لندن- “القدس العربي”:
جاء اختيار الرئيس الأمريكي المنتخب جوزيف بايدن، لأنتوني بلينكن، ابن المؤسسة الأمريكية ليكون أكبر دبلوماسي أمريكي ووزير الخارجية تعبيرا عن عودة بايدن إلى التقاليد التي سارت عليها إدارة باراك أوباما من قبل.
ويوصف بلينكن بالرجل السلس والمحارب القديم ومن المدرسة التقليدية لكن التحديات أمامه ستكون كبيرة، وسيواجه كما يقول بوزرو دارغاهي من صحيفة “إندبندنت” عالما قاسيا. وهو كما يقول متحدث هادئ مقارنة مع سلفه المتبجح والذي يتحدث عن المظلومية.
وبلينكن داعية للإجماع ومستمع جيد، مقارنة مع مايك بومبيو الذي سيغادر منصبه والذي عادة ما يدخل تحيزاته ومواقفه الخاصة في الشؤون الأمريكية. وفي الوقت الذي نظر فيه لبومبيو كرجل فظ فإن بلينكن يحب العمل المشترك ويحترم الآخرين ومصقول في كلامه. فهو متحدث جيد بالفرنسية، درس في المدرسة الثانوية بباريس وسليل عائلة دبلوماسية. وهو من المدرسة التقليدية في السياسة الخارجية وكان نائبا سابقا لوزير الخارجية ولمستشار الأمن القومي، لكنه قد يجد أن النهج التقليدي السلس في السياسة الخارجية أمام امتحان لعدة تحديات تواجه واشنطن.
وقال ماثيو بريزا، الدبلوماسي الأمريكي السابق والذي يعرف وزير الخارجية المقبل من سنين: “سيعمل توني تحت ظروف مختلفة عن تلك التي عمل بها عندما كان نائبا لوزير الخارجية”.
وأضاف: “لماذا سيصدق العالم أن الولايات المتحدة تعود للمسار الموثوق عندما كانت توقع معاهدات وتلتزم بها؟ ووظيفته الرئيسية هي إعادة الثقة بمصداقية الولايات المتحدة التي ستلتزم بتعهداتها ومستعدة للقيادة”. وستكون مهمة إعادة العلاقات مع حلفاء أمريكا الذين شعروا بالراحة لفوز بايدن هي الأسهل لبيلنكن. وكذا مهمة العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ وإعادة التمويل لمنظمة الصحة العالمية التي ستكون سهلة.
أما المهمة المحفوفة بالمخاطر السياسية فستكون العودة إلى الاتفاقية النووية مع إيران التي لعب دورا مهما في التفاوض عليها والدفاع عنها ضد الصقور في واشنطن. وسيواجه قادة في الصين وروسيا الذين لم يثقوا بترامب لكنهم استفادوا من الفوضى وحرف النظر غير الضروري وسيظهرون قلقا من جوزيف بايدن الذي سيحاول العودة إلى الإجماع الدولي وتعبئة العالم ضدهم.
ويقول بريزا: “علاقة الولايات المتحدة مع الصين صدامية بشكل كبير وليس بسبب ترامب وحالة الحرب التي أعلنها ولكن بسبب أفعال الصين”. والمهمة الكبرى لبلينكن ستكون إعادة العلاقات مع الدول الصديقة ظاهريا مثل إسرائيل والسعودية وتركيا المرتبطة بواشنطن وكانت تتمتع بمدخل خاص إلى بيت ترامب الأبيض، وسيغلق الآن أمامها.
ويقوم بلينكن، 58 عاما، بتقديم النصح لبايدن في مجال السياسة الخارجية ومنذ عدة سنوات. وهو معروف وله سجل طويل في التصريحات العامة والسياسة. وكان ناقدا شديدا لخطوات ترامب مثل نقله السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
وفي تصريحات لتلفزيون فرنسا 24: “القدس هي عاصمة إسرائيل وستظل عاصمتها” و”لكن موضوع القدس من المفترض أن يكون جزءا من مفاوضات المرحلة النهائية باتجاه التسوية. وبإعلانها ومن طرف واحد أن القدس هي عاصمة إسرائيل ونقل السفارة هناك، قامت إدارة ترامب وبشكل فعلي بسحب الموضوع عن طاولة المفاوضات واتخذت قرارا فرديا”.
لكن نقد قرارات ترامب أقل صعوبة من إلغائها أو حتى إعطاء نوع من التوازن للعلاقات الأمريكية. ففي الشرق الأوسط، تقوم إدارة ترامب بنشاط واسع كي تعزز من سياساتها وتعطي إسرائيل أي شيء تريده على قائمة مطالبها بدون أن تمنح الفلسطينيين أي شيء، في محاولة لتعقيد مهمة إدارة بايدن.
ودافع بلينكن عن الاتفاقية النووية التي وقعها باراك أوباما رغم ما فيها من عيوب وتناولها الجانب التكنولوجي الإيراني فقط. وكتب في صحيفة “نيويورك تايمز”: “في الوضع المثالي، كنا سنناقش كل سلوك سيئ لإيران في الداخل وحول العالم”. و”لكننا نعيش في عالم حقيقي، وليس عالما مثاليا. والموضوع الوحيد الذي استعد حلفاؤنا لمناقشته بمن فيهم الأوروبيون والصين وروسيا وإيران هو الملف النووي”.
وسيكتشف بلينكن صعوبة تفكيك طبقات من العقوبات التي فرضها ترامب على إيران، خاصة بعد خسارته الانتخابات، لو قررت الولايات المتحدة العودة للاتفاقية من جديد.
وعلى خلاف ريكس تيلرسون وبومبيو فبلينكن يعرف الطريقة التي تعمل فيها واشنطن حيث عمل مع رئيسين سابقين. ويقول بريزا: “يعرف النظام البيروقراطي والسياسي”.
وتعرض بلينكن لنقد قاس من معارضيه، فالكاتب اليساري الميول روبرت رايت أعطاه علامة “جيد متدنية/جيم ناقص” ووصفه بـ”الليبرالي الداعم للتدخل” والذي فضل دائما القوة العسكرية على الدبلوماسية ودعم السياسات “التوسعية” الأمريكية التي استفزت الصين وروسيا.
وفي مدونته لاحظ أن بلينكن دعم التدخل العسكري في بنما عام 1990 للإطاحة بمانويل نورييغا. وقال: “غزو بلد لاعتقال زعيم يظل إشكاليا بناء على القانون الدولي”.
وأضاف: “توني ذكي ومجتهد ولكن عليه عمل المزيد والتعلم من أخطائه”. ورد بلينكن أنه يحترم رايت. وكتب على تويتر: “هذا يؤلمني في ضوء احترامي لروبرت رايت، وربما تطورت”.
وكان بلينكن هو مهندس العقوبات على روسيا بعد غزوها وضمها القرم في 2014 والذي وصفه المراقبون للسياسة الخارجية أنها عقوبات روتينية تشبه العقوبات التي فرضها ترامب على الدول التي تصادم معها.
وفي خطاب أمام معهد بروكينغز قال بلينكن: “بطريقة ما يعرف الرئيس بوتين وروسيا القوة من خلال التأثير الجيوسياسي الذي يستطيع الحصول عليه” و”إضعاف روسيا في المجتمع الدولي وعزلها يبدد سياسيا هذه القوة”.
وبدأ بلينكن بتحديد بعض المواقف التي حققت له احتراما من بعض المعلقين وميزته عن سلفه. فهو ربيب ناج من الهولوكوست، وألمح بلينكن إلى أنه سيتبع سياسة خارجية تقوم على القيم والدفاع عن قضايا حقوق الإنسان.
وفي ظل ترامب وبومبيو ركزت الولايات المتحدة على انتهاكات حقوق الإنسان في الدول المنافسة لها مثل إيران وفنزويلا والصين وتجاهلت بشكل تكتيكي انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية ومصر. وعبر عن ندم بسبب عدم اتخاذ أوباما قرارا بالمسألة السورية، والسياسة التي منحت المعارضة التي تقاتل ديكتاتورية بشار الأسد الغطاء العسكري والدبلوماسي الكافي للمعركة بدون القدرة على الإطاحة به. وهو موقف قال النقاد إنه أطال من أمد الحرب بدون أن يثمر حلا سياسيا.
وفي الأيام الماضية عبر بلينكن عن قلقه من اعتقال ثلاثة باحثين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وكتب تغريدة عن سبب اعتقال نظام عبد الفتاح السيسي لهم وهو مقابلة دبلوماسيين أجانب لبحث حقوق الإنسان: “مقابلة دبلوماسيين ليست جريمة وكذا الدفاع السلمي عن حقوق الإنسان”.
غير صحيح ……بل سيدمر كل ما فعله البرتقالي و بومبيو و العبوس القمطرير بجرة قلم بمشاركة كل العالم ……