الوباء وراء زيادة البطالة: أرقام قياسية تضرب سوق الشغل في المغرب

ماجدة أيت لكتاوي
حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي» : لم يكن أمام نادية، وهي مستخدمة في معمل للخياطة في مدينة سلا (المجاورة للعاصمة الرباط)، إلا اللجوء إلى آلة خياطة تملكها من أجل ضمان قوت يومها بعد تسريحها قبل شهرين رفقة عشرات من زميلاتها.
«خفَّض المعمل من اليد العاملة، وكنت ممن تم تسريحهن، استفدت من مبلغ بسيط مع وعود عديدة بإعادتنا للعمل فور تحسن الأوضاع وانتهاء الجائحة»، تقول نادية لـ»القدس العربي»، وهي أم لولدين يافعين يدرسان بالمستوى الثانوي.
منذ شهرين، لجأت المتحدثة إلى آلة الخياطة التي لم تفرط بها، تحكي بحسرة: «أصلحت بعض أعطابها البسيطة، وجعلت لي ولها مكاناً في البيت، أقوم بتفصيل وخياطة ملابس البيت لفائدة نساء الحي وصديقاتهن، وبدأت قبل مدة في خياطة الملابس الثقيلة، كما لا أتوانى عن تصليح ملابس الأطفال ما تمزق منها وما يحتاج إلى ترقيع أو تضييق».
نادية واحدة من بين آلاف المغاربة ممن فقدوا عملهم القار خلال عام 2020 وإن كانت وجدت الخياطة لها متنفساً للرزق وكسب بعض الدراهم اليومية، فإن كثيرين لم يجدوا فُسحة للخروج من براثن البطالة التي طالتهم بغتة، حيث سجل تقرير صادر عن «المندوبية السامية للتخطيط» ارتفاعاً قياسياً لمعدل البطالة في المغرب، منتقلاً من 9.4 بالمئة خلال الفصل الثالث من سنة 2019 إلى 12.7 في المئة خلال الفترة نفسها من سنة 2020.
وكشفت معطيات المندوبية، وهي مؤسسة إحصائية رسمية، ضمن تقرير حول «تطور مؤشرات سوق الشغل خلال الفصل الثالث من سنة 2020» أن الوسط الحضري تضرر بشكل أكبر منتقلاً من 12.7 في المئة إلى 16.5 في المئة، في وقت سجل المعدل ارتفاعاً مهما في الوسط القروي، كذلك منتقلاً من 4.5 في المئة إلى 6.8 في المئة.
النساء كن أكبر متضرر من البطالة، حيث انتقل المعدل من 13.9 في المئة إلى 17.6 في المئة، كما سجل ارتفاعاً حاداً في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، إذ انتقل من 26.7 في المئة إلى 32.3 في المئة، إلى جانب ارتفاعه في أوساط حاملي الشهادات؛ حيث انتقل من 15.5 في المئة إلى 18.17 في المئة.
المعطيات التي كشفت عنها مذكرة المندوبية السامية للتخطيط سجلت فقدان الاقتصاد المغربي لـ 581 ألف منصب ما بين الفصل الثالث من العام الماضي والفصل نفسه من العام الحالي، وتضرر قطاع الخدمات فاقداً 260 ألف منصب عمل، متبوعاً بقطاع الفلاحة والغابة والصيد البحري، الذي فقد 258 ألف منصب، ثم قطاع الصناعة بما فيها التقليدية الذي فقد 61 ألف منصب. وسجلت الأرقام المرصودة انخفاض إجمالي عدد ساعات العمل في الأسبوع من 479 مليون ساعة خلال الفصل الثالث من سنة 2019 إلى 409 مليون ساعة في الفصل الثالث من سنة 2020 انخفاضاً يُعادل 1.46 مليون شغل بدوام كامل.ويهم هذا الانخفاض جميع القطاعات، يتصدرها قطاع الخدمات بـ36 مليون ساعة، متبوعاً بقطاع الفلاحة والصيد البحري بـ17 مليون ساعة، يليه قطاع الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية بـ9 ملايين ساعة، ثم قطاع البناء والأشغال العمومية بـ8 ملايين ساعة.
في قراءة للمعطيات، اعتبر المحلل الاقتصادي عبد النبي أبو العرب، أن الأرقام المضمنة في تقرير المندوبية كانت منتظرة في سياق الجائحة وتداعياتها الخطيرة، لافتاً إلى أن بعض القطاعات تضررت بشكل شبه كامل وكان لها دور كبير في سوق العمل في المغرب، وعلى رأسها السياحة الذي ساهم بشكل كبير في ارتفاع البطالة، موضحاً أن القطاع الحيوي في المغرب فقد 95 في المئة من أنشطته وعرف تراجع توافد السياح بحوالي 97 في المئة.
وقال لـ«القدس العربي»، إنه من الطبيعي ارتفاع البطالة بشكل تلقائي عند تراجع الأنشطة الخدماتية والاقتصادية والتجارية بطريقة شبه كاملة، متوقعاً أن تستمر أرقام البطالة في الارتفاع كما أن المؤشرات الاقتصادية ستزداد سوءاً خصوصاً منها ما يتعلق بالخزينة العمومية.
«نرجو أن تكون أخبار اللقاح صحيحة ونتمكن من عودة الأنشطة الاقتصادية إلى ما كانت عليه»، يقول المحلل الاقتصادي أبو العرب، لافتاً إلى أن الموازنة العامة للعام 2021 ستحتاج إلى تحيين، في ظل استمرار المؤشرات السلبية معتقداً أن الوضعية سيئة وستزداد سوءاً، وفق تعبيره.
وأبرز أن قطاع السيارات والطائرات وكل ما يتعلق بالأنشطة اللوجيستية تضرر بشكل كبير في المغرب بسبب غلق الأجواء البحرية والجوية.
وختم المحلل الاقتصادي كلامه قائلاً، إن المغرب حد من خطورة الوضعية بصفة عامة بفضل التدبير المرن للجائحة بسبب عدم العودة للحجر الصحي الكامل كما قامت به بعض الدول، حيث ظل المغرب مرِناً في إدارة الجائحة وتعامَلَ معها بمنطق البؤر، فلم يكن هناك إغلاق شامل، ما مكن من الحد من الخسائر التي كان يمكن أن تكون أسوأ، خاصة وأن المغرب يسجل أعداداً مرتفعة من الإصابات والوفيات بسبب «كوفيد 19».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية