السيطرة على البادية السورية وطرقها الحيوية لن تحاصر المنطقة الشرقية وتعزل مناطق سيطرة النظام كما حصل في الأعوام 2013 و2018 لكنها ستجعل كلفة التنقل باهظة جدا، وستجبره على التفكير بأهمية الاعتماد على طريق M4 في شمال الرقة وصولا إلى منبج والباب.
وسيدفع النشاط المتزايد وقوة تنظيم “الدولة الإسلامية” روسيا إلى تركيز جهدها على منابع الطاقة التي أخذت عقودها في ريف حمص الشرقي وخصوصا الغاز والفوسفات. وتدرك قيادة العمليات العسكرية في حميميم أن قوات فاغنر والتي تشرف على قوات سند الأمن العسكرية وصائدو داعش لن تستطيع جميعها صد الهجمات في حال وصولها إلى أبواب تلك الحقول. وبنفس الوقت فأنها لا تفضل الاعتماد على الميليشيات الإيرانية بأي عمل مباشر من أعمال الحراسة، في ظل التنافس الاقتصادي بين الطرفين، وهو ما سيجبرها على العمل سريعا على تحريك عناصر الفيلق الخامس التابع لها، أو انها ستنشر قوات “اللواء الثامن” الذي يقوده احمد العودة في محافظة درعا إلى مناطق البادية السورية لحراسة طريق تدمر-دير الزور مع المليشيات الإيرانية. وكل تلك الاحتمالات والتغيرات تفرض على الروس والإيرانيين الاستعجال في إنهاء ملف شمال غرب سوريا الشائك مع تركيا قبل تصاعد خطر تنظيم “الدولة” في شرق سوريا، لأن فتح جبهتين في نفس الوقت سيكون مكلفا على جيش النظام والميليشيات الإيرانية.