اقتصاد العراق بين الانغلاق على العرب والانفتاح على إيران

حجم الخط
0

  بغداد-“القدس العربي”: في سباق محموم، تتصارع ارادتان في العراق احداهما تدعو للانفتاح على المحيط العربي لفك ازمات البلد واعادة العلاقة الطبيعية معه، مقابل ارادة تعرقل اي انفتاح على العرب وتصر على ربط العراق بإيران في كافة المجالات، وسط امال بحصول تغييرات في الموقف الامريكي ازاء العراق بعد انتخاب جو بايدن يغير هذا الواقع.

ولم تمر سوى أيام على وصول وفد سعودي كبير إلى بغداد في زيارة أثمرت عن توقيع عدة اتفاقيات للتعاون في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والزراعية والاستثمار، حتى أعلن وزير الزراعة العراقي محمد كريم، عن سحب الشركات السعودية مشروعاتها للاستثمار الزراعي، في البادية العراقية.

وذكر كريم للصحافيين، أن السعودية قررت عدم استثمار 1.7 مليون دونم للأغراض الزراعية في الصحراء العراقية، بسبب شح المياه، حسب ادعاءه، مبينا ان “السعوديين كان لديهم النية للاستثمار في القطاع الزراعي وإقامة مزارع كبرى لتربية الأبقار ومشاريع إنتاج الألبان، عبر خطط استثمار في محافظات المثنى والنجف والأنبار”.

 وجاءت تصريحات الوزير العراقي، لتحبط آمالا بجلب مشاريع واستثمارات عربية تنقذ الاقتصاد العراقي المتهالك، وذلك بالتزامن مع قيام القوى والأحزاب الشيعية المتنفذة، بشن حملة شرسة من الانتقادات والتشكيك بجدوى تعاون حكومة مصطفى الكاظمي، ليس مع السعودية فحسب، بل وضد التعاون الثلاثي (العراقي الأردني المصري) الذي عقدت لقاءاته مؤخرا، وأسفرت عن عقد اتفاقيات تعاون استراتيجي بين البلدان الثلاث، في مسعى لحكومة بغداد للانفتاح على البلدان العربية بهدف إيجاد مجالات تعاون واستثمار تساعد في فك الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها العراق.

وقد أقر الكاظمي، بأن “هناك حملات تشكيك بأي تقارب للعراق مع أي دولة، ترافقها شائعات تهدف لخلط الأوراق وتعطيل أي تفاهم يصب في صالح البلد” مشددا على أن “العراق يجب أن يكون بيئة جاذبة للاستثمار وليست طاردة، لأننا بحاجة فعلية للاستثمارات وتوفير فرص العمل والإعمار”.

وعبر الكاظمي عن استغرابه من وصف زعامات سياسية للمشاريع العراقية السعودية المشتركة بـ “الاستعمار” متسائلاً “السعودية خامس أغنى بلد في العالم، تستثمر أموالها في الأرجنتين والبرازيل وكندا، هل هذا يعني أن السعودية تستعمر تلك الدول؟”. وشدد ان “المستثمرين لديهم أموال، ونحن لدينا بطالة كبيرة، وعلينا أن نرحب بهم لنبني مصالح مشتركة”.

انتقاد التعاون مع العرب

وشنت القوى السياسية الشيعية حملة تشكيك وانتقادات للتعاون العراقي العربي، حيث تزعم رئيس حزب الدعوة ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حملة التحريض ضد هذا التعاون، وقال في تصريح “يجب ألا يكون الاستثمار الأجنبي على حساب العراق، سيما وان المساحة الزراعية التي تريد السعودية استثمارها كبيرة جدا” مشككا بنوايا السعودية من وراء الاستثمار.

وقد هاجم نواب عن كتلة المالكي “دولة القانون” ومنهم منصور البعيجي ومختار الموسوي، توجّه الحكومة العراقية، إلى إبرام اتفاقات مع مصر والسعودية، وأكدا أن “عقد اتفاقيات مع مصر أو السعودية هو ضحك على الذقون ولن يقدم شيئا للبلد غير خسارة الوقت في بناء البلد وتدمير اقتصادنا أكثر” مستغربين “لهاث رئاسة الحكومة وراء الاستثمارات السعودية الأمريكية” بل ان القيادي في ائتلاف دولة القانون خلف عبد الصمد، رفض موقف الخارجية العراقية الذي أدان الهجوم الحوثي على منشأة نفط سعودية في مدينة جدة مؤخرا، مذكرا بمشاركة سعوديين في قتل العراقيين ضمن تنظيمي “داعش” والقاعدة.

وكانت السعودية قد استأنفت العلاقات الدبلوماسية مع العراق في عام 2015 بعد 25 عاما من انقطاعها جراء الغزو العراقي للكويت عام 1990.

وبدورها لم تنجُ لقاءات القمة الاقتصادية العراقية المصرية الأردنية من شتى الانتقادات والتشكيك بجدواها، حيث عد النائب ثامر ذبيان عن تحالف الفتح الذي يضم الفصائل المسلحة، ان “ترك حكومة الكاظمي الاتفاقية الصينية والذهاب نحو مصر والأردن، هو توجه واضح صوب المحور الأمريكي الإسرائيلي والتطبيع” مدعيا ان “الكاظمي يسير بالعراق باتجاه مجهول ودمار للاقتصاد العراقي والسياسة الخارجية” فيما وجهت اتهامات لمشروع “طريق الشام الجديد” الذي يربط بين بغداد والقاهرة عبر الأردن، بحجة أنه أحد مشاريع التطبيع الاقتصادي مع الكيان الإسرائيلي، وأن الهدف من الاتفاقيات النفطية مع القاهرة تسهيل بيع النفط العراقي إلى إسرائيل.

تأييد سني للانفتاح العربي

وفي مقابل الاعتراض الشيعي على الانفتاح العراقي على الدول العربية، فقد برز تأييد التعاون مع الدول العربية في الجانب الشعبي عموما الذي تطحنه الأزمة الاقتصادية، وسط ترحيب الساسة السنة بالتقارب مع الدول العربية.

وقد شدد السياسي العراقي والنائب السابق محمد الدايني على أن “العراق العربي أقوى لشعبه وجيرانه”.

وقال الدايني في تغريدة على صفحته في موقع تويتر “تطور لافت فتح منفذ عرعر مع اشقائنا السعوديين، يحمل وصفة استقرار اقتصادي وغاية في الأمن الإقليمي” مذكرا بـ”معاناة شعبنا المنبطح تحت مجاعة خط الفقر”. وأضاف “عراقنا العربي يحفظ وحدته ويغادر العزلة والفقر وغلق باب الانهيار الاقتصادي، ويرسم ملامح مصالحة الأخوة الصادقة” وأشار الدايني إلى أن “هناك رغبة في مساعدتنا على تفادي الهاوية” مؤكدا أن “ترك التضليل والتطبيل مقياس العقلاء”.

وبدوره، كشف النائب السابق مشعان الجبوري عن ظهور بوادر خلاف جديد بين السياسيين الشيعة والسنة يتعلق بموضوع الاستثمارات السعودية في الأنبار. وقال الجبوري في تغريدة نشرها على صفحته بموقع تويتر “اختلاف آخر مع شركاء الوطن بعد ترحيبنا بتواجد قوات التحالف الدولي واصرارهم على رحيلها”. وأضاف “تتباين مواقفنا مرة أخرى حيث يرحب السكان والقوى السياسية في المحافظات المدمرة، بالاستثمارات السعودية ويتعهدون بحمايتها فيما تشكك القوى الشيعية بدوافعها وترفضها بالمطلق وتهدد باستهدافها ان بدأت”.

والحقيقة ان المتتبع يلاحظ ان إعاقة انفتاح العراق لم يقتصر على الجانب العربي، بل شمل وضع العراقيل أمام مشاريع دول أخرى منها تركيا، حيث تعرضت المشاريع التي تنفذها شركات تركية في العراق، إلى عمليات تخريب وخطف عمال وإحراق مستشفيات، كما حدث في تعرض مستشفى كربلاء إلى حرائق متعمدة ثلاث مرات لاعاقة افتتاحها، بدون الكشف عن الفاعل.

فتح اقتصاد العراق أمام إيران

وفي مقاربة بسيطة يتضح ان القوى السياسية الشيعية المتنفذة في العراق والمقربة من إيران بعد 2003 قد عرقلت الانفتاح نحو المحيط العربي، فيما فتحت أبواب العراق على مصاريعها أمام التجارة الإيرانية، لاستيراد كل أنواع البضائع والخدمات حتى الرديئة والفاسدة منها، حيث يحتل العراق المرتبة الأولى في الدول التي تستورد سلعا وخدمات إيرانية، إذ يبلغ حجم الصادرات الإيرانية إلى العراق سنويا نحو 12 مليار دولار في وقت تسعى طهران لرفعها إلى 20 مليار دولار.

ولا يكاد يمر يوم إلا ويتوافد المسؤولون الإيرانيون على بغداد أو العراقيون على طهران، لربط اقتصاد العراق بإيران في جميع المجالات، بحيث أصبحت إيران تحتل المرتبة الأولى في الدول التي يستورد العراق منها كل شيء. بل ان حكومات ما بعد 2003 تعمدت الانفتاح وتوفير فرض الاستفادة الاقتصادية القصوى لإيران في العراق حتى ولو كانت على حساب مصلحة البلد. ومثال ذلك إصرار الحكومات على إهدار كميات هائلة من الغاز العراقي ورفض عروض استثماره، من أجل استيراده من إيران، كما رفضت حكومة بغداد عروض الاستفادة من الكهرباء الرخيصة من دول الخليج العربي أو مصر، وفضلت استيراد الكهرباء من إيران رغم مخاطر تعرض العراق إلى عقوبات أمريكية عليه لخرقه العقوبات الدولية على طهران، وذلك عدا استيراد السلاح القديم من إيران بدل استيرده من الدول المتقدمة.

ولم يقتصر انفتاح حكومة بغداد على إيران فحسب، بل وشمل ذلك تسخير الاقتصاد العراقي لخدمة الدول الحليفة لإيران أيضا. فقد سمحت حكومة بغداد بفتح عشرات المصارف التي تقوم بضخ مليارات الدولارات على الاقتصاد الإيراني والسوري واللبناني للتخفيف من الحصار المفروض عليها، كما سمحت بإغراق الأسواق العراقية ببضائع تلك البلدان.

ويقدر الخبراء ان معدل الواردات العراقية سنويا يصل إلى حدود 60 مليار دولار، ووصل في عام 2013 إلى حدود 80 مليار دولار، وسط اهمال متعمد من الحكومات لتطوير الزراعة والصناعة المحلية، وذلك لأن الاستيراد، يخدم أيضا مصالح مافيات الفساد والأحزاب التي تحقق أرباحاً تقدر بنحو 15 مليار دولار سنويا من الاستيراد.

وفي سياق متصل، تبذل حكومة بغداد مساعي حثيثة لمد خطوط سكة حديدية بين إيران وسوريا عبر العراق، للمساهمة في فك أزمات تلك البلدان ، إضافة إلى زيادة التجارة ونقل البضائع إلى العراق.

كما أعلن الاتحاد السوري لشركات شحن البضائع الدولي أن افتتاح معبر عرعر على الحدود السعودية العراقية قبل أيام سيكون له أثر إيجابي على حركة نقل البضائع والشاحنات السورية من وإلى دول الخليج العربي. وكان ذلك المعبر قد أغلق في عام 1990 عقب أزمة الكويت، ولم يجر فتحه إلا خلال مواسم الحج.

وفي الحقيقة ليس سرا، ان العلاقات الاقتصادية لحكومات عراق ما بعد 2003 تحكمها أجندات وقيود الأحزاب والقوى السياسية الشيعية المسيطرة بقوة على الدولة ووزاراتها وسياساتها الخارجية، وبالتالي فإنها توجه الدولة بما يخدم مصالح حليفتها الشرقية. ومقابل خطوات ثابتة ومتواصلة لربط اقتصاد العراق بإيران وبقية الدول المتحالفة معها، يتم عرقلة وإفشال أي توجهات لانفتاح العراق نحو محيطه العربي، وبذا فإن علاقات العراق الاقتصادية ستبقى محكومة بإرادة إيرانية، وبانتظار سياسة الرئيس الأمريكي الجديد وتوجهات حكومته نحو العراق والمنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية