نتنياهو وبن سلمان: لعب كل الأوراق ترضية لترامب واستجداء لبايدن

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

اتهمت طهران إسرائيل بالمسؤولية عن مقتل كبير علماء الذرة الإيرانيين

في مرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية التي لم يعترف الرئيس الحالي دونالد ترامب بنتيجتها بعد، يحاول كل طرف في منطقة الشرق الأوسط موضعة نفسه للمرحلة المقبلة في إدارة ديمقراطية لديها أجندتها الخاصة وتعرف أن مهمتها هي إعادة موقع أمريكا في العالم ولن يكون لديها الوقت الكافي لكي تحول الشرق الأوسط إلى ساحة تحديد الإرث السياسي، سواء من خلال التشديد على إيران وفرض العقوبات التي تعهد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أنها ستفرض بشكل منتظم وإلى 20 كانون الثاني/يناير، أو الضغط على الدول العربية لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وكان هذا واضحا في حالة السودان الذي حاولت إدارة ترامب مقايضة رفع اسمه عن لائحة الدول الراعية للإرهاب بالتطبيع مع الدولة اليهودية.

حدثت ولم تحدث

وضمن هذا السياق يمكننا فهم اللقاء السري الذي تم بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحضور بومبيو الذي كان في السعودية. وهي الزيارة التي وصفتها مجلة “إيكونوميست” (23/11/2020) بالتي لم تحدث أبدا، رغم التقارير الصحافية الإسرائيلية وتأكيد المسؤولين الإسرائيليين والسعوديين أنها حدثت في مدينة نيوم التي يعمل على إنشائها ولي العهد السعودي. واللافت بالأمر أن الرقيب العسكري الإسرائيلي يمارس الرقابة على ما ينشر من تعاون سري سعودي- إسرائيلي إلا في هذه الزيارة التي لم يتدخل ومنعها لنشرها معلومات “حساسة”. وكان لافتا أن هناك أمرا ما يطبخه نتنياهو الذي انفتحت شهيته على صفقات التطبيع ويحاول الاستفادة من كل يوم تبقى لترامب في السلطة. ففي 22 تشرين الثاني/نوفمبر كان وزراء حكومته على موعد وزاري قبل أن يقال لهم إن اللقاء الغي بدون أسباب. وكان نتنياهو في طريقه إلى المطار ينتظره يوسي كوهين، مدير الموساد الذي بات يعمل بصفة المفوض في العلاقات مع الدول العربية التي لم تقم معها علاقات رسمية. وانتظرا حتى حلول الليل حيث ركبا طائرة تجارية فوق البحر الأحمر إلى السعودية. ولم تغب الرحلة عن عيون الصحافة الحادة التي ربطت بين التغيب ومسار الطائرة المفضلة لنتنياهو قبل أن تختفي عن الرادار. ورغم نفي وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان للزيارة إلا أن نتنياهو الجذل اكتفى بالتلميح. ونظر للزيارة على أنها سابقة تاريخية، فهي أول مرة يلتقي فيها مسؤول إسرائيلي بارز على أرض سعودية وريث العرش المقبل. مع أن ديفيد غاردنر في صحيفة “فايننشال تايمز” (26/11/2020) يرى في اللقاء شبه السري غير تاريخي، فالملك حسين التقى مع مسؤولين إسرائيليين عدة مرات قبل أن يوقع معاهدة سلام معهم، وهناك تقارير تشير للقاءات سرية أخرى جرت بين نتنياهو ومحمد بن سلمان على يخته في جدة، وفي عواصم عربية وأوروبية.

بن سلمان القلق والعصبي

وما يهم في اللقاء هو تحالف الضرورة بينهما في ظل إدارة متغيرة، رغم أن هذا يصدق بشكل كبير على محمد بن سلمان، فبايدن لن يقوم بعكس سياسات سلفه ترامب في الملف الفلسطيني، خاصة السفارة في القدس، وربما اتخذ موقفا من ضم أجزاء في الضفة الغربية. لكن المسألة مختلفة بالنسبة لمحمد بن سلمان الذي بات يريد ضامنا له في واشنطن يعيد التوازن في العلاقة مع الكونغرس. وبات يعتقد أن نتنياهو يستطيع مع اللوبي الصهيوني دعمه هناك. والمشكلة أن لقاء نيوم رتبه بومبيو الذي يواصل الضغط على السعوديين للتطبيع ومنح ترامب وبالضرورة جائزة كبرى تتفوق على ما تم التوصل إليه مع الدولتين الخليجيتين الصغيرتين وهي البحرين والإمارات العربية المتحدة. إلا أن الرياض لا تريد التحرك في هذا الملف قبل وصول بايدن إلى البيت الأبيض، مع خشية محمد بن سلمان من هذه الإدارة التي تعهدت بإعادة النظر في العلاقات الأمريكية-السعودية، بما في ذلك التأكيد على ملف حقوق الإنسان والعودة بطريقة ما إلى الاتفاقية النووية مع إيران ووقف صفقات السلاح لحرب اليمن. وكان لافتا وصف بايدن السعودية في تغريدة له بالذكرى الثانية لمقتل جمال خاشقجي بالمنبوذة. كل هذا يفسر بحث محمد بن سلمان المحموم عن يد تساعده في المرحلة المقبلة. وإذا أخذنا بتحليل رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” (27/11/2020) ديفيد هيرست، فقد أصبح ولي العهد السعودي قلقا ويعيش أوقاتا عصبية ومتوجسا من إدارة ديمقراطية. ويعتقد هيرست أن كثيرا من الأعداء الذين خلقهم محمد بن سلمان لنفسه منذ صعوده إلى السلطة سيرون في إدارة بايدن حليفاً لهم ومن بينهم “كبار الأمراء الذين ألقى محمد بن سلمان القبض عليهم واعتقلهم – ابن عمه الذي يكبره سناً، ولي العهد السابق محمد بن نايف، وعمه الأمير أحمد بن عبد العزيز، الذي عارض محمد بن سلمان على الملأ”. ونقل التقرير عن مصدر لديه معرفة مباشرة بالأمور داخل الديوان الملكي السعودي، حال ولي العهد بأنه “كان قلقاً وعصبياً جداً”. وقال مصدر آخر: “يعيش محمد بن سلمان أسوأ أيامه منذ أن أصبح ولياً للعهد. أكثر ما يقلقه هو بايدن، ويشعر بأن هذه الإدارة ستكون معادية له، وستكون مع العالم في عدم نسيان كل ما عملته يداه من جريمة قتل جمال خاشقجي إلى سجن الناشطات الحقوقيات والإساءة إليهن. في الحقيقة لا يعرف ما يجب عليه فعله”.

خوف من إيران

لكن محمد بن سلمان كان مترددا في الموافقة على طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شن هجوم على إيران عندما التقيا الأحد الماضي في نيوم. وهذا التردد نابع من الهجمات الأخيرة على المنشآت النفطية السعودية التي كانت محملة بتحذيرات ورسائل إيرانية. ويخشى في الوقت نفسه من تردد أمريكا بايدن بالرد على الهجمات المضادة من إيران وتخفيض التصعيد ثم الدخول في مفاوضات حول صفقة النووي مع طهران. في وقت لم يتعهد فيه بومبيو بشن هجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية. وهو الذي أقنع ترامب حسب “نيويورك تايمز” (18/11/2020) في الأسبوع الماضي بغض الطرف عن عملية ستزيد من التصعيد في المنطقة. كل هذا لا يعني عدم حدوث هجوم، فهو لا يزال على الطاولة كما قال ديفيد إغناطيوس في “واشنطن بوست” (26/11/2020) الذي لفت الانتباه إلى وصول قاذفات بي 52 من قاعدة في نورث داكوتا إلى الخليج، وشاركت في التدريبات طائرات أمريكية أخرى منها طائرات مقاتلة وطائرات تزويد بالوقود. ويقوم القائم بأعمال وزير الدفاع كريستوفر ميلر حالياً برحلة أخرى إلى الخليج، حيث يزور القواعد الجوية الأمريكية في كل من البحرين وقطر، في الظاهر ليحتفل مع الجنود الأمريكيين هناك بعيد الشكر. وفي إيران هناك مخاوف من إمكانية ضربة عسكرية على منشآتها النووية. كما يشير مقتل كبير علماء الذرة الإيرانيين محسن فخر زادة والذي اتهمت طهران إسرائيل بالمسؤولية عنه. ويأتي بعد صيف من التفجيرات والحرائق التي تعرضت لها منشآت حيوية في إيران، في محاولة لجرها إلى معركة لا تريدها. وبدأ الحذر الإيراني من التقارير التي تحدثت عن زيارة قائد فيلق القدس، اسماعيل قاآني لبنان والعراق حيث طلب من الميليشيات التوقف عن ضرب الأهداف الأمريكية لحين مغادرة ترامب البيت الأبيض كما كشف موقع “ميدل إيست آي” (24/11/2020).

ليس حبا بفلسطين

لا ينبع تردد محمد بن سلمان ورفضه التطبيع مع إسرائيل من حرصه على مصلحة الفلسطينيين الذين يمقتهم كما قال مصدر تحدث إليه هيرست، وهو على خلاف أعمامه من ملوك السعودية لا يعبأ بالقضية الفلسطينية. وكشفت تقارير عن اتفاق نتنياهو وبن سلمان مسبقا على تسريب خبر اللقاء السري الذي خدمه من ناحية إيصال رسالة لإيران وبايدن وأفرح نتنياهو الذي اكتفى بالتلميح. ولكن أي تطبيع في العلاقات مع إسرائيل سيكون باسم والده الملك سلمان، الذي قيل أنه لا يزال متمسكا بالمبادرة السعودية أو العربية 2002 التي ربطت التطبيع الشامل بالانسحاب الكامل إلى حدود 1967. لكل هذا بات الإبن يعتمد أكثر على والده كرمز أكثر من أي وقت مضى. فخلال لقاء مجموعة العشرين عبر الإنترنت في الرياض، تصدر الملك سلمان المشهد بينما غاب محمد بن سلمان عن الصورة الرسمية، رغم تمثيله السعودية في اللقاءات الماضية لمجموعة العشرين. وتم استخدام الملك سلمان لتحسين العلاقات مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. وقد فعل ذلك من خلال الاتصال هاتفياً باردوغان، حيث اقترح عليه أن يلتقي وزيرا خارجية البلدين لحل قضية المقاطعة غير الرسمية التي تفرضها المملكة على البضائع التركية. والسبب الرئيسي في رفع الرياض لغصن الزيتون الآن هو أنه عندما ينفتح بايدن على إيران، فسوف تحتاج المملكة العربية السعودية وتركيا لبعضهما البعض.

اليمن النازف

 ثم هناك الحرب في اليمن، والتي تعتبر من الأمور الرئيسية التي تشغل بال ولي العهد. وأشار “ميدل إيست آي” عن مصدر قوله: “ينزف الاقتصاد بمعدل أكبر بكثير مما يعلن عنه رسمياً وذلك لدفع تكاليف العملية العسكرية السعودية في اليمن. لقد حصل حليفه الرئيسي محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، على ما يريد (أي السيطرة على الجنوب) وترك محمد بن سلمان وحده في الحرب مع الحوثيين”. وهو يعاني كوزير للدفاع من نقص الجنود في الميدان، ولهذا طلب من رئيس مصر عبد الفتاح السيسي الذي لم يبد استعدادا للالتزام، فهو يشعر بالخسارة بعد التطبيع الإماراتي. وباتت إسرائيل تركز على منفذ للخليج على البحر المتوسط الأمر الذي يعني تجاوز مصر والاستغناء عن قناة السويس.

القدس وقطر

ولن تلغي مخاوف محمد بن سلمان من إدارة بايدن تخفيف الضغط عليه، ففي وقت بات فيه الحديث عن التطبيع عاديا، بعد ما كان محرما، تحاول إسرائيل رمي كل ما هو مغر للسعودية، بما في ذلك المساعدة في تعزيز قيادتها للعالم الإسلامي من خلال تغيير الوضع الراهن في الأقصى. وبات الأردن يخشى من تغيير نتنياهو الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس والمنصوص عليها في اتفاقية وادي عربة 1994 من أجل دفع السعودية للتطبيع وضرب منافستها إيران التي لا تعترف بسيادتها على الحرمين في مكة والمدينة. وأشارت صحيفة “الغارديان” (26/11/2020) إلى بيان وزارة الخارجية الأردنية الذي حذر من أي تلاعب بالوضع الراهن في القدس.

ربما كان محمد بن سلمان قادرا على التعايش مع إدارة بايدن، رغم المطالب المتكررة للأخير بدوزنة جديدة في العلاقات مع دولة لا تحترم حقوق الإنسان (كما جاء في مقال بذا هيل، 26/11/2020) لكنه لن يستطيع الإفلات من شبح جمال خاشقجي ولا الناشطات المعتقلات، خاصة لجين الهذلول التي طالبته منظمات حقوقية بالإفراج عنها، لكنه فاجأ الجميع وحولها إلى محكمة خاصة بالإرهاب. واستغربت صحيفة “نيويورك تايمز”(25/11/2020) من هذا التطور الذي جاء وسط تغييرات في السلطة بواشنطن. وفي النهاية فلعبة الحفاظ على التأثير ولعب الأوراق واضحة لدى كل طرف، فإسرائيل تعرف أن بايدن من كبار الديمقراطيين الموالين لها ولن يحاول افتعال أزمة معها. أما بن سلمان فربما وجد في النزاع مع قطر وسيلة لإعطاء هدية وداع لترامب وترحيب ببايدن كما كشفت صحيفة “فايننشال تايمز”(27/11/2020) قائلة إن السعودية تبحث عن طرق لحل الملف الخليجي وفض النزاع مع دولة قطر كهدية للرئيس المنتخب جوزيف بايدن. فقد كثفت الرياض من جهود حل نزاع استمر 3 أعوام مع دولة قطر، وأن هذه الجهود زادت بعد هزيمة الرئيس دونالد ترامب. وينظر للخطوة كمحاولة للتقرب من بايدن وكهدية وداع للرئيس دونالد ترامب. وقال مستشار للسعودية والإمارات العربية “هذه هدية لبايدن”. وأضاف أن الأمير محمد “يشعر أنه في مرمى الهدف” بعد فوز بايدن ويريد التعامل مع قطر “ليعرب عن استعداده اتخاذ خطوات”. وقال دبلوماسي إن الجهود الأخيرة تقودها الكويت بهدف وضع أسس حوار مباشر بين الرياض والدوحة. وتريد قطر أن تكون هناك خطوات بناء ثقة قبل المحادثات الثنائية مثل رفع الحظر عن الطيران. وهناك مقترح فتح حرية الحركة للمواطنين القطريين في الدول التي فرضت الحصار، مع أن الدوحة تريد ضمانات على سلامتهم. وعبر مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين هذا الشهر عن أمله بقدرة الطيران القطري على تسيير رحلات فوق الدول المحاصرة في الـ “70 يوما المقبلة” قبل نهاية رئاسة دونالد ترامب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية