بعد اتصال الملك سلمان بأردوغان.. إلى أي مدى يمكن أن يصل التقارب السعودي- التركي؟

حجم الخط
6

إسطنبول- إحسان الفقيه:
قد تجد السعودية نفسها أمام ضرورة المضي قدما بالتقارب مع تركيا في المرحلة المقبلة على المستوى الاقتصادي على أقل تقدير، لحاجة البلدين إلى مثل هذا التقارب في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، مع احتفاظ كل منهما بسياساته الخارجية ومواقفه من ملفات الصراعات بالمنطقة.
وفي ذروة الحملة الإعلامية الموجهة ضد تركيا ومقاطعة منتجاتها، بادر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، قُبيل عقد قمة مجموعة العشرين “افتراضيا” بالاتصال بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتأكيد رغبة المملكة بإبقاء قنوات الحوار مفتوحة من أجل تعزيز العلاقات الثنائية وتسوية القضايا الخلافية.
ومع حقيقة الحملات الإعلامية المتبادلة، وواقع الاستقطاب في عموم المنطقة بين محورين تقف كل من تركيا والسعودية في المحور المنافس للآخر، إلا أن أنقرة والرياض ظلتا حريصتين على إبقاء العلاقات الرسمية ضمن حدودها الاعتيادية غير العدائية.
وتصاعدت الحملات الإعلامية السعودية ضد تركيا والمطالبة بمقاطعة المنتجات التركية بالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية لمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
وتبني تركيا سياسة الدفع باتجاه تحقيق العدالة، سواء عبر محاكم تركية لا تزال تنظر في قضية أكثر من عشرين متهما بالمسؤولية عن حادثة الاغتيال، أو عبر حث المجتمع الدولي للضغط على السعودية من أجل إجراء محاكمات غير مسيسة للمسؤولين عن مقتل خاشقجي، وهم من المقربين من ولي العهد محمد بن سلمان، الذي تشير تقارير استخباراتية أمريكية إلى مسؤوليته المباشرة عن إصدار أوامر القتل.
وتنفي السعودية رسميا مسؤولية ولي العهد، كما أنها أجرت محاكمات لمتهمين، انتهت إلى نتائج كانت محل انتقاد دول ومنظمات ومنها الأمم المتحدة على لسان أغنيس كالامار المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء.
ويعتقد مراقبون أن هامش حرية التعبير في السعودية لا يسمح بشن حملات إعلامية واسعة النطاق أو تنظيم حملات شعبية لمقاطعة المنتجات التركية دون توجيه حكومي رسمي “غير معلن”، ظهر جليا في تصريحين لرئيس اتحاد الغرف التجارية السعودية عجلان العجلان، دعا فيهما إلى مقاطعة استيراد المنتجات التركية ووقف حركة السياحة والاستثمارات السعودية في تركيا، واتهامات سابقة أوائل هذا العام من وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير لتركيا برعاية ودعم الميليشيات المتطرفة في ثلاث دول عربية بما فيها سوريا.
لكن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان نفى قبل أيام أي شكل من أشكال المقاطعة “غير الرسمية” للمنتجات التركية، مشيرا إلى أن العلاقات مع تركيا “طيبة وودية”.
ولاحظ متابعون أن وتيرة الحملة الإعلامية الموجهة ضد تركيا ومقاطعة منتجاتها قد تراجعت إلى حد بعيد عقب اتصال العاهل السعودي بالرئيس التركي، واقتصرت على حسابات ليس من بينها حسابات لأفراد من الأسرة الحاكمة أو مغردين مشهورين محسوبين على التوجه الحكومي.
وعلى خلفية ما يتحدث به أولئك المغردون باستمرار الحملة الإعلامية من صحف ومواقع تركية ضد السعودية، عاد هؤلاء، الثلاثاء 26 نوفمبر/ تشرين الثاني، لتدشين حملة جديدة ضد تركيا في مواقع التواصل الاجتماعي مع دعوات لاستمرار مقاطعة المنتجات التركية.
وتعاني كل من السعودية وتركيا من تداعيات متغيرات يفرضها واقع تراجع الاقتصاد العالمي جراء انتشار جائحة كورونا على الدول المرتبطة بمصالح مشتركة لتصفية خلافاتها العالقة، وضرورة إعادة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها، وكذلك مع الدول الأخرى وإنهاء التوترات الإقليمية وتخفيف حدة الصراعات في ساحات عدة ذات اهتمام مشترك مثل سوريا واليمن وليبيا وغيرها.
ووفقا لمحللين غربيين، فإنه مع اقتراب تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لإدارة البيت الأبيض، تسعى السعودية إلى تصفية بعض الملفات الخارجية وإبداء خطاب رسمي أكثر ليونة تجاه خصومها، تركيا وقطر، حيث أكد وزير الخارجية السعودي أن بلاده تواصل سعيها لحل الخلاف مع دولة قطر بعد معالجة “مخاوف أمنية مشروعة”.
ولا يرجح أن نوصف ما حدث من اتصال هاتفي بـ”تقارب” سعودي تركي على صلة بالإدارة الأمريكية الجديدة التي لرئيسها بايدن مواقف معلنة قريبة من سياسات الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما بدعم الاتفاق النووي مع إيران وإثارة ملفات حقوق الإنسان، وهي سياسات تنظر إليها السعودية على أنها أقل ودية من سياسات سلفه دونالد ترامب، الذي عطّل مرات عدة مشاريع قرار في الكونغرس الأمريكي لمعاقبة السعودية على مقتل جمال خاشقجي، والحرب في اليمن، وكذلك على معاقبة تركيا على صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس 400”.
وطيلة سنوات منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد منذ 2017، ظلت السعودية وتركيا على خلاف في ملفات خارجية، مثل سوريا وليبيا، إلى جانب وقوف تركيا ضد الحصار الذي فرضته السعودية ودول أخرى على قطر، وكذلك ما يتعلق بحادثة اغتيال جمال خاشقجي في إسطنبول، والموقف المتباين من ثورات الربيع العربي وحركات الإسلام السياسي مثل جماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها هيئة كبار العلماء السعودية قبل أيام بأنها “منظمة إرهابية لا تمثل الإسلام وتسعى للاستيلاء على الحكم”.
وعلى ما يبدو، فإن زيادة التهديدات الإيرانية التي تتعرض لها السعودية عبر القوى الحليفة لها، جماعة الحوثي وغيرها، تفرض عليها تخفيف التوترات مع الدول الإقليمية الفاعلة، ومنها تركيا التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع إيران.
يمكن القول، إن العلاقات التركية السعودية على الصعيد الرسمي “المعلن” ستحافظ على تأكيدات العاهل السعودي بضرورة استمرار قنوات الحوار مفتوحة بين البلدين، بينما ستتواصل الحملة الإعلامية وحملات مقاطعة المنتجات التركية في مواقع التواصل الاجتماعي.
من منظور واقعي، لا يطمح البلدان لتطوير علاقاتهما إلى ما يشبه التحالف الاستراتيجي، لكن كل منهما يسعى لتخفيف الآثار الضارة لسياسات المناكفة المتبادلة، والتدخل والانحياز إلى طرف ضد آخر في الصراعات التي تشهدها المنطقة، بالإضافة إلى سياسة الاستقطاب الدولي والإقليمي، ودخول هذه الدولة في محور مضاد ومنافس للمحور الآخر.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أبو حمزة:

    بسم الله الرحمن الرحيم. السعودية استطاعت إسقاط الاتحاد السوفيتي لكنها لا تستطيع اللعب مع تركيا أو إيذاءها خاصة بعد الفساد الذي انتشر في مكة في الوقت الذي انتشرت مدارس تحفيظ القرآن في تركيا العالم الإسلامي اليوم يتوجه بأنظاره إلى تركيا ويتجاهل السعودية كنت فيما مضى أذهب للحج والعمرة اليوم أذهب لزيارة مسجد الفاتح في استانبول بعدما أغلق الله مكة والمدينة بالوباء نتيجة الفساد العام في المملكة وقد جاءت قضية الشهيد خاشقجي لتضيف كرت ضغط جديد على المملكة والملك سلمان اتصل بأردوغان ليس شهامة ولا كرم أخلاق ولا بنية البنيان المرصوص إنما خوفا على ابنه من المحاكمة بعد سقوط ترامب الذي كان يحميه.

  2. يقول فادي-- فلسطين:

    المهم ان يكون الشيطان بن زايد بعيدا عن الموضوع وكل شيء انشاءالله يكون بخير

  3. يقول قاسم _ اربد:

    أن كانت السعودية تريد تخفيف التوتر مع إيران فلن تنفعها لا امريكا ولا اسرائيل فيجب عليها التقرب من تركيا وإزالة الخلافات معها لما فيه خيرا للعرب والأتراك فيجب على السعودية أن ترسل شخصية مهمة الى تركيا لنزع الخلافات مع بعضهم وإيجاد طريقة لحل قضية خاشقجي لان تركيا قادرة على إلحاق الضرر بالسعودية بمشكلة المرحوم خاشقجي وعلى اثره تعود قطر الى مجلس التعاون الخليجي وعلى السعودية أن تضغط على الإمارات لكف أذاها عن تركيا.

  4. يقول سلام عادل(المانيا):

    كل ما في الامر ان الاتصال كان لكي لا يتطرق اردوغان لقضية خاشقجي في القمة وافشالها نوعا ما والان بعد ان انتهى كل شيء بسلام ستعود الحليمتين الى نفس العادة القديمة لديهما فالقضية الاهم بالنسبة للسعودية هي كيف يتم ترويض قطر لتعود كما دول الخليج الاخرى تدور بفلك السياسة السعودية

  5. يقول سعيد/الأردن:

    مادام حكام آل سعود الفاسدين يحكمون أرض الحرمين ومادام في تركيا حكم رشيد بقيادة أردوغان يحكم تركيا فلن يحصل تقارب بينهما بل تنافر..ولكن حكام آل سعود سيحاولون إستعطاف تركيا لاسيما أن الديموقراطين في أمريكا سينظرون بجديه لجريمة إغتيال خاشقجي….

  6. يقول الأمين الحسن الحسين:

    شكرا جزيلا جزيتم خيرا

إشترك في قائمتنا البريدية